لم يكن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مجرد رئيس تولى حكم البلاد في مرحلة مهمة من تاريخها الحديث، لكنه كان زعيمًا قوميًا وقائدًا للعروبة بامتياز، أحبه المصريون وجميع الشعب العربي تعلق بـ"ناصر" الذي نزع من قلوبهم الخوف، وجعلهم يأملون بوطن عربي كبير وعريق، لكن الزعيم الذي طالما تعلقت بيه القلوب وهتف له الملايين في جميع الوطن العربي، رحل مبكرًا عن عمر يناهز 52 عامًا، بعدما عاش نكبة مريرة لمدة سنوات بعد عدوان 1967، عاش بعد مهموما يحاول البناء من جديد من أجل استعادة الأرض والانتصار على العدو، لكن القدر لم يمهله هذا المرة أن يكمل المهمة.
جنازة الزعيم جمال عبد الناصر
رحل جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر عام 1970، وبعد بيومين وبالتحديد في مثل هذا اليوم 1 أكتوبر من نفس العام، خرج الملايين من المصريين تكتظ بهم الشوارع والميادين والأزقة في وداع قائد الثورة، وصاحب اتفاقية جلاء الاحتلال البريطاني عن مصر، وبطل العدوان الثلاثي، الذي أمم القناة وأمر ببناء السد العالي، وكان أول رئيس مصري للبلاد يهتم بالفلاحين ويعطى الفقراء والبسطاء، فكان حبيبهم قبل أن يكون زعيمهم.
جنازة الزعيم جمال عبد الناصر
صاغ الفريق محمد فوزي، وزير الدفاع الأسبق، في مذكراته الصادرة تحت عنوان " الإعداد لمعركة التحرير 1967-1970" مشاعر المصريين وشكل البلاد بعد إذاعة خبر رحيل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وكيف استقبل الناس الخبر، وكشف احتشد المصريين عن بكرة أبيهم من أجل وداع ناصر إلى مثواه الأخير.
جنازة الزعيم جمال عبد الناصر
يقول الفريق فوزي في مذكراته: "كانت إذاعات القاهرة اقتصرت على تلاوة القرآن الكريم منذ السابعة مساء، وبعد ان أعلن خبر وفاة الرئيس جمال عبد الناصر رسميا تحولت الشوارع إلى ملحمة بشرية حزينة متجهة إلى منزل الرئيس بمنشية البكري، وإلى قصر القبة وإلى شواطئ النيل.. تذكر المصريون قائدهم العظيم، صولاته وجولاته وانحيازه للفقراء، وعناده في مواجهة الأعداء. أخرجوا صوره من البيوت وقفزوا بها إلى الشوارع، الناس تمضي، تهتف "الله حي.. الله حي.. عبد الناصر دائما حي". تركوا كل شيء نسوا كل شيء وراحوا يتكدسون في الحوارى والأزقة، في قري مصر البعيدة، في جنوب الصعيد وفى شوارع طنطا والإسكندرية والبحيرة، وكل جزء من تراب الوطن، اهتزت مصر، واهتز العالم، توقفت الحياة تماما، بكاه الأصدقاء ولم يصدق الأعداء موته، ظل الناس يصرخون ويهتفون حتى الصباح، باتوا ليلتهم خارج البيوت، لم يذوقوا طعم النوم، فكيف ينامون والبطل الذي أحبوه يرحل عن هذه الحياة؟
ويكمل فوزي مشهد المصريين بعد رحيل الزعيم: "في صباح اليوم التالي كان البسطاء قد زحفوا إلى القاهرة من الدلتا والصعيد، جاءوا يحملون صور القائد بملابسهم الفقيرة، يبكون غير مصدقين ما حدث. جاء الشباب يحملون صور القائد تحوطها الزهور ويجللها السواد، تراصوا في صفوف طويلة يهتفون: "ما تفرحش يا استعمار.. عبد الناس فات أحرار"، "متصدقش ما تعطيش عبد الناصر لسه ماماتش".
جنازة الزعيم جمال عبد الناصر
ويتابع في وصفه المشاهد العامة للشوارع:" واجهت المحال أغلقت واتشحت بالسواد، تلاة القرآن عمت مصر من مكبرات الصوت في المساجد، جالات الإغماء تتوالى وسيارات الإسعاف تعجز عن اختراق الحشود البشرية.. وفي منطقة القصر الجمهوري، تزاحم حوالى مليون مواطن ينشدون "بلادي بلادي نموت نموت وتحيا مصر. لا إله إلا الله.. عبد الناصر حبيب الله".. كانت الانفعالات عنيفة جدا. كان الشباب يتسلقون العمارات الشاهقة وقطارات المترو، ويجلسون إلى جوار أسلاك الكهرباء ولم يعبأ أحد منهم بالخطر، فالحياة لم تعد تساوي شيئا بعد رحيل جمال.
جنازة الزعيم جمال عبد الناصر
من خارج القاهرة ازدحمت الشوارع بكتل بشرية لم تحدث مثلها من قبل، وتوقفت المواصلات، وظل المواطنون في الشوارع حتى صباح اليوم التالى، كم كانت الصدمة حزينة على الشعب المصري، وشعوب الأمة العربية والأفريقية، وقد أعلنت مشاعرها عبر الإذاعات، وفى البرقيات، واستعد أغلب رؤساء دول العالم ووفودها لحضور جنازة الزعيم جمال عبد الناصر".
جنازة الزعيم جمال عبد الناصر
جنازة الزعيم جمال عبد الناصر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة