"وأؤكد بشكل واضح، أن سعى مصر للسلام، واعتباره خيارها الاستراتيجي، يحتم عليها ألا تترك الأشقاء في فلسطين الغالية، وأن نحافظ على مقدرات الشعب الفلسطيني الشقيق، وتأمين حصوله على حقوقه الشرعية.. فهذا هو موقفنا الثابت والراسخ، وليس بقرار نتخذه، بل هو عقيدة كامنة في نفوسنا وضمائرنا"، هذا ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال تخرج دفعات جديدة من الكليات العسكرية.
وأجمع خبراء استراتيجيون، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم /الجمعة/، على أن حديث رئيس الجمهورية يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن موقف مصر ثابت تجاه القضية الفلسطينية وأنها تضطلع بمسئوليتها ولن تترك شعب فلسطين وحده، رافضين مساعي إسرائيل لتهجير الفلسطينيين من أرضهم؛ لنسف القضية ومبدأ حل الدولتين.
اللواء محمود محي الدين، الباحث السياسي في شئون الأمن الإقليمي، يقول إن رسائل الرئيس السيسي بمناسبة تخرج دفعات جديدة من الكليات العسكرية، فيما يتعلق بموقف مصر من القضية الفلسطينية وأمن الأمة العربية بأكملها كانت واضحة ودقيقة وموجهة إلى كافة الأطراف.
وأضاف أن الرئيس أعاد التأكيد على أن مصر في صدارة الدفاع عن الأمة العربية وقدمت الدماء والتضحيات وكل ما تملك من أجل العرب، والتاريخ يشهد على ذلك، منوهًا بأن الوقوف بجانب شعب فلسطين هو مبدأ مصر لم تحيد عنه منذ العام 1948.
وشدد اللواء محمود محي الدين على ما تمثله القضية الفلسطينية من أولوية قصوى لمصر، ليس فقط بحكم التاريخ والجغرافيا وروابط الدم بل أيضا لكونها امتدادا للأمن القومي المصري.
وتابع أن الرئيس تحدث عن الوساطة المصرية بكافة الإمكانيات وضرورة إدخال المساعدات ودعم صمود أبناء غزة أمام قطع المياه والكهرباء ومحاول تجويعهم، بجانب المطالبة بأقصى درجات ضبط النفس وإخراج المدنيين ولاسيما الأطفال والنساء من دائرة الانتقام الغاشم والعودة فورًا للمسار التفاوضي، مشيرًا إلى أن القيادة السياسية المصرية تنادي بإعلاء صوت العقل والوقف الفوري للاعتداء الغاشم من قبل جيش الاحتلال.
وحذر من تهجير الفلسطينيين من أرضهم والبحث عن وطن بديل لهم من أجل إنهاء القضية الفلسطينية والتخلص من حل الدولتين وترك أرض فلسطين كاملة لإسرائيل، منبهًا بأن هذه الأفكار التي تسعى إليها إسرائيل ستؤدي إلى انفجار الأوضاع بالمنطقة وحالة من عدم الاستقرار ليس فقط بالشرق الأوسط بل ستمتد إلى الغرب الذي يتبع "سياسية ازدواجية المعايير" في التعامل مع الملف الفلسطيني.
واختتم بأن شعب فلسطين شعب وطني صامد ولن يترك أرضه ووطنه، ومصمم على الحصول على حقوقه كاملة، ومن يراهن على غير ذلك فهو خاسر.
من جانبه.. أكد اللواء عادل العمدة خبير الشئون العسكرية، أن الرئيس السيسي وجه رسائل تاريخية إلى العالم أجمع خلال حديثه بالكلية الحربية، مفادها بأن الضمير الإنساني ولاسيما العربي هو الذي يحكمنا في تلك الأوقات العصيبة التي يمر بها الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط.
وأضاف أن الرئيس السيسي شدد على أن مصر كانت دائما وأبدا في صدارة الدفاع عن الأمة العربية؛ مستشهدًا بأن ما يجرى بفلسطين الآن في مرمى بصر الدولة المصرية وقواتها المسلحة، وفي قلب كل مصري أصيل على أرض مصر، إذ أن الموقف المصري ثابت وراسخ على مدار التاريخ تجاه القضية الفلسطينية، قضية كل العرب.
وتابع أن الرئيس طالب بتحديد ممرات آمنة لإخراج المصابين والأطفال، وأكد استعداد مصر للوساطة بين الأطراف المتنازعة لتحقيق السلام ولتخفيف العبء عن إخواننا بالقطاع، قائلًا: "مصر لن تترك الأشقاء الفلسطينيين وحدهم، وبالفعل هناك تحركات مصرية في هذا السياق وفقًا للمصادر الرسمية والإعلامية"، مذكرًا بما حدث من قبل وتكريس مصر لنحو 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة.
وحذر اللواء العمدة من نزوح أهل غزة عن وطنهم، إذ أن ترك الفلسطينيين لأرضهم يعني القضاء على القضية الفلسطينية وهو ما تسعى إليه بعض أطراف الآن، منبهًا بأن إنهاء السلام واستمرار التصعيد سيؤدي إلى "صراعات صفرية"، أي لا منتصر فيها ولا مهزوم، كما أشار الرئيس، والنتيجة مزيد من العنف سيؤدي إلى عدم الاستقرار بالمنطقة بل بالعالم أجمع.
ووصف الخبير الاستراتيجي الصراع الذي لا يهدف بالنهاية إلى إيجاد حل أو إحلال سلام بأنه "عبث"، موضحًا أن ما يجرى الآن على أرض فلسطين من شأنه نسف مسارات السلام وإنهاء القضية الفلسطينية.
وأكمل أن كلمة الرئيس تطالب بضبط النفس وتحث المجتمع الدولي على الاضطلاع بمسئوليته خاصة المنظمات الدولية والإقليمية، وأن يراعي حقوق الإنسان وحق الفلسطينيين في الحياة.. منتقدًا "سياسة الكيل بمكيالين" التي ينتهجها العالم الغربي في التعامل مع شعب فلسطين ومساندته الدائمة لدولة الاحتلال ما يعطيها القوة في استمرار قتل الفلسطينيين.
وحذر العمدة من سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل، منبهًا بأن ما حدث يوم 7 أكتوبر هو نتاج طبيعي لتعنت إسرائيل في تحقيق السلام وضياع الفرص، معتبرًا أن استمرار دولة الاحتلال في التعامل بغباء مع القضية الفلسطينية واستهداف أهل غزة بعنف غير مسبوق لن يأتي إلا بمزيد من العنف والتصعيد، مختتمًا بضرورة سرعة تحرك العقلاء بهذا العالم لإجبار إسرائيل على وقف سياسة حرق الأرض وإبادة شعب فلسطين.
أما الدكتور خالد عكاشة، رئيس المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يؤكد أن كلمة الرئيس السيسي بالكلية الحربية حملت تأكيدًا جديدًا وواضحًا على الموقف المصري ليس فقط تجاه الوضع الراهن بقطاع غزة بل تجاه القضية الفلسطينية، كما وضع الرئيس المجتمع الدولي أمام مسئوليته في تأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني الذي تستهدف إسرائيل معاقبته جماعيًا.
وأضاف الدكتور عكاشة أن صون حقوق الشعب الفلسطيني أولوية قصوى لمصر حكومة وشعب، رغم كل الصعوبات المحدقة ببلادنا وكل القلاقل القادمة من الجوار الجغرافي.
وشدد على أهمية إشارة الرئيس إلى أن التعاطف مع الأشقاء يحتاج إلى إعمال العقل حتى نصل إلى سلام عادل، ولن يضمن هذا السلام والوصول إلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني سوى بقاء الفلسطينيين داخل أرضهم دفاعًا عنها وعن الأمل في إقامة الدولة المستقلة وأي شيء غير ذلك يعني تصفية القضية وهو ما ترفضه مصر.
ونوه بأن حديث الرئيس السيسي يعد مرآة عاكسة لثوابت السياسة الخارجية المصرية تجاه القضية الفلسطينية في الماضي والحاضر، إذ تعلي تلك الثوابت العقل والسلام على أصوات المعارك والصراع وترفض سياسات العقاب الجماعي واستهداف المدنيين، وتحتكم إلى القانون الدولي والإنساني.
من جهته.. قال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، إن الرئيس السيسي أطلق رسائل عبر حديثه تدعو كل الأطراف إلى التهدئة والعودة للحوار مرة أخرى، خاصة أن مصر بذلت مجهودات كبيرة في هذا الملف الفلسطيني قبل تلك الأحداث وأبلغت الطرفين بخطورة هذا التصعيد.
وأضاف أن حديث الرئيس ركز على الثوابت المصرية في التعامل مع الملف الفلسطيني، لافتًا إلى أن مصر هي أكبر دولة عربية تقدم مساعدات وكافة المتطلبات للدفاع عن الحقوق الفلسطينية وتبذل جهودًا لا تنقطع من أجل الوصول إلى حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وتابع أن رسائل الرئيس البليغة التي جاءت بين السطور في كلمته، تؤكد بطبيعة الحال أن مصر ركيزة الاستقرار وتنفتح على الجميع وتبدي المساهمة والمشاركة مع كافة الأطراف المعنية لحل القضية الفلسطينية، منبهًا بأن الرئيس السيسي تحدث عن منطقتنا المضطربة التي تواجه أزمات و صعوبات وتحديات وتحتاج إلى ترتيبات واتفاقيات وتوافقات وليس لصراع أو صدام، مع التأكيد على دور مصر المركزي والمحوري في هذا الإقليم وسعيها لحل القضية الفلسطينية وإحلال السلام بدل من الصراعات التي ستؤدي لمزيد من الصدامات على كافة المستويات.
واختتم الدكتور طارق فهمي بالتشديد على أن أمن واستقرار مصر هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للجميع وفوق أي اعتبارات أخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة