أمين عطا الله تضامن مع العائلات المنكوبة منذ 1912 وعزيز عيد أول فنان حارب الكيان الصهيونى.. سلامة حجازى غنى للجمهور الفلسطينى
حسين رياض انتحل شخصية كشكش بك.. الريحانى قدم أول مسرحية عن ريا وسكينة فى يافا والاحتلال الإنجليزى منع فرقته فى رام الله
على مر العصور كان ولا يزال الفن وسيلة للتواصل وتقوية الأواصر بين الأشقاء العرب، يعبر عن مشاعر الأخوة والتضامن فى أصعب اللحظات التى يمر بها الوطن، وينقل من خلاله الفنانون مشاعر الشعوب، بل أحيانا يقفون على خط النار تعبيرا عن مواقفهم وعروبتهم، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وما يتعرض له الشعب الفلسطينى الشقيق من انتهاكات الاحتلال الغاشم.
كانت فلسطين قبل الاحتلال الصهيونى عام 1948 سوقا رائجة للفن المصرى، وقبلة للفرق المسرحية وكبار الفنانين.
شهدت المسارح ودور العروض السينمائية فى فلسطين حفلات غنائية لكبار المطربين العرب، ومنهم سلامة حجازى ومنيرة المهدية وكوكب الشرق أم كلثوم، وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وزارتها الفرق المسرحية، حيث كانت فلسطين إحدى المحطات الرئيسية لأغلب الفرق المصرية.
أول فرقة مسرحية تزور فلسطين
وطبقا لكتاب الدكتور سيد على إسماعيل، المتخصص فى الأدب المسرحى وأستاذ اللغة العربية بكلية الآداب جامعة حلوان، الذى حمل عنوان «المسرح المصرى فى فلسطين قبل النكبة 1948»، فإن فلسطين كانت إحدى المحطات الرئيسية لأغلب الفرق المسرحية المصرية، واستطاعت هذه الفرق أن تسهم بشكل أو بآخر فى ظهور النشاط المسرحى الفلسطينى.
وذكر الكتاب أن فرقة إخوان عطاالله- سليم وأمين- تعد أول فرقة مصرية مسرحية راسخة، استطاعت أن تزور فلسطين وتعرض فيها أعمالها، وتؤثر فى المسرح الفلسطينى، لأكثر من 30 سنة، وتحديدا منذ عام 1912 إلى عام 1940.
كان للفرق المصرية دور وطنى وقومى، حيث نشرت جريدة «فلسطين»- التى كانت تصدر فى يافا- بتاريخ يوليو 1912، موضوعا تحت عنوان «إعانة للطيارات»، قالت فيه: «تبرع الجوق المصرى بإدارة سليم أفندى وأمين أفندى عطاالله بإحياء ليلة خصوصية، مساء الاثنين المقبل، لإعانة الطيارات»، وهو ما يعنى أن الفرقة عرضت ليلة مسرحية وخصصت ربحها لمشروع مدرسة الطائرات فى فلسطين، كما تبرعت ببعض أيام العرض لأغراض إنسانية، وتضامنا مع العائلات المنكوبة.
ذكر كتاب «المسرح المصرى فى فلسطين قبل النكبة 1948» أن فرقة الشيخ سلامة حجازى سافرت إلى فلسطين عام 1913، وكذلك فرقة جورج أبيض، وكان الشيخ سلامة حجازى وقتها قد اشتد عليه المرض، فلم يظهر مع الفرقة فى أول أيام العرض، حيث امتلأ المسرح بالجمهور الذى جاء لسماعه، وعندما اعتذرت الفرقة عن ظهور الشيخ، مؤكدة اشتداد المرض عليه وأنه سيرضى الجميع ويمثل فى الليلة المقبلة، ثار الجمهور الذى ظل موجودا لبعد الثانية صباحا على أمل حضور الشيخ سلامة، ولم يجد رجال الفرقة حلا سوى تنفيذ رغبة الجمهور، وذهبوا إلى الشيخ المريض فى اللوكاندة، وأنزلوه متكئا على أكتافهم، حيث كان مصابا بالشلل، وذهبوا به إلى القاعة ليغنى للجمهور، وبالفعل غنى الشيخ للجمهور فى أول ظهور له فى فلسطين، فى ليلة لن ينساها التاريخ، وفى الليلة الثانية عرضت رواية «غانية الأندلس» وكان الشيخ سلامة بطلها، فسحر الألباب بألحانه وأغانيه.
كشكش بك الحقيقى والبديل
ذكر الكتاب أن العديد من الفرق المصرية، التى زارت فلسطين فى وقت مبكر، قدمت عروضا مسرحية لشخصية كشكش بك التى ابتكرها الفنان الكبير نجيب الريحانى عام 1916، وحاول البعض تقليدها واستغلالها فنيا، وقام أكثر من فنان بادعاء أنه «كشكش بك»!
وقال الدكتور سيد على إسماعيل فى كتابه: «الغريب أن أول من قام بهذا الادعاء فى فلسطين، كان الفنان حسين رياض، أحد أفراد فرقة الريحانى منذ عام 1917، مؤكدا أن الفرقة جاءت ومثلت مسرحيات الريحانى بعناوينها »، مؤكدا أن العديد من الفرق قدمت شخصية كشكش بك، ومنها فرقة إخوان عطاالله عام 1920.
وفى عام 1921 ظهر فى إعلانات الصحف الفلسطينية اسم «كشكش بك» الحقيقى، وهو نجيب الريحانى، فى أولى زياراته المسرحية إلى فلسطين، تحت عنوان «نجيب أفندى الريحانى كشكش بك الحقيقى لأول مرة فى يافا »، ووصل الأمر بين الريحانى وأمين عطاالله إلى كتابة عبارة محددة فى بعض الإعلانات، وهى عبارة «كشكش بك الحقيقى» ليميز الجمهور بين الحقيقى والبديل.
ذكر نجيب الريحانى فى مذكراته المنشورة عام 1937 فى مجلة «الاثنين والدنيا» عام 1937، أنه جاء إلى فلسطين عام 1921، ومثل مسرحية «ريا وسكينة»، حيث قال الريحانى فى مذكراته: فى سنة 1921 روعت مصر من أقصاها إلى أقصاها، حوادث استدراج بعض النسوة إلى مكان معين، وسلب حليهن ثم قتلهن أشنع قتلة، مؤكدا أنه قدم هذه الرواية فى يافا.
وتكررت زيارات الريحانى لفلسطين فى العام التالى 1922، وفى عام 1930، حيث ألغيت إحدى حفلاته فى رام الله بسبب نفوذ وتدخل بعض الضباط الإنجليز، وقدم الريحانى اعتذاره للجمهور واحتج على هذه المعاملة التى وصفها بالغاشمة، وبعدها زار الريحانى وفرقته فلسطين عام 1934 وقدم العديد من العروض ثم غاب 9 سنوات عنها حتى كانت آخر زياراته لها عام 1943.
وفى حورا نادر للريحانى مع مجلة «الصباح» المصرية فى يونيو 1943، تحدث عن أهدافه من تكرر زياراته لفلسطين قائلا: «إذا كانت لى آمال من رحلة فلسطين، فإنها تنحصر فى أمل واحد هو أن أعمم رسالتى الفنية فى هذا القطر الشقيق، ففلسطين كقطر متحضر، وشعب فلسطين كشعب شقيق عزيز، له علينا حق واجب، هذا الحق هو أن يفوز بنصيب من الفن المصرى فيستمتع به ».
وبعد عودة الريحانى إلى القاهرة من رحلته الأخيرة فى فلسطين، تحدث مع مجلة «روزاليوسف» عن هذه الرحلة، فقال: هذه أول مرة نستقبل فيها هذا الاستقبال العظيم، مما يدل على حب إخواننا الفلسطينيين لنا، فقد كنا محل حفاوة بالغة فى كل بلد نزلنا فيه، وكانت الصحافة الفلسطينية تنشر أخبارنا وكأننا الجيش الثامن، وكأنى الجنرال مونتجومرى، «حيث كانت الحرب العالمية الثانية مشتعلة فى هذه الفترة ».
سلطانة الطرب والكسار
وذكر كتاب «المسرح المصرى فى فلسطين قبل النكبة » أن سلطانة الطرب منيرة المهدية زارت فلسطين عام 1927 ونجحت فى جميع حفلاتها، التى أقامتها فى يافا والقدس ونابلس، وخصصت رحلاتها إلى فلسطين لحفلاتها الموسيقية الغنائية فقط بدون تمثيل، وقامت برحلة تالية عامى 1928، 1929، وانهالت الطلبات عليها لإحياء بضع الليالى التى كانت تستمر إلى الساعة الثانية صباحا، وقوبلت المهدية بحفاوة كبيرة من الحكومة والشعب على السواء، وكان يستقبلها على المحطة جماهير غفيرة منهم الأطباء والمحامون والأهالى.
قالت المهدية عن هذه الرحلات: إن إخواننا وجيراننا بفلسطين وسوريا ولبنان يعاملون المصريين فى بلادهم أكثر مما يعامل به الشقيق شقيقه، ويبتهجون بمرأى المصريين، وينتهزون الفرص لتكريمهم والاحتفاء بهم وتشجيعهم. إننى قضيت هناك فى بعض الأحيان أعواما وشهورا، فما وجدت منهم إلا عطفا وتكريما وترحيبا.
كانت أول زيارة لفرقة يوسف وهبى أو فرقة رمسيس إلى فلسطين عام 1929، كتب بعدها يوسف بك فى جريدة «الجامعة العربية» كلمة شكر إلى أهالى فلسطين، قال فيها: «لا يسعنى إزاء ما أبديتموه نحوى من الكرم والحفاوة أثناء زيارتى للقطر الفلسطينى إلا أن أعبر لكم عن عظيم شكرى للطفكم الجم، ولن أنسى أبدا تلك الحفاوة المتناهية التى صادفتها وفرقتى من كرام الفلسطينيين، فربحت صداقتهم ومودتهم وعطفهم، وأشكر الله الذى ألهمنى زيارة بلادكم العزيزة، فوجدت فيها رجالا كراما يؤازرون الفنون الجميلة، ويعطفون أشد العطف عليها، فللفلسطينيين منى ومن أفراد فرقتى فائق الاحترام مقرونا بالشكر العظيم ».
تبرع يوسف وهبى بتمثيل مسرحية «كرسى الاعتراف» وتخصيص ريعها لصالح المنكوبين الفلسطينيين من ضحايا ثورة البراق.
بينما ذكر كتاب تاريخ المسرح المصرى فى فلسطين، أن أول زيارة لعلى الكسار وفرقته للأراضى الفلسطينية كانت عام 1933 لتقدم مجموعة عروض فى القدس ويافا ونابلس وحيفا، بطولة المطرب «حامد مرسى»، والمطربة «عقيلة راتب» بطلة الفرقة وقتها، وكانت أول هذه المسرحيات مسرحية «ملكة الغابة»، وتكررت زيارات الكسار وفرقته لفلسطين فى أعوام 1941، 1942، 1943، 1944، وفى كل رحلة كان ينشر فى المجلات والصحف يشكر حسن استقبال الشعب الفلسطينى وحفاوته.
كفاح عزيز عيد ضد الاحتلال
وفى عدد نادر من مجلة الكواكب صدر عام 1956، نشرت المجلة موضوعا تحت عنوان «عزيز عيد أول فنان مصرى حارب إسرائيل »، أشارت فيه إلى أن الفنان الكبير عزيز عيد المخرج والممثل المسرحى، وأحد كبار رواد الفن المصرى، المولود عام 1884 كان من أوائل الفنانين الذين تنبأوا وتنبهوا لخطورة الاحتلال الصهيونى لفلسطين فى وقت مبكر قبل وقوعه وقبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948، وكان دائما يردد فى أحاديثه الخاصة خوفه على فلسطين من أن تتحول إلى مستعمرة يهودية، وذلك منذ كانت فلسطين تحت الانتداب البريطانى، وبدأ اليهود ينزحون إليها من دول العالم تمهيدا لإعلان قيام دولتهم.
كان عزيز عيد يردد هذه التحذيرات والآراء فى كل مجلس يوجد فيه حتى شعرت السلطات الإنجليزية فى فلسطين بخطورة ما يردده الفنان المصرى الكبير، لدرجة أنها أخذت عليه تعهدا بعدم الحديث فى السياسة وإلا منعت دخوله فلسطين.
ظل عزيز عيد كلما سافر لفلسطين يعلن رأيه صريحا فى مطالبات اليهود بإقامة دولة لهم فى فلسطين، ويسخر من هذه الدعاوى وينتقد وعد بلفور الصادر عام 1917، حتى إنه منع دخول اليهود إلى العروض التى يقدمها فى فلسطين، لأنه كان يعرف أن هؤلاء اليهود المهاجرين إلى فلسطين يخططون لإقامة دولة لهم على الأراضى العربية.
وذات مرة، نزل عزيز عيد فى فندق اسمه «بنسيون فلسطين » وفى اليوم التالى زاره أحد أصدقائه العرب، وعرف منه بالصدفة أن صاحب الفندق يهودى، فما كان من عزيز عيد إلا أن ألقى بحقائبه من الشباك وهو يقول: «ما كنت أدرى أنى أنام فى بيت مجرم ».
ومرة ثانية سافر عزيز عيد إلى فلسطين بفرقته، التى طافت البلدان العربية، ولما وصل إلى مدينة يافا، وكانت مقسمة لقسمين، قسم يقيم فيه اليهود، وقسم لعرب فلسطين، وكان المسرح الذى ستعرض عليه الفرقة يقع فى شارع بين القسمين، فكتب عزيز عيد على المسرح لافتة تقول: «الدخول قاصر على العرب فقط »، فاعتبر اليهود هذه اللافتة تحديا لهم وهاجموا المسرح، فتصدى لهم العرب وأسفرت المعركة عن بعض الجرحى، وتم استدعاء الشرطة، وعندما وجد عزيز عيد أن القوة التى جاءت للمسرح يقودها ضابط صهيونى، رفض الإدلاء بأقواله إلا للضابط العربى بقسم البوليس، حيث كان قبل الاحتلال وخلال فترة الانتداب البريطانى فى كل نقطة شرطة ضابط عربى وآخر يهودى تحت رئاسة ضابط إنجليزى، وانتهى الأمر بإلغاء حفلات عزيز عيد فى يافا، فانتقل بالفرقة إلى مدينة نابلس واشترط على متعهد الحفلات ألا يسمح للصهاينة بدخول حفلاته.
وفى مرة أخرى، أعلن عزيز عيد أنه سيقدم مسرحية «البخيل » التى كانت تتضمن انتقادات لتحركات اليهود فى العالم ولشخصية اليهودى، فأعلن اليهود فى فلسطين مقاطعة المسرحية، ووقفوا على باب المسرح لمنع أى يهودى من دخولها، وهو ما أسعد عزيز عيد، فارتدى ملابس بطل الرواية وطاف فى أحياء اليهود بيافا وهو يمسك لافتة كتب عليها: «عزيز عيد يشكركم على هذه المقاطعة»، وكانت آخر رحلات عزيز عيد لفلسطين عام 1938، حيث عرض عليه أحد متعهدى الحفلات من الثائرين ضد دعوة الصهاينة لقيام دولة إسرائيل تقديم رواية «يهود مالطة »، وبسبب هذه الرواية قامت معركة عنيفة بين العرب واليهود، حيث حاولت العصابات الصهيونية تحطيم المسرح والاعتداء على عزيز عيد، فتصدى لهم العرب، وتقرر بعدها منع عزيز عيد نهائيا من دخول فلسطين.
كوكب الشرق وأم فؤاد
كان من بين النجوم الذين سافروا إلى فلسطين قبل النكبة الآنسة أم كلثوم، حيث يشير عدد من المؤرخين إلى أن لقب كوكب الشرق، الذى اشتهرت به، أطلق عليها عندما زارت فلسطين عام 1928، حيث زارت مدينة القدس وغنت على مسرح «عدن» أمام جمهور غفير وتم الإعلان عن حضور أم كلثوم الحفل بلقب «فاتنة الجماهير ومطربة الشرق الوحيدة »، ومن القدس انطلقت أم كلثوم إلى حيفا عبر القطار، وعلى مسرح الانشراح صعدت سيدة حيفاوية تدعى أم فؤاد، وقالت لأم كلثوم: أنت كوكب الشرق بأكمله- كما يشير بعض المؤرخين- فى حين أشار آخرون إلى أن هذه السيدة الفلسطينية أطلقت هذا اللقب على أم كلثوم فى إحدى زياراتها لفلسطين عام 1946، بعد أن غنت أغنية «أفديه إن حفظ الهوى».
ومع اختلاف المؤرخين حول العام الذى أطلق فيه هذا اللقب على أم كلثوم، وفى أى زيارة لفلسطين أطلق عليها، إلا أن العديد منهم يتفق حول أن لقب كوكب الشرق كان هدية فلسطينية لدرة الغناء العربى أم كلثوم مدى الحياة.
أمينة رزق تواجه الصهيونية
من بين الفنانات اللاتى زرن فلسطين مرات ك ثيرة، قبل النكبة والاحتلال الصهيونى، الفنانة الكبيرة أمينة رزق، حيث زارتها عدة مرات مع الفرقة المصرية وقبل التحاقها بفرقة رمسيس، وقوبلت بحفاوة كبيرة جعلتها تكرر زياراتها مرات عديدة.
لم تكن تل أبيب وقتها بالمدينة المعروفة والمشهورة، بسبب إحجام الفرق عن زيارتها، بعدما هجرها السكان العرب وكثرت فيها أعداد الصهاينة قبل قيام دولتهم، فامتنع المصريون عن زيارتها، فى حين كانت مدن يافا وحيفا ونابلس والقدس والنصرة مليئة بالحيوية والنشاط، فكانت أمينة رزق تعشق التجول فى شوارع هذه المدن طوال النهار والتحدث مع أهلها، فكانوا يتحدثون أحيانا عن محاولات اليهود لإقامة دولتهم ويسخرون من هذه المحاولات.
ومن أجمل ذكريات أمينة رزق، حفل التكريم الذى أقيم لها من قبل نساء فلسطين فى فندق الإمبراطور قبل أن تهدمه العصابات الصهيونية، وخطبت نساء فلسطين فى هذه الحفلة خطبا سياسية، ووقفت أمينة رزق وألقت خطبة حمست خلالها رجال ونساء فلسطين للدفاع عن وطنهم ضد العصابات الصهيونية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة