أحاط الدكتور محمد علوى باشا مجلس إدارة الجامعة المصرية فى اجتماعه يوم 17 يونيو 1913، أن الأميرة فاطمة، ابنة المرحوم الخديو إسماعيل باشا، تنوى عمل وقفية، وأنه أقنعها بتخصيص جزء منها للجامعة، فقرر المجلس إيفاده مع عبدالخالق ثروت باشا، وعلى ذوالفقار باشا وعبدالله وهبى باشا لمقابلة الأميرة، وفقا للدكتور محمود فوزى المناوى فى كتابه «جامعة القاهرة فى عيدها المئوى».
كان علوى باشا أحد الكبار الذين ترتبط سيرتهم بتأسيس الجامعة، وكان مراقبا عاما لها وعضوا لمجلس إدارتها منذ أن أصبحت واقعا عام 1908، وكانت خطوته بإقناع الأميرة فاطمة سببا رئيسيا فى أن تصبح الجامعة هذا الصرح العظيم، ويذكر «المناوى» أن «علوى باشا» ذكر فى تقريره السرى أنه أمضى يوم الخميس، 3 يونيو 1913، حتى منتصف الليل فى تبييض وثيقة الوقف لتعتمدها الأميرة قبل سفرها يوم الجمعة 4 يوليو 1913، وتمكن من الحصول على الوثيقة قبل سفرها.
نشرت الأهرام فى 4 يوليو 1913، أن الأميرة وقفت 3306 أفدنة من أملاكها فى سندوب على أعمال خيرية، وخصت الجامعة بخمس هذه الأطيان أى 661 وخمس فدان، ولما كانت الجامعة بحاجة إلى أرض تبنى عليها، فقد وقفت عليها فوق ما تقدم 6 أفدنة بالدقى على طريق بولاق الدكرور فى الطريق المؤدية إلى قصرها بالجيزة، وتحملت نفقات البناء بتبرعها بمبلغ 18 ألف جنيه، ثم أمرت بكتابة تلك الحجة، واستدعت حضرة القاضى الشرعى فى الساعة الثامنة ليلا وسجلت الحجة.
كان علوى باشا الذى وقف وراء هذا الإنجاز طبيبا، ولد بالقاهرة عام 1847، والتحق بمدرسة طب قصر العينى، وتخرج عام 1875، وسافر إلى فرنسا لاستكمال دراسته فى طب العيون، ولتفوقه عين رئيسا لعيادات أمراض العيون بجامعة مونيلييه الفرنسية، وبعد عودته أصبح طبيب الأسرة الخديوية، وعضوا للجمعية التشريعية ومجلس المعارف الأعلى ومجلس شورى القوانين، ومؤسس وسكرتير «جمعية تحسين العميان»، وأصبح رائدا لطب الرمد بمصر.
هو صاحب فضل وحضور لافت فى حياة الدكتور طه حسين، ويذكره «العميد» فى سيرته «الأيام» بحروف من نور، ففى 4 مايو 1914، حصل طه على الدكتوراه، كأول من يظفر بها من الجامعة المصرية، وبعد إعلان النتيجة ودوى التصفيق، وقف علوى باشا وأعلن تبرعه لطه بعشرين جنيها جائزة، ونشرت «الأهرام» فى 9 مايو 1914 خبرا، قالت فيه إنه بعد فوز طه ونجاحه أعد سعادة العالم الفاضل، محمد علوى باشا، وليمة فى داره إكراما للدكتور حضرها أعضاء الجامعة، وسلم له بعد الوليمة جائزة وقفها على روح المرحوم ولده، تقدم للنابغين من طلبة الجامعة سنويا، وصرف له مكافأتين عام 1913 و1914 لما أبداه من الكفاية التى أعجب بها.
كما يذكر «طه» فى «الأيام» أن سفره إلى فرنسا مبعوثا من الجامعة المصرية للحصول على الدكتوراه، تعطل بسبب وقوع الحرب العالمية الأولى، فعرض «طه» على الجامعة أن يقوم بتدريس تاريخ الآداب العربية فيها، فوافقت الجامعة، وقال له علوى باشا: «ستعطيك مكافأة 5 جنيهات كل شهر، وهى أكثر مما كان الأزهر يعطيك لو جلست فيه مجلس الأستاذ».
وتمر الجامعة بضائقة مالية تدفعها إلى استدعاء طه وزملائه من فرنسا قبل استكمال بعثتهم، ويكشف «طه» أن علوى باشا اقترح تحمله نصف راتب «طه»، وتتحمل أسرته النصف الآخر، ليبقى ويستكمل بعثته، لكن الأخ الأكبر لـ«طه» رفض، وبعد شهور تنفرج الأزمة ويتأهبون للعودة، وتبلغهم الجامعة بأنهم سيلتقون بالسلطان حسين كامل قبل سفرهم، ويصطحبهم علوى باشا إلى القصر، وبعد اللقاء يتفضل السلطان ويجيز لكل واحد منهم 50 جنيها، فقرروا إهداء مكافأتهم إلى الجامعة، وأبلغوا علوى باشا بذلك، فرد عليهم وهو غرقان فى ضحك متصل: «ما هذا الكلام الفارغ، خذوا أموالكم واذهبوا، فاعبثوا بها فى باريس، أيها الحمقى، فمن حقكم أن ترفهوا عن أنفسكم أياما بعد ما لقيتم فى هذه الأشهر من عناء طويل ثقيل، فإذا أصبحتم أغنياء فاستأنفوا ما أقدمتم عليه من خير، وما أراكم تفعلون يومئذ، فستعرفون قدر المال».
هكذا عاش محمد علوى باشا مخلصا فى عطائه للجامعة وللطب، ولهذا كانت وفاته فاجعة، وينقل «المناوى» ما جاء على لسان سعد باشا، قائلا: «فجعت الجامعة المصرية بوفاة المغفور له الدكتور محمد علوى باشا، وكيل الجامعة ومراقبها العام، فقد انتقل إلى جوار ربه الأربعاء 23 أكتوبر- مثل هذا اليوم- 1918، وبالنيابة عنكم، أثبت هنا عظيم حزن الجامعة لهذه الخسارة الكبرى، ونعترف بما كان للفقيد من جميل الأيادى فى خدمة هذا المعهد، سواء بالمساعدة المالية أو بتخصيصه ثمين وقته للقيام بشؤون الإدارة العمومية بالنيابة عن دولة الرئيس، فكان من نتائج إخلاصه وتفانيه فى حب الجامعة وعظيم أمله فى رقيها، أن اجتازت أوقات الأزمة الشديدة دون أن يصيبها تأثير كبير، فمصاب الجامعة والبلد بفقده عظيم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة