في الوقت الذي تحركت فيه الدولة المصرية على نطاق عالمي، في التعامل مع المستجدات التي يشهدها قطاع غزة، عبر قمة "القاهرة للسلام"، يبدو أنها تتخذ خطوات متزامنة في إطار إقليمي، عبر التواصل مع العديد من أقاليم العالم، سواء من خلال التكتلات المرتبطة بها بشكل مباشر أو من خلال العمل مع القوى الرئيسية في كل منطقة جغرافية، وهو ما يبدو في للزيارات المتواترة لقادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، خلال أيام معدودة.
وبالنظر إلى الدول الأربعة سالفة الذكر، نجد أنهم يمثلون تأثيرا كبيرا، يتجاوز في جوهره الحالة الاقليمية المحدودة بصورتها التقليدية، فهم يمثلون قوى مؤثرة في صناعة القرار الأوروبي من جانب، بينما يتجاوزون النطاق القاري، عبر وجودهم في عضوية تكتلات أخرى، على غرار مجموعة السبع، ومجموعة العشرين، والتي يشتركون فيها مع قوى دولية نافذة، على رأسها الولايات المتحدة، التي تمثل القيادة الفعلية لدول المعسكر الغربي، ناهيك عن كونها في مقدمة الداعمين لإسرائيل، بالإضافة إلى الصين وروسيا وكندا واليابان، وهي قوى معتبرة لديها نفوذ كبير داخل مناطقها الجغرافية.
وهنا تصبح اللقاءات التي أجراها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع زعماء الدول سالفة الذكر، متجاوزة للإطار الثنائي التقليدي، في ظل ما يحظون به من نفوذ يتجاوز الحالة الإقليمية المحدودة لمناطقهم الجغرافية، إلى الحد الذي يسمح لهم بالشراكة في تحقيق قدر من التوازن في المواقف الدولية تجاه الأزمة الجارية في غزة، خاصة فيما يتعلق بضرورة التهدئة، عبر هدنة إنسانية يمكن تمديدها، والبناء عليها في إطار أوسع عبر تحقيق وقف شامل لإطلاق النار، مما يساهم في خلق أفق سياسي يمكن التفاوض على أساسه في قضايا الحل النهائي، على أساس الشرعية الدولية.
اللقاءات الثنائية، التي عقدها الرئيس السيسي، مع زعماء الدول الأربعة، تمثل امتدادا للرؤية التي تبنتها القاهرة، عبر دعوتها للقمة التي عقدت على أراضيها، والتي لم تقتصر في الحضور على الدول أعضاء المجتمع الدولي، وإنما امتدت إلى التكتلات، في صورة العديد من المنظمات، على غرار الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الافريقي، وهو ما يعكس عدة مسارات متوازية، للعمل المصري، أولها فردى، عبر الجهود التي تبذلها على الأرض، في إطار المساعدات الانسانية وملف الأسرى، بينما تتحرك على مسار ثنائي، عبر التعاون مع القوى المؤثرة، والتي أدركت حقيقة مفادها أنه لا يمكن تجاوز الدور المصري في القضايا الاقليمية وفي القلب منها فلسطين، بينما يعتمد المسار الثالث على المستوى الاقليمي من خلال العمل مع المنظمات القارية، كالاتحاد الافريقي، والاتحاد الأوروبي، في حين يبقى المسار الرابع متجاوز الاقليمية المحدودة عبر التواصل المباشر مع التكتلات الكبرى على غرار مجموعة السبع ومجموعة العشرين، وكذلك مجموعة البريكس وغيرهم.
وفي الواقع، تبدو رؤية الدولة المصرية، القائمة على المسارات الأربعة المذكورة، ليست وليدة اللحظة الراهنة المرتبطة بالأزمة المندلعة في قطاع غزة، وإنما تمثل امتدادا لدبلوماسية تتبناها في السنوات الماضية، تعتمد في الاساس على توسيع دوائر الشراكة، بعيدا عن البؤر التقليدية، التي اعتمدت عليها لعقود طويلة، وهو ما ساهم في زيادة الثقة الدولية في قدرات مصر، خاصة فيما يتعلق بالأزمات المحيطة بها ناهيك عن إمكانية إشراكها كلاعب مهم في الأزمات الدولية، وهو ما بدا في نجاحها منقطع النظير في استضافتها لقمة المناخ الأخيرة في شرم الشيخ، والتي تمكنت من تحقيق اختراق كبير عبر تدشين صندوق المخاطر والاضرار، والذي يمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ أزمة المناخ.
وهنا يمكن القول بأن تحركات الدولة المصرية في التعامل مع المستجدات في قطاع غزة، تتسم بشموليتها، من حيث القضايا التي تسعى إلى معالجتها بدء من التهدئة مرورا بالمساعدات الانسانية، وحتى ملف الأسرى من جانب، بينما تعتمد مسارا تشاركيا، يتسم بتمدده الجغرافي، سواء على المستوى الثنائي أو الاقليمي أو متجاوز الاقليمية، وحتى العالمي بصورته الأممية، على غرار قمة القاهرة للسلام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة