حكايات من غزة تتناول اليوم حكاية الدكتور خليل أبو ندى وهو طبيب فى المستشفى الإندونيسى فى قطاع غزة، الذى يتحدث لنا عن التحديات التى تواجه القطاع الصحى داخل القطاع فى ظل نقص الاحتياجات الطبية الملحة.
يتحدث الدكتور خليل أبو ندى لـ"اليوم السابع" عن يومه فى ظل هذا العدوان الإسرائيلى الغاشم على القطاع، مشيرا إلى أن الأطباء يعملون لساعات طويلة قد تصل لـ 96 ساعة متصلة بدون نوم أو راحة.
ووصف الطبيب الفلسطينى الوضع داخل مستشفيات غزة بشكل عام والمستشفى الاندونيسى بشكل خاص بــ "الكارثي"، مؤكدا أن جيش الاحتلال الإسرائيلى يرتكب مجازر ضد أبناء الشعب الفلسطينى، مع مئات الإصابات التى تصل للمستشفى من كل حدب وصوب مع انتشار للأشلاء فى كل مكان بينهم أطفال ونساء وشيوخ.
ويصف الطبيب الفلسطينى صورة المشهد داخل مستشفى الاندونيسى بالقول: الوضع كارثى لدرجة أن أشلاء لشخص واحد تصلنا على دفعات بفارق توقيت عن الآخر بفارق توقيت نصف ساعة وتكون متفرقة ما بين سريرين أو ثلاثة.. رضع وأطفال.. شباب وشابات..رجال ونساء وشيوخ.
وارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلى أكثر من 900 مجزرة بحق العائلات الفلسطينية فى كافة مدن القطاع، فضلا عن تسجيل استشهاد ما يقرب من 8500 شهيد وإصابة ما يقرب من 22 ألف آخرين فى عدوان الاحتلال الإسرائيلى المستمر على غزة.
وتابع الطبيب الفلسطينى وصف المشهد داخل المستشفى الاندونيسى فى غزة: مشاهد لأمهات حفاة يهرولن بين الأسرِّة متفقدات فلذات أكبادهن أن كانوا على قيد الحياة أم استشهدوا.. بكاء لأطفال فى ممرات المستشفى.. صراخ الآباء على أبناءهم لعل أحدهم يرد عليه بجملة "أنا عايش".. مشاهد كفيلة تخلق لك عبثية مطلقة فى عقلك.. دوشة داخلية مختلفة تمامًا عن الدوشة إلى بتشوفها أمامك.
وعن أكبر التحديات التى تواجه الأطباء يقول الطبيب الفلسطيني: لعل التحدى الأكبر بالنسبة لى كطبيب، هو فى الإعلان عن استشهاد أحدهم لذويه.. كنت حذر جدًا فى انتقاء كلماتى لهم.. فى محاولة منى لإخبارهم بطريقة تطبطب على قلوبهم.. هذا المشهد ليس لحظيًا.. هذا مشهد اليوم الأول كله.. كل دقيقة فيه كانت تحدث حرفيًا.
وعن أبشع المجازر التى يرتكبها جيش الاحتلال وعددها ومشاهد لبعضها يقول الطبيب الفلسطيني: لم أعد أذكر أى مجزرة من المجازر.. فذاكرتنا أصبحت ممتلئة، ولم يعد بوسعها تخزين أو استيعاب أى جديد.. كل مجزرة جديدة تحذف من الذاكرة مجزرة قديمة لتأخذ حيزها فى رؤوسنا.. وكالعادة عند سماع أصوات سيارات الإسعاف، وصوت أقدام المسعفين تجرى فى أروقة المستشفى نهرول بخطى مثقلة وكأنها مربوطة بأكياس رمل من التعب إلى قسم الاستقبال لاستقبال الحالات.
ويصف الطبيب الفلسطينى المشهد لوصول حالات تصل للمستشفى طلبا للعلاج قائلا: طفل عمره 10 سنوات نقله المسعفون إلى قسم الاستقبال يعانى من تهتك فى كلتا ساقيه.. وكأنهما عجين من لحم وجلد وعظم ولسوء حظه أنه عايش - فحسن الحظ هنا بالنسبة له أن يكون شهيدا - كان الطفل بدرجة وعى كاملة يتحدث الينا بشكل طبيعي.
وينقل الطبيب الفلسطينى طبيعة الحوار الذى يدور بينه وبين الطفل المصاب ويقول: خلال تعاملنا معه.. دكتور أنا بعيش ؟.. آه عمو.. بتعيش لا تخاف.. دكتور لى أخ صغير عمره شهرين.. ماما كانت تعد له حليب كى ترضعه، بس قصفونا ولم يرضع.. يا حبيبى أن شاء الله يجيبوه ويتم ارضاعه فى المستشفى لا تخف.. هل هو عايش دكتور ؟ لقد سمعته يصرخ لما طلعوه من تحت الأنقاض، وخلال 5 دقائق، كان الرضيع من الإصابات التى أتت لقسم الاستقبال لدينا.
ويتابع الطفل حديثه إلى الطبيب قائلا: هو يا دكتور هذا هو أخى الرضيع لرد الطبيب عليه: لا تقلق هو بخير الحمد لله وتأكدنا أنه بخير، ويؤكد الطبيب الفلسطينى أنه بعد الاطمئنان على حالة الطفل وصل خبر استشهاد أمه، وطلبت إحدى الممرضات الطفل ودخلت به غرفة السكن بالممرضات لإرضاعه وقد أرضعته وخرجت به، مضيفا: سجلت اسمه رباعيًا على قصاصة صغيرة واحتفظت بها لنفسها.
مشاهد قاسية تعيشها مستشفيات غزة بسبب استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلى لبعض المستشفيات ومحيطها، ما أدى لسقوط عدد كبير من الشهداء والمصابين أكثر من 40% منهم أطفال ورضع.
الدكتور خليل أبو مازن داخل المستشفى