تواصل الولايات المتحدة الأمريكية دورها التاريخى فى دعم الكيان الإسرائيلى، باعتبارهما جزءا لا يتجزأ من بعضهما البعض، ويواصل النظام الأمريكى الحالى دعم كل جرائم الإبادة والمجازر التى تقوم فى قطاع غزة، فى محاولة من الإدارة الأمريكية لتحقيق أكبر مكاسب سياسية تعوضها ما شهدته خلال الشهور الماضية فى كل الملفات وعلى رأسها ملف أوكرانيا والمواجهات مع روسيا، بل وصرح الرئيس الأمريكى بايدن فى أكثر من مناسبة أنه يدافع عن إسرائيل قبل أى شىء آخر، وبالتالى هو يسعى كما قال أيضا لدعم إسرائيل «لو لم تكن هناك إسرائيل لاخترعنا إسرائيل»، وهو يتوافق مع فكرة تأسيس إسرائيل منذ البداية ومع وعد بلفور، الوعد البريطانى بالحماية الأمريكية منذ 100 سنة تقريبا، الذى أعطى أرض فلسطين لليهود، لإقامة قومية صهيونية على الأرض، والنظر للجماعات الأخرى أنها جماعات منزوعة الحق السياسى، مقابل الشعب اليهودى، الذى يملك كل مقومات الدولة على حد زعمهم.
ويمكن فى السياق الموجود أمامنا وضع تصور بـ5 مسارات رئيسية عملت عليها الولايات المتحدة الأمريكية فى دعم الاحتلال الإسرائيلى منذ اندلاع أزمة 7 أكتوبر، ومحاولة حصار العالم بالأكمل لصالح وجهة النظر الإسرائيلية الأحادية، والتى تساعد الاحتلال الإسرائيلى على تنفيذ جرائمه دون وازع من ضمير أو إنسانية.
المسار السياسى.. دعم وتهديد وتوعد بالمحاسبة
مع بدء اندلاع الأزمة فى قطاع غزة، تحركت الإدارة الأمريكية فى دعم الاحتلال الإسرائيلى بشكل سياسى متكامل، فخرجت تصريحات بايدن سابقة لتصريحات نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى، فى ضرورة المواجهة الحاسمة، تبعه فى نفس السياق كل مؤسسات الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها بلينكن وزير الخارجية، الذى قام بجولة مكوكية فى عدد من دول العالم لمحاولة إقصاء المسؤولين عن الوقوف ضد ما تفعله إسرائيل فى حق الشعب الفلسطينى، غير أنه فى زيارته لتل أبيب تخلى عن السياسة بشكل كبير، وقالها صراحة إنه جاء لإسرائيل يهوديا، وبذلك قام بفكرة التجييش النفسى لكل ما سيقوله بعد ذلك، كما أن اللقاء مع الرئيس السيسى حاول فيه وضع وجهة نظره، غير أن الرئيس السيسى كان واضحا وبلغة معلنة تماما، فقال له بأن اليهود تم اضطهادهم فى الغرب وليس فى المنطقة العربية، وهذا يتطابق كليا مع قصة المحرقة التى حدثت فى أوروبا، وبالتالى جاء الخطاب السياسى الأمريكى منحازا تماما لوجهة النظر الإسرائيلية، ومروجا لها فى كل الأوساط السياسية.
المسار الدبلوماسى.. تهديد بالقانون والفيتو للجميع
لم يتراجع النظام الأمريكى خطوة للوراء فى دعم الاحتلال الإسرائيلى، وبطبيعة الحال كانت هناك إجراءات عملية توافقت مع الخطاب السياسى، ومن تلك الإجراءات التعامل الدبلوماسى، فكان هناك حق الفيتو الذى استخدمه الأمريكان لمواجهة أى قرار إنسانى يدعم وقف إطلاق النار، ودخول المساعدات، كما وقفت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية فى الأمم المتحدة، تدافع عن حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، ومحاولة إجهاض أى قرار جمعى يذكر ما تفعله إسرائيل من جرائم، مما جعل مندوب إسرائيل فى الأمم المتحدة يعتبر أن عدم صدور قرار يخص وقف إطلاق النيران، هو انتصار لما تفعله إسرائيل، ويتوافق كليا مع الإجراءات التى يقوم بها جيش الاحتلال، كما كانت جولات وزير الخارجية الأمريكى أيضا تسير فى نفس السياق الدبلوماسى العالمى، الذى يحاول تصدير وجهة النظر الإسرائيلية، دون أى اعتبار أو ذكر لحقوق الشعب الفلسطينى، وآلاف الشهداء الذين سقطوا من الجرائم الوحشية والضربات المكثفة والمتوالية من الجانب الإسرائيلى.
كما عملت الولايات المتحدة الأمريكية وبالتعاون مع المنظمات الصهيونية فى تهديد كل المسؤولين فى المنظمات الأممية، بهدف إثنائهم عن الحديث حول غزة والجرائم التى تتم ضد الشعب الفلسطينى، وحاولت تغيير كل خطابات المسؤولين الأمميين لصالح الرؤية الإسرائيلية فقط.
المسار الإعلامى.. أبواق الشيطان تنشر الكذب والتدليس
كانت الإدارة الأمريكية الحالية تحتاج لأبواق إعلامية تؤيد سياستها المعلنة، والتى تحاول ردع الجميع بها، وهو ما دفع القنوات لأن تفرض على مذيعيها ارتداء الأسود فى الأيام الأولى من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتصدير فكرة أن إسرائيل مظلومة، وأن ما تم ضدها عمل وحشى لا يجب أن يمر، وقدمت القنوات الإخبارية والبرامجية الأمريكية، وسائل التدليس والكذب بكل ما تعنيه الكلمة، فجاءت الرؤية الإسرائيلية فقط هى المعروضة على الشاشات، حتى حاولت القنوات أن تفرض استطلاعات رأى لصالح ما تفعله الإدارة الأمريكية دون النظر لأعداد الشهداء الفلسطينيين، وحاولت حصار المشهد فى يوم 7 أكتوبر فقط، وواصلت وسائل الإعلام الأمريكية استضافة المسؤولين الإسرائيليين بنسب كبيرة، وعلى العكس تماما كانت ترفض استضافة كل الآراء التى تدعم وجهة النظر الفلسطينية، حتى أن لحظة الإفراج عن الأسيرتين الإسرائيلتين نورت ويوخفد، وبعدما أدلت الأخيرة بتصريحات فور خروجها من الأسر، لصالح المقاومة الوطنية، منعت وسائل الإعلام الأمريكية التناول الإعلامى لتصريحاتها، وذلك بعد اعتبار أن تلك التصريحات تصب فى صالح القضية الفلسطينية، بل إن موقع والا الإسرائيلى، ذكر بأن ما فعلته السيدة المفرج عنها فى دقائق أضاع جهود الأيام السابقة كلها، وهى جهود الكذب والتضليل وتشويش المعلومات الحقيقية.
أيضا من وسائل الدعم المباشرة للاحتلال الإسرائيلى، قامت الأنظمة الأمريكية بالتعاون مع وسائل التواصل الاجتماعى مثل فيس بوك، بوضع تقييدات على الحسابات الخاصة بالمواطنين، ومنع أى عبارات تأتى لصالح القضية الفلسطينية، مقابل دعم المحتوى الذى يدعم وجهة نظر إسرائيل، وعمل الفيس بوك على حظر مئات الآلاف من البوستات والتعليقات، بهدف تغيير الصورة لصالح إسرائيل فقط، مما جعل بعض الدول تخاطب فيس بوك رسميا، وتطالبه بالتراجع عن السياق الذى يتخذه منذ اندلاع الأزمة.
المسار الاجتماعى.. حصار المواطنين الأمريكيين لعدم الدفاع عن الإنسانية
حاول النظام الأمريكى ومؤسساته بكل الطرق محاصرة المواطنين الأمريكان نفسيا، وذلك عبر كل المسارات السابقة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية، حتى يصل لنتيجة واحدة فقط، هى أن إسرائيل مظلومة، وحدث فيها فقط ما تم، وبذلك صنع واقعا اجتماعيا مغايرا، يجعلهم غير قادرين على الدفاع عن القضية فى مفهومها الشامل والعام، بل تم إقصاء دخول المساعدات الإنسانية فى البداية، ومحاولة تحييد كل المقدمين للمساعدات، ولولا الضغط المصرى لكان هناك مشهد مأساوى لا يمكن تخيله، لذلك واصلت الإدارة الأمريكية الضغط فى المسار الاجتماعى، لصناعة مجتمعات مؤيدة لما تفعله الإدارة فى حق الفلسطينيين، ودون النظر للوازع الإنسانى، والقوانين الدولية المتعلقة بالجرائم التى تتم ضد الفلسطينيين.
وواصلت الإدارة الأمريكية الضغط بكل الوسائل فى ذلك المسار وهو المسار الأخطر، باعتباره مسارا وجدانيا وذهنيا، يستهدف ترسيخ صور مغلوطة وغير حقيقية عن المشهد فى غزة، مما يدفع المواطن فى الولايات المتحدة الأمريكية، يقف عند يوم 7 أكتوبر، ولا يرى ما عداه من الأيام الأخرى، وهو الأمر الذى دفع أحد أعضاء حكومة الحرب الإسرائيلية لوصف قادة المقاومة الوطنية بمجرمى حرب لأنهم يحتجزون 200 فرد من إسرائيل، ولم يدرى وهو يقول ذلك بأن المستشفيات فى قطاع غزة تم تدميرها واستشهد أكثر من 8 آلاف شهيد و15 ألف مصاب، وآلاف المفقودين، بالإضافة للمرضى الطبيعيين الذين لا يجدون مكانا لهم، وكأن كل ذلك لا يعتبر جرائم حرب كبرى.
المسار العسكرى.. قتل الفلسطينيين بأموال الأمريكيين وإشرافهم
يعتبر المسار العسكرى فى دعم الاحتلال الإسرائيلى، من أخطر وأقوى المسارات التى اعتمدت عليها الإدارة الأمريكية فى الدعم المتواصل، حتى أن بايدن خصص أكتر من 14.5 مليار دولار، لدعم الاحتلال الإسرائيلى، وهو رقم ضخم للغاية فى جملة الدعم الكبير من الولايات المتحدة للإسرائيليين، وتضمن الدعم تعاونا استخباراتيا كاملا، بهدف كشف القطاع بشكل أكبر أمام القوات الإسرائيلية، مع تعويض القبة الحديدية بالصواريخ التى فقدتها منذ بداية الأزمة، وكذلك إمداد الإسرائيليين بذخائر خاصة موجهة للأنفاق، بل إن بعض التقارير العسكرية تؤكد أن هناك بعض الأسلحة التى وصلت إسرائيل أحدث من الأسلحة التى ذهبت لأوكرانيا، مع الفارق أن أوكرانيا تحارب جيشا نظاميا وهو الجيش الروسى، أيضا واصلت الإدارة الأمريكية الدعم بشكل مباشر، فأرسلت جيمس جيلين، القيادى فى قوات المارينز، وصاحب التاريخ الأسود فى الموصل بالعراق، متغافلين أيضا أن معركة الموصل مختلفة عن معركة الأنفاق فى غزة، كما أن هناك إمدادا بقوات المارينز وصلوا لألفين عنصر، مهمتهم المشاركة فى العمليات، على عكس ما يتم الترويج له بأنهم فقط مشرفون، وبالتالى فهناك إشراف كامل من المخابرات الأمريكية وتواجد ميدانى من قوات المارينز وأحد أشهر قياداتهم.
حاملتا طائرات.. مقاتلات وصواريخ وأنظمة رادار
أيضا مع بداية المعركة أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية حاملتى الطائرات فورد وايزنهاور، وهما من أقوى الحاملات لديها وتضم أكثر من 5 آلاف فرد فى كل منهما، مع حمولة أكثر من 60 طائرة فى كل واحدة وهى طائرات متنوعة ما بين قتالية وهجومية ودرون، مع تواجد طردات ومدمرات معاونة، ومنظومات رادار ودفاع جوى واستخبارات، وكلها أنظمة لا تقارن بحجم قطاع تصل مساحته لـ360 كيلومتر، بالإضافة لمنظومتى الصواريخ باتريوت وثاد، وهى أيضا لا تقارن بحجم العدائيات فى قطاع غزة، مع أنهم يشيرون إلى أن كل ذلك التواجد بهدف الردع الإقليمى، ويقصدان به حزب الله وسوريا وإيران.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة