قال مرصد الازهر الشريف، انتابت حالة من الاضطراب مؤشر العمليات الإرهابية التي تشنها التنظيمات المتطرفة في إفريقيا خلال شهر سبتمبر 2023 ؛ حيث اختلفت بداية الشهر عن نهايته، فبينما واصل المؤشر في مطلع الشهر حالة الهبوط التدريجي، جاءت الأيام العشر الأخيرة من الشهر ودقت معها نواقيس الخطر من استفحال النشاط الإجرامي الذي تمارسه جماعات العنف والإرهاب في ربوع القارة، خاصة حركة الشباب الصومالية التي تسعى بشتى الطرق لاستغلال انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي وقوامها 3000 جندي من الصومال، بجانب الضربات المتفرقة التي توجهها التنظيمات الإرهابية التي تطمع في فرض سيطرتها على الساحل غربًا ودخول بعض المليشيات المسلّحة على خط المواجهة.
وسجّل شهر سبتمبر 2023م في مجمله انخفاضًا نسبيًّا مقارنة بشهر أغسطس من العام ذاته بمعدل 3.1%؛ حيث وقعت (31) عملية إرهابية، أسفرت عن سقوط (757) ضحية، و(120) مصابًا، واختطاف (9) آخرين. بينما بلغ عدد العمليات في شهر أغسطس (32) عملية إرهابية، خلّفت وراءها (219) ضحية، وإصابة (74) شخصًا، واختطاف (55) آخرين. وعلى الرغم من انخفاض عدد العمليات الإرهابية الشهر الماضي، إلا أنّ عدد الضحايا فاق العدد المسجل في شهر أغسطس من العام ذاته، بما يمكن التعبير عنه بـ"انخفاض معدل العمليات مقابل تفاقم دمويتها". وهذا يمكن تفسيره بأن الهجمات كانت أكثر فتكًا، لا سيما الهجمات التفجيرية وأن عددًا غير قليل من تلك الهجمات استهدف تجمعات أو أماكن مزدحمة كما حدث في #الصومال في الجمعة الأخيرة من الشهر عندما استهدفت حركة الشباب سوقًا محليًا بولاية هير شبيلي بوسط البلاد.
منطقة شرق إفريقيا
وبحسب الإحصائية فقد جاءت منطقة شرق إفريقيا في المركز الأول من حيث عدد العمليات والضحايا؛ إذ شهدت بمفردها (16) حادثًا إرهابيًا، أي أكثر من نصف العدد الإجمالي للعمليات الإرهابية التي نفذتها التنظيمات المتطرفة في إفريقيا خلال الشهر، بما يعادل (51.6 %)، خلفت ورائها (534) من الضحايا، و(88) من المصابين، وكان لـدولة "الصومال" منها النصيب الأكبر بواقع (13) عملية إرهابية، بينها (5) عمليات تفخيخ، ما أسفر عن سقوط (518) ضحية، و(70) جريحًا. أما "كينيا" فقد تعرضت لـ (3) عمليات إرهابية أدت إلى مقتل (16) شخصًا، وإصابة (18) آخرين.
من جانبه يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن الصراع الدائر بين القوات الحكومية وحركة الشباب الإرهابية يشهد حالة من الاستنفار؛ حيث يشتعل قتال القوات الحكومية ضد الحركة بمؤازرة مليشيات عشائرية مسلحة، فضلًا عن دعم قوات بعثة الاتحاد الإفريقي، وتارة أخرى تخبو جذوة الصراع معها، وما يجري حاليًا لا يعدو عن كونه حربًا بين قوى غير متكافئة من ناحية التنظيم والتكتيكات والقدرة على البقاء في ساحة الحرب، فتكمن الإشكالية في افتقار الحكومة إلى آلية تنفيذ استراتيجية الحرب الشاملة التي أعلنتها الحكومة ضد حركة تعد الأقوى والأكثر تنظيمًا في شرق إفريقيا.
منطقة الساحل الإفريقي
ووفقًا للإحصائية، فقد احتلت منطقة الساحل الإفريقي المرتبة الثانية من حيث عدد العمليات وما أسفرت عنه من ضحايا؛ حيث شهدت المنطقة خلال شهر سبتمبر المنصرم، (13) هجومًا إرهابيًا أي بما يعادل (41.9 % من إجمالي عدد العمليات الإرهابية)، أدت إلى مقتل (204)، وإصابة (32) بجراح. وقد تعرضت "مالي" وحدها لـ (7) عمليات إرهابية والتي أدت إلى مقتل (77)، وإصابة (10). وتعرضت "بوركينافاسو" لـ (4) عمليات أسفرت عن مقتل (6)، وإصابة (10) بجراح. بينما تعرضت "النيجر" لعمليتين إرهابيتين أسفرتا عن مقتل (45)، وإصابة (12) آخرين.
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن منطقة الساحل الإفريقي لا زالت تشهد أزمات سياسية وتوترات أمنية متداخلة نتيجة لانتشار التنظيمات المسلحة العابرة للحدود وعصابات الجريمة المنظمة، وانخراط بعض الدول في المواجهات للوصول إلى الموارد والثروات الطبيعية وفرض السيطرة والنفوذ. ويجدّد المرصد تحذيره من مغبة تردي الأوضاع الأمنية، وحالة عدم الاستقرار السياسي التي تشهدها بعض دول الساحل، والذي قد يطال دولًا أخرى كانت من قبل بمنأى عن التهديدات الإرهابية.
منطقة غرب إفريقيا
أما منطقة غرب إفريقيا، فقد جاءت في المرتبة الثالثة، حيث تعرضت لهجومين إرهابيين، أي بما يعادل (6.4 % من إجمالي عدد العمليات الإرهابية)، وقع أحدهما في "#نيجيريا"، ما أدى إلى مقتل (10)، واختطاف (9). فيما وقع الهجوم الثاني في "غانا" التي لم يصلها خطر الإرهاب بعمق من قبل، حيث أسفر الهجوم عن سقوط (9) من الضحايا، دون وقوع أي إصابات.
وتمثل جمهورية "#غانا" - ضمن مجموعة دول أخرى مطلة على خليج غينيا - حالة استثنائية على خارطة النشاط الإرهابي في المنطقة، فرغم تجاورها مع "بوركينافاسو" إحدى أكثر دول المنطقة تضررًا من تهديدات التنظيمات الإرهابية، إلا أنها لم تكن مسرحًا لعمليات إرهابية. وبرغم ذلك سعت التنظيمات الإرهابية إليها في إطار محاولات التغلغل والتوسع الجغرافي التي تسعى إليه هذه التنظيمات. لذا يهيب مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بالجهات الفاعلة في المنطقة بضرورة التصدي لهذا الزحف المخيف القادم من دول الجوار، وضرورة تأمين العبور عبر الحدود النفاذة.
منطقة وسط إفريقيا
والعجيب في هذا الشهر أن منطقة وسط إفريقيا لم تشهد وقوع أي هجمات إرهابية – فيما تم الإعلان عنه عبر وسائل الإعلام الرسمية والموثوقة، غير أن قياديًا بتنظيم «القوات الديمقراطية المتحالفة» الموالي لتنظيم داعش الإرهابي، لقي مصرعه أثناء عملية تمشيط قام بها الجيش الكونغولي مدعومًا بالجيش الأوغندي. الأمر الذي يمكن تفسيره بأن التنظيمات المتطرفة المنتشرة في وسط القارة الإفريقية وجدت حائط صد قوي في وجه إجرامها، وهو ما يثمّنه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، داعيًا إلى مزيد من المواجهات الحاسمة في سبيل القضاء على تلك التنظيمات.
جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية
وعلى صعيد جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا فقد بلغ عدد القتلى من العناصر الإرهابية خلال شهر سبتمبر (913) قتيلًا و(473) معتقلًا، فضلًا عن استسلام (2) آخرين.
ففي منطقة شرق إفريقيا، تمكنت الحكومة الصومالية من تصفية (557) من مقاتلي حركة "الشباب" الإرهابية، واعتقلت (2)، فيما استسلم إرهابيان طواعية لقوات الجيش، من جانبه تمكن الجيش الغيني من اعتقال (6) من عناصر الحركة الإرهابية خلال عملية أمنية بالبلاد.
وفي منطقة الساحل، أسفرت جهود القوات الأمنية في "مالي" عن تصفية (6) من العناصر الإرهابية. وتمكنت القوات البوركينية من تحييد (17) عنصرًا واعتقال (9) آخرين.
وفي غرب القارة، أثمرت جهود الجيش النيجيري في مكافحة تنظيمي "بوكو حرام" و"داعش غرب إفريقيا" تحييد (179) من العناصر الإرهابية، واعتقال (456) آخرين.
هذا ويؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن مكافحة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا تتطلب تعاونًا محليًا وإقليميًا ودوليًا، ومواجهة عسكرية وفكرية على حد سواء، مع ضرورة أن تكون هناك خطط تنمية حقيقية لمواجهة الفقر الذي يعد أرضًا خصبة لانتشار الأفكار المتطرفة. ويهيب المرصد بالمجتمع الدولي أن يكون هناك نوع من الدعم والمساندة الجادة للتخلص من مثل هذه الأزمات.