- قصة ملحمة وطنية وضعت المصريين على قلب رجل واحد.. «صفر جرائم» طوال أسبوعين.. وسجلات الأمن العام: اختفاء السرقة و95% من المجرمين أعلنوا توبتهم.
خمسون عاما على حرب أكتوبر المجيدة، عندما سطّر المصريون ملحمة وطنية لامعة، وأعادوا الأرض والكرامة دفعة واحدة، وفاجأوا العالم بواحد من أنصع أيام التاريخ والعسكرية. تفاصيل 6 أكتوبر يمكن أن نستقيها من كتابات عديدة، ومنها «كتاب يوميات حرب أكتوبر» للكاتب عادل وديع فلسطين، وهو طبيب انشغل بتقديم كتاب عن الحرب، فتتبع ما نشرته الصحف، وسرد أحداث «اليوم العظيم».
بحسب الكتاب، بدأ القتال الساعة 2:05 ظهرا بعبور طائراتنا لخطوط العدو الأمامية شرق القناة، وتنفيذ ضربة مفاجئة بقوة 250 طائرة، استهدفت 3 مطارات وقاعدة جوية وعشرة مواقع صواريخ هوك وثلاثة مراكز قيادة وسيطرة وإعاقة إلكترونية، وبعض محطات الرادار وموقعى مدفعية بعيدة المدى وثلاث مناطق شؤون إدارية، إضافة لضرب حصون خط بارليف شرق بورفؤاد، وقد نجحت الضربة تماما فى إحراز أهدافها وكانت خسائرنا محدودة للغاية.
بعدها فتحت المدفعية المصرية نيرانها على طول الجبهة، وبلغ إجمالى قطع المدفعية المشتركة فى التمهيد النيرانى أكثر من ألفى مدفع وهاون، إضافة للواء صواريخ تكتيكية أرض/ أرض. واستمرت المدفعية 53 دقيقة بواقع 175 دانة فى الثانية وإجمالى 10 آلاف و500 دانة على قلاع خط بارليف ونقاطه القوية وتجمعات دبابات العدو وقيادته، فنجحت فى فتح جميع الثغرات المخططة فى مواقع الأسلاك الشائكة والألغام وعلى الميل الأمامى للساتر الترابى، وحول النقط القوية والحصون والقلاع المعادية.
وتحت ستر النيران الكثيفة عبرت جماعات الصاعقة ومفارز اقتناص الدبابات، لتثبيت الألغام فى مصاطب دبابات العدو، وشل حركتها بالكمائن حتى تمنعها من التدخل أثناء اقتحام قواتنا لقناة السويس. وفى الساعة 2:20 بدأت الموجات الأولى لخمس فرق مشاة وقوات قطاع بورسعيد فى اقتحام القناة مستخدمة ألف قارب مطاطى، وبعد دقائق وضع 8 آلاف جندى أقدامهم على الضفة الشرقية وهم يهللون «الله أكبر.. الله أكبر» وتسلقوا الساتر الترابى المرتفع واقتحموا دفاعات العدو الحصينة.
ورفرفت أعلام مصر سريعا فوق أرض سيناء، فارتفع أول علم بعد 25 دقيقة من بدء العمليات فى نطاق هجوم الجيش الثانى الميدانى، وحاصرت القوات نقاط العدو القوية ومراكز مقاومته وقلاعه الحصينة، وهاجمتها ودمرت تحصيناتها، فسقط أول حصون العدو «القلعة 1» فى القنطرة شرق الساعة 2:46 ظهرا، واستمر تهاوى القلاع. وصدت قواتنا ودمرت هجمات العدو المضادة، وحتى الساعة 3:10 كان دفاعنا الجوى قد أسقط 4 طائرات مُعادية، وتقدمت وحدات المهندسين تحت ستر قوات المشاة ونيران المدفعية، وفتحت ممرات الساتر الترابى باستخدام مضخات المياه وأتمت المهمة فى زمن قياسى لم يتجاوز الساعة لأول ممر.
وأقامت القوات عددا كبيرا من المعديات، وأنشأت 10 كبارى ثقيلة و10 كبارى مشاة، وبدأ تدفق الدبابات والمعدات الثقيلة من الغرب للشرق. وأثبتت الخطة كفاءتها فكانت المهام تنفذ بجسارة واقتدار، وحتى الساعة 3:29 ظهرا كان عدد الطائرات الساقطة للعدو سبعًا من طرازى فانتوم وسكاى هوك. وبعدها بثلث الساعة استأنفت إذاعة إسرائيل بثها ونادت قوات الاحتياط بالتوجه لمراكز التعبئة.
فى الشمال على ساحل البحر المتوسط، نفذ جزء من قوات قطاع بورسعيد هجوما مخادعا على قلعة العدو الحصينة شرق بورفؤاد، لجذب الاهتمام بعيدا عن قوات الاقتحام، وارتفع عدد الطائرات المحطمة إلى 11، ثم 13 بعد 40 دقيقة، ما أزعج قائد القوات الجوية الجنرال بينامين بلير، فأمر طياريه فى الساعة الخامسة بتحاشى الاقتراب من القناة لأقل من 15 كيلومترا.
وقبل آخر ضوء لليوم كانت عشرات من طائرات الهليكوبتر المصرية تعبر القناة وخليج السويس بمجموعات من قوات الصاعقة، صوب أهدافها المخصصة على طول المواجهة وفى أعماق مختلفة بين 30 و40 كيلومترا، وتم إبرار القوات بنجاح وبدأت تنفيذ مهامها، فأنزلت بالعدو خسائر جسيمة وحرمت مدرعاته من حرية الحركة. وبعد ذلك بعشر دقائق وقع أول ضابط إسرائيلى أسيرًا فى جسر الحرش شمال الإسماعيلية، وفى الساعة 6:29 أخطرت رئاسة الأركان العامة الإسرائيلية قيادتها المرؤوسة بالقنطرة عن انقطاع الاتصال مع جبهة سيناء الوسيطة، وكلفتها أن تحل محلها فى قيادة قوات إسرائيل على الجبهة لحين استعادة قيادة سيناء سيطرتها على القوات بعد إصلاح وتعويض ما حطمته الطائرات والصواريخ المصرية.
فى أقل من ست ساعات أتمت فرق المشاة الخمس وقوات قطاع بورسعيد اقتحام القناة بطول 170 كيلومترا وقوة 80 ألف جندى عبر 12 موجة متتالية، وأتمت الاستيلاء على 15 نقطة قوية للعدو، وأكملت حصار بقية النقاط، كما استولت على رؤوس الكبارى بعمق حتى 4 كيلومترات، وهكذا سقط خط بارليف وحصون العدو فى ست ساعات فقط، بعدما كان يتغنى بأنه انتصر فى يونيو 1967 فى ستة أيام.
كان المقاتلون يسطرون بطولاتهم على الجبهة، وعوام المصريين يصيغون ملحمة موازية فى أرجاء مصر، عنوانها التضامن والتكافل ودعم الدولة وقواتها المسلحة، والتكفل برعاية الجبهة الداخلية أيضا، ولعل أبلغ الأمثلة على ذلك انخفاض منسوب الجرائم والانفلاتات الأمنية خلال أيام الحرب الأولى.
تؤكد سجلات الأمن العام والأجهزة المعنية خلال فترة الحرب، أن مؤشرات الجريمة تراجعت بصورة حادة، حتى كادت تخلو من أية جرائم جنائية، بل خلت السجلات من المحاضر والبلاغات فى أقسام الشرطة خلال أول ثلاثة أيام.
بحسب سجلات الأمن العام، انخفضت الجنايات الكبرى بين 6 و21 أكتوبر، وذلك من 95 جناية عام 1972 إلى 71 فقط فى أيام الحرب بنسبة 26%، وتراجعت السرقات الكبرى من 11 إلى 7 بنسبة 40%، كما تراجعت السرقات الصغرى بنسبة 35%، والنشل 45%، بل خلت القاهرة فى ثانى أيام الحرب من أية وقائع نشل، كما انخفضت جرائم القتل والشروع فيه بنسبة 25% من 82 إلى 63، ولم تتلق وزارة الداخلية أية إخطارات أو بلاغات عن وقائع تمثل خطورة حقيقية.
ويقول اللواء أمجد الشافعى، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن الأغلبية العظمى من البلطجية واللصوص كانوا ينضمون لمجموعات المقاومة الشعبية، بحسب التقارير والإحصاءات الصادرة بعد المعركة، متابعا: «الحرب هى الملحمة الوطنية الأعظم على الإطلاق، وقد تحول الشعب بأكمله إلى جبهة واحدة، وتلاشت الخلافات السياسية، وغابت الجرائم واتحدت قلوب الجميع وراء معركة الثأر والتحرير».
ويؤكد محمود البدوى الخبير القانونى والمحامى بالنقض، أن مسألة تراجع الجريمة خلال فترة الحرب ترجع لعديد من العوامل النفسية والاجتماعية، وأهمها قيم التضحية والإيثار والتسامح لدى المصريين، وتضافرهم فى أوقات الأزمات، لافتا إلى أن تلك الفترة بدأت قبل الحرب وامتدت إلى نوفمبر، وتداعى المواطنون لتشكيل لجان شعبية لمساندة أفراد الشرطة فى تأمين الجبهة الداخلية، ونشطت المجالس العرفية فى القرى والأحياء لحل النزاعات البسيطة.
ويرى اللواء رأفت الشرقاوى، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن الشرطة لعبت دورا بارزا خلال الحرب، إذ وضع الوزير ممدوح سالم خطة تأمين مجتمعية شاملة، وجرى تنشيط سرايا الأمن المركزى وصقل خبراتها بالتدريبات النوعية على الأكمنة والإغارة وتمييز طائرات العدو ومقاومة الهابطين بالمظلات والدوريات الجبلية والصحراوية، وعقد اجتماعات بمسؤولى مديريات الأمن قبل الحرب بأربعة أيام، لوضع خطط ثابتة للتأمين خصوصا فى مدن القناة، مشددا على أنه لا ينسى موقف اللواء محيى خفاجة، مدير أمن السويس، عندما اقترب العدو من مشارف المدينة فى الفترة بين 15 و23 أكتوبر رغم وقف إطلاق النار، وجرى تهديده بالتسليم أو نسف السويس، وهنا نشطت المقاومة من خلال العناصر الأمنية والمواطنين ونجحوا فى منع العدو من الدخول.
وأكد اللواء فاروق المقرحى، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن الشرطة تولت تأمين الجبهة الداخلية، وكان هناك تعاون كبير مع كل فئات الشعب، كما تولت تأمين الحدود الشرقية للقاهرة من ناحية السويس، وكانت هناك تمركزات أمنية لا سيما خلال أحداث الثغرة، لافتا إلى أن الضباط والأفراد تلقوا تدريبات خاصة، ونجحت الشرطة مع تضافر الجهود الشعبية فى تأمين كل المنشآت الحيوية وضمان استقرار المجتمع طوال فترة الحرب.
أكتوبر