نصر لا يضاهيه انتصار، هذا ما حققه المصريون قبل 50 عاما، وتلقفته الصحافة العالمية كما يليق بحدث من العيار الثقيل.. جنود يصنعون ملحمة ويُحررون الأرض، وأسطورة باهتة تسقط عن «جيش لا يُقهر»، وبطولة تبدأ من خراطيم المياه وتتواصل تحت قيظ الظهيرة ومشقة الصيام وانهمار النار كما ينهمر المطر. تعكس القراءة المتعمقة لأرشيف الصحف العالمية خلال الحرب، شيئا من الانحياز لإسرائيل قبل المعركة، ثم محاولات للحياد مع التحول الكبير، وصولا للاعتراف بانهيار «أسطورة الأوهام» التى روجتها دوائر الفكر والإعلام الغربية دعما لدولة الاحتلال.
صباح 7 أكتوبر، كان المانشيت الرئيسى لصحيفة نيويوك تايمز الأمريكية يصف مشهد الحرب بلا أهواء، وبعنوان مجرّد «العرب والإسرائيليون يتقاتلون على جبهتين.. والمصريون يعبرون قناة السويس»، وسردت تفاصيل العبور بقولها إن المعارك الدائرة مُكثفة من المصريين والسوريين، وأشار التقرير لمناشدات وزير الخارجية هنرى كيسنجر بوقف إطلاق النار، وعلقت الصحيفة بأنها «بلا جدوى». يوم 15 أكتوبر، كانت الحرب حاضرة فى أولى صفحات نيويورك تايمز بعنوان «القوات المصرية تشن هجوما كبيرا فى سيناء.. وخسائر كبيرة فى الدبابات الإسرائيلية»، وجاء فى المتن: «ذكرت القيادة العسكرية المصرية أن القوات شنت هجوما عاما على طول جبهة سيناء، واحتلت مناطق جديدة كبيرة من الصحراء فى قتال عنيف.. ودمر المصريون بعد تسعة أيام من توغلهم عبر قناة السويس 150 دبابة إسرائيلية وأسقطوا ما لا يقل عن 44 طائرة إسرائيلية بما فى ذلك طائرتا هيلكوبتر».
ولم يغفل التقرير سرد الرواية الإسرائيلية، فتابع: «نفت إسرائيل وقوع هجمات مصرية عنيفة على طول جبهة القتال البالغة 100 ميل شرق القناة، وزعمت أنها أوقفت أكثر من 220 دبابة مصرية عن العمل، وقال المتحدثون الإسرائيليون إن المصريين فشلوا فى اختراق الخط فى أى وقت»، وبجانب التطورات الميدانية رصد التقرير انطباعات المصريين عن تطورات المعركة، مشيرا إلى أن «الرئيس السادات لم يتفوّه بأى كلمة علنية منذ بدء القتال، وكان ظهوره الوحيد فى مسجد لصلاة الجمعة مع مسؤولين آخرين، كما التزم جميع الوزراء الصمت فى بلد اتُّهم فيه القيادة فى أحيان كثيرة بالكلام المفرط، وأكد هذا مزاج الجدية ووعى السكان بأن الحرب قد تكون طويلة وصعبة رغم النجاحات الأولية».
أما صحيفة واشنطن بوست فكتبت فى 8 أكتوبر «إن المصريين حققوا نصرا نفسيا على إسرائيل»، فى إشارة لاستعادة السيطرة على قناة السويس الذى وصفته بأنه «انتصار لا مثيل له»، وكتبت وكالة رويترز فى 11 أكتوبر أن الحرب كانت الأكثر ضراوة منذ 1948، وكان واضحا أن الإسرائيليين خسروا المبادرة فى الحرب، وتراجع جيشهم بسبب النطاق الواسع للأسلحة المتطورة من جانب التحالف العربى.
ورأت مجلة نيويوركر، أن حرب أكتوبر كانت الوحيدة بين أربع حروب للعرب وإسرائيل، تفوق فيها المصريون، وكان عبور القناة جريئا وعبقريا بإزالة السواتر الرملية العملاقة بخراطيم المياه، وإقامة الجسور العائمة، وعبور الكوماندوز فى زوارق مطاطية مكشوفة.
وكانت الصحف البريطانية أقوى فى وصفها لنجاحات مصر، فتحدثت عن زيف أسطورة قوة إسرائيل، وقالت «لقد اتضح أن القوات الإسرائيلية ليست مكونة كما كانوا يحسبون من رجال لا يقهرون، وأن الثقة الإسرائيليّة بعد 1967 بلغت حد الغطرسة الكريهة التى لا تميل للحلول الوسط، وهذه الغطرسة تبخّرت فى حرب أكتوبر، وذلك يتضح من تصريحات المسؤولين بمن فيهم موشى ديان نفسه»، وكتبت «ديلى ميل» أن الأسبوع الذى شهد اندلاع الحرب كان أسبوع تأديب وتعذيب لإسرائيل، والجيوش العربية تقاتل بقوة وشجاعة وبسالة لا مثيل لها.