ملحمة كبري وقفت خلفها العديد من البلدان العربية والإسلامية، لتفرز فى النهاية نقطة فاصلة عام 1973 فى تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، كان بطلها سلاح الذهب الأسود "النفط" الاستراتيجي الذى شكل مفاجأة الحرب الاقتصادية التي شنتها الدول العربية على المعسكر الغربي الداعم لإسرائيل، وساهم في دفع الراية المصرية لحصد الانتصار التاريخي المجيد، وكان قرار حظر النفط من جانب الدول العربية بمثابة الصاعقة التي صدمت جبهة العدو بحسب ما نشرته وثائق بريطانية.
17 أكتوبر 1973
كان هذا التاريخ بمثابة ملحمة عربية خالصة شارك فيها العرب بشكل عام، وبجانب الدعم العسكرى لمصر وسوريا، والذى قدمته كلا من العراق والسعودية والإمارات وليبيا والأردن والمغرب والكويت وتونس وفلسطين، كان هناك دعم من نوع آخر، عبر إشهار سلاح البترول الاقتصادي فى وجه الدول التى تدعم إسرائيل.
ففي هذا التاريخ، وعقب اندلاع الحرب بأيام قرر الملك فيصل استخدام سلاح البترول في المعركة، ودعا لاجتماع عاجل لوزراء البترول العرب في الكويت، وخلال الاجتماع تقرر تخفيض الإنتاج الكلي العربي بنسبة 5%، وتخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967، كما قررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل بحسب تقرير للعربية الإخبارية.
وأٌجبرت إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، كما أعلنت أنها ستوقف إمدادات النفط إلى أمريكا والدول الأخرى التي تؤيد إسرائيل في صراعها مع سوريا ومصر، وعقب ذلك القرار التاريخي سارع هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك بزيارة الرياض في 8 نوفمبر 1973، أملا في الخروج بموافقة سعودية على استئناف تصدير النفط، لكنه ظل يناور ويراوغ فلم يجد سوى تصريحات قوية ومباشرة من القيادة السعودية مفادها أنه سيتم استئناف تصدير النفط بعد أن تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة.
صدمة الغرب
فيما كشفت وثائق بريطانية، نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي العام الماضى، عن أن بريطانيا والولايات المتحدة قللتا من إرادة العرب وقدرتهم على وقف ضخ النفط للغرب خلال الحرب. وأن البريطانيين فوجئوا بإعلان الدول العربية المنتجة للنفط الحد من الإمدادات للغرب بعد عشرة أيام من بدء العمليات العسكرية.
وتشير الوثائق إلى أنه بعد 4 أيام من بدء جسر جوي أمريكي لنقل السلاح إلى إسرائيل، سلمت وزارة الخارجية السعودية، السفارة البريطانية مذكرة، أعربت خلالها عن استياء المملكة من الموقف الأمريكي المؤيد لإسرائيل، محذرة من "التأثير السيء لهذا على الدول العربية". وقالت المذكرة إن "السعودية تجد نفسها مجبرة على خفض كمية النفط، في مواجهة هذا الموقف الأميركي المتحيز، الأمر الذي سيضر بدول السوق الأوروبية المشتركة".
وحسب الوثائق كانت المذكرة السعودية "صادمة" للبريطانيين الذين "لم يتوقعوا أن تكون لدى العرب الجرأة للإقدام على مثل هذه الخطوة". وذلك بناء على تقرير أرسلته سفارتا لندن في القاهرة والرياض، إلى نائب الوكيل الدائم للخارجية البريطانية لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، مارتن لو كويسن في الأسبوع الأول من يونيو عام 1973، استبعدت خلاله السفارة البريطانية في القاهرة أن "تدفع مصر باستخدام سلاح النفط"، وخلصت إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، إلى أن المصريين يطلقون "تهديدات جوفاء" بهذا الشأن.
ورغم وجود تقارير تحدثت عن مباحثات سرية بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وخادم الحرمين الشريفين الملك فيصل بن عبد العزيز لبحث مسألة استخدام النفط، فإن التقارير البريطانية استبعدت مناقشة الموضوع. وقال رئيس إدارة الشرق الأدنى إنه "رغم التقارير التي تشير لمباحثات بين فيصل والسادات، لكن ليس لدينا أي شيء عن النفط، ولو جرى نقاش بهذا الشأن فسيكون مفاجئاً لأننا لم نسمع عنه"، مشككاً في إمكانية حصول القاهرة على وعد من الرياض بقطع النفط عن أمريكا.
وتشير الوثائق إلى تقليل وزير الخارجية الأمريكي، آنذاك، ويليام روجرز، من شأن تهديدات العرب باستخدام سلاح النفط، حيث يقول أنتوني بارسونز، الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية آنذاك، في تقرير سري يتناول حواراً دار بينه وبين الوزير الأمريكي في يونيو عام 1973، على هامش اجتماع مجلس وزراء منظمة معاهدة الشرق الأوسط (حلف بغداد) في طهران، إن روجرز وصف الحديث عن استخدام العرب سلاح النفط سياسياً بأنه "فارغ"، وأنه "لا مجال على الإطلاق لأن تؤخذ الولايات المتحدة رهينة".