دخل الرئيس السادات ووزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل إلى غرفة العمليات فى «المركز 10» بعد أن وصلا فى الساعة الثانية عشرة والنصف ظهر 6 أكتوبر، مثل هذا اليوم 1973، حسب تأكيد الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى مذكراته «حرب أكتوبر».
يصف المشير محمد عبدالغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات وقتئذ، ووزير الدفاع فيما بعد، الحالة التى سيطرت على الجميع، قائلا فى مذكراته «حرب أكتوبر 1973»: «أخذ الوقت يمر بطيئا والعيون مركزة متابعة كل نشاط للعدو، والقلوب تتجه نحو القوات التى ستقوم بتنفيذ الهجوم، لقد انتهت مرحلة التخطيط والتحضير وحان وقت التنفيذ، اتخذ كل فرد فى مركز العمليات مكانه فى صمت، والعيون كلها مركزة على خرائط العمليات فى يوم كنا تنتظره قواتنا المسلحة والشعب المصرى والشعوب العربية كلها».
يؤكد «الشاذلى»، أن قواتنا الجوية وجهت ضربة إلى مطارات العدو ومركز قيادته ومناطق حشد مدفعيته فى سيناء، واشترك فيها أكثر من 200 طائرة عبرت خط القناة على ارتفاع منخفض جدا، وبمجرد عبورها بدأت المدفعية عملية القصف التحضيرى المكثف على مواقع العدو شرق القناة، وفى الوقت ذاته تسللت عناصر استطلاع المهندسين الصاعقة إلى الشاطئ الشرقى للقناة، للتأكد من تمام إغلاق المواسير التى تنقل السائل المشتعل إلى سطح القناة، وبينما كانت تلك الأعمال تتم بنجاح، كان الجميع ينتظرون أخبار عبور المشاة، لأن ذلك هو الذى سيحدد مصير المعركة.
يضيف الشاذلى: «بينما كنا ننتظر وكأن على رؤوسنا الطير وصلت المعلومات بتمام عبور الموجة الأولى، ودوت مكبرات الصوت داخل المركز 10 تعلن الخبر المهم الذى بعث الفرحة والسكينة فى نفوس الجميع، أخذت المعلومات عن عبور الموجات المتتالية للمشاة تتوالى وفى توقيتات تتطابق تماما مع توقعاتنا، وبعد أن اطمأن الرئيس بهذه الأخبار السارة، انسحب هو ووزير الحربية من غرفة العمليات للراحة، وحوالى الساعة السابعة مساء، غادر المركز 10 عائدا إلى قصر القبة».
يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، فى كتابه «الطريق إلى رمضان»: «كان النبأ يقول: العملية أنجزت، العملية أنجزت»، يضيف «هيكل»: «كان ذلك أجمل من أن يصدق، وفى الثالثة والنصف اتصل الرئيس السادات تليفونيا بالسفير السوفيتى فينو جرادوف، كان يريده أول من يعلم بما حدث ليطمئنه أولا، وليعده للمطالب الخاصة بتعويض المعدات التى لم يكن طلبها ليتأخر طويلا».
كان «فينوجرادوف» يتناول الغداء بمفرده فى الطابق الثانى بالسفارة، حين قيل له إن الرئيس ينتظر على التليفون، وحسب قول السفير لهيكل، فإنه دهش من أن المكالمة على الخط العادى فى حين موجود وصلة تليفونية خاصة بين الرئاسة والسفارة.
أخذ السفير السماعة، وسمع صوت السادات نفسه وكان ضاحكا، يقول: «فينوجرادوف، أولادى يركبون الآن خط بارليف، عبرنا القناة، أريدك أن تتصل تليفونيا بأصدقائنا فى موسكو، وتقول لهم، إن أولادى يقفون الآن على الضفة الشرقية للقناة».
رد السفير: «تهنئتى كلها يا سيادة الرئيس»، رد الرئيس: «الفريق أول أحمد إسماعيل معى، ويريد أن يتحدث إليك لأن هناك الكثير يحتاج إليه منكم لإكمال المهمة»، قال «إسماعيل» للسفير: «الموجة الأولى عبرت فى أمان، والكثير من النقاط الحصينة على خط بارليف سقطت، والخط كله فقد قيمته بالفعل».
يعلق «هيكل»: «لم تكن فرحة الرئيس والقائد العام ودهشة السفير بالأمر المستغرب، ذلك أن الخبراء السوفييت كانوا على الدوام يؤكدون خطورة الهجوم عبر القناة، وصعوبة دك استحكامات خط بارليف تحت وطأة نيران المدافع وقنابل الطائرات، واحتمال استخدام النابالم فى القناة، وكانت القيادة المصرية مستعدة لتحمل خسائر بشرية تصل إلى 26 ألف مقاتل فى المرحلة الأولى للهجوم، فلما أنجزت بهذه السرعة من دون خسائر تذكر، أحس الجميع كأنهم فى حلم، وسارع السفير السوفيتى إلى الاستعانة باثنين من الجنرالات فى السفارة لكتابة تقرير يبعث به إلى القيادة فى موسكو».
يكشف حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى للسادات وقتئذ فى مذكراته «أمن مصر القومى فى عصر التحديات» أن السادات استقبل السفير السوفيتى فى نفس اليوم السادسة مساء، وكان السفير يحمل رسالة من بريجنيف السكرتير العام للحزب الشيوعى السوفيتى، تتضمن تقديرا من الرئيس السورى حافظ الأسد بأن استمرار الحرب لمدة طويلة قد لا يكون فى صالح العرب، ويطلب من السوفييت التدخل لوقف القتال، ورد السادات بأن هذا الحديث المنسوب للأسد لم يكن موضوع نقاش بينهما»، يؤكد «إسماعيل»، أنه كان من الطبيعى أن نبلغ الرئيس الأسد بمضمون هذه الرسالة، وردت دمشق بالنفى تماما للمفهوم الذى نقله السوفييت إلينا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة