مؤامرة قديمة، بسيناريوهات جديدة.. هكذا كانت دائما مخططات إسرائيل الساعية إلى تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وهي الخطوة التي تهدف من خلالها تل أبيب إلى تفكيك القضية الفلسطينية برمتها، والتنصل من مسئولياتها كدولة احتلال من سكان القطاع.
المؤامرة التي تعود إلى عقود مضت كانت محور نقاش خلال اجتماعات الحكومة الإسرائيلية خلال الشهر الجاري، بحسب ما نشرت وكالة الأسوشيتدبرس الأمريكية الثلاثاء، وهو ما أكد مدي قبح النوايا الإسرائيلية، ومخططاتها.
وقلل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى من أهمية التقرير الذى وضعته وزارة الاستخبارات كتدريب افتراضى، أو ورقة المفاهيم، إلا أن أسوشيتدبرس قالت إن استنتاجاته تعمق المخاوف المصرية والعربية القائمة منذ أمد بعيد بأن إسرائيل تريد تحويل غزة إلى مشكلة لدول الجوار الفلسطيني، وأحيت ذكريات النكبة لدى الفلسطينيين، عندما تم اجتثاث مئات الآلاف منهم من جذورهم، سواء فروا أو أجبروا على ترك منازلهم خلال حرب عام 1948.
وتوضح الوكالة أن تاريخ الوثيقة يعود إلى 13 أكتوبر، أى بعد ستة أيام من عملية طوفان الأقصى وما تلاها من عدوان إسرائيلى على قطاع غزة، ونشرها لأول مرة موقع إسرائيلى محلى.
وفى هذا التقرير، طرحت وزارة الاستخبارات، وهى وزارة تجرى أبحاثا لكنها لا تضع سياسات، 3 بدائل من أجل تغيير الواقع المدنى فى قطاع غزة، ووصف واضعوا التقرير هذا البديل، تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، بأنه الأكثر تفضيلا لأمن إسرائيل.
واقترحت الوثيقة نقل المدنيين فى غزة إلى مدن خيام فى شمال سيناء، ثم بناء مدن دائمة لهم، وممر إنسانى غير محدد. كما سيتم، بموجب الاقتراح، إنشاء منطقة أمنية داخل إسرائيل لمنع الفلسطينيين النازحين من الدخول. ولم يحدد التقرير ماذا سيحدث لغزة بعد إخلائها من سكانها.
وعلق يويل جوزانسكى، الزميل بمعهد دراسات الأمن القومى فى تل أبيب إنه لو كانت هذه الوثيقة صحيحة، فإنها خطأ فادح. وربما تسبب خلافا استراتيجيا بين مصر وإسرائيل. ويرى أن هذه الوثيقة تكشف جهلا واضحاً.
من ناحية أخرى، أشارت الوثيقة إلى أن مصر لن تكون بالضرورة المحطة الأخيرة للاجئين الفلسطينيين. بل تحدثت عن مقترح "دعم مصر وتركيا وقطر والسعودية والإمارات للخطة إما ماليا أو باستقبال سكان غزة المهجرين كلاجئين، وكمواطنين على المدى البعيد". وأضافت الوثيقة أن ممارسات الهجرة المتساهلة فى كندا يمكن أن تجعلها أيضا هدفا محتملا لإعادة التوطين.
وعكست الوثيقة المسربة مدي قبح المؤامرات الإسرائيلية ، حيث ذكرت نصاً أن "المقترح يبدو للوهلة الأولى معقدا من حيث الشرعية الدولية"، لكن السيناريو الإسرائيلي حاول تسويق أهدافه الخبيثة بالزعم بأن "القتال بعد التهجير يؤدى إلى خسائر مدنية أقل مقارنة بما يمكن توقعه إذا بقى السكان".
وأصابت الوثيقة المسربة المسئولين الإسرائيليين بحالة من الارتباك ، حيث ذكر مسئول إسرائيلى مطلع على الوثيقة لـ"أسوشيتدبرس" أنها ليست ملزمة، وأنه لم تكن هناك مناقشة موضوعية لها مع المسئولين الأمنيين. بينما وصفها مكتب نتنياهو بأنها "ورقة مفاهيم"، ويتم إعداد أمثالها على جميع مستويات الحكومة وأجهزتها الأمنية.
وقال مكتب نتنياهو: إن قضية ما سيحدث فيما بعد لم يتم مناقشتها فى أى اجتماع رسمى فى إسرائيل، التى تركز حاليا على تدمير قدرات الفصائل الفلسطينية.
واستبعدت الوثيقة الخيارين الآخرين، بإعادة حكم السلطة الفلسطينية فى غزة أو دعم نظام محلى. ومن بين أسباب رفضهما، أنهما لن يكونا قادرين على ردع هجمات الفصائل ضد إسرائيل.
وأشارت الوثيقة إلى أن "عودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة سيكون انتصارا غير مسبوق لحركة المقاومة الفلسطينية، والذى سيؤدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين والجنود الإسرائيليين، ولا يحمى أمن إسرائيل".
المؤامرة التي تجلت في العدوان الإسرائيلي الأخير علي قطاع غزة، والذي خلف ما يقرب من 9 آلاف شهيد غالبيتهم من المدنيين من النساء والأطفال ليست جديدة بالتأكيد، وإنما تعود لعقود طويلة.
ففى تقرير لها مساء الاثنين ، تحدثت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن هذه المؤامرة، مشيرة إلى أنها تعود إلى عام 1971 ، أي قبل حرب السادس من أكتوبر.
وتضمن تقرير "بي بي سي" وثائق بريطانية سرية ، تكشف أبعاد المخطط الإسرائيلي قبل 52 عاماً ، والذي كان يهدف إلى ترحيل آلاف من سكان قطاع غزة إلى شمال سيناء، وذلك بعد احتلال الجيش الإسرائيلي غزة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، في حرب يونيو عام 1967، حيث أصبح القطاع مصدر إزعاج أمني لإسرائيل، وباتت مخيمات اللاجئين بؤر مقاومة للاحتلال.
وحسب تقديرات البريطانيين، فإنه عندما احتلت إسرائيل غزة، كان في القطاع 200 ألف فلسطيني، من مناطق فلسطين الأخرى، ترعاهم وكالة الأمم المتحدة "الأونروا" و150 ألفا آخرين هم سكان القطاع الأصليين الفلسطينيين.
وقالت تقاريرهم إن غزة لم تكن قابلة للحياة اقتصاديا بسبب مشكلات أمنية واجتماعية خلقتها حياة المخيمات.
وحسب تقديرات البريطانيين، فإنه خلال الفترة بين عامي 1968 و1971، قتل 240 فدائي فلسطيني وأصيب 878 آخرون، بينما قتل 43 وأصيب 336 جنديا من قوات الاحتلال الإسرائيلية في غزة وأعلنت الجامعة العربية حينها إصرارها على وقف الأنشطة الإسرائيلية ضد اللاجئين الفلسطينيين في غزة، وقررت "تبني إجراءات عربية مشتركة لدعم المقاومة في القطاع".
كانت بريطانيا مهتمة بالوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة غزة. وردا على استجوابات برلمانية، أبلغت الحكومة البريطانية مجلس العموم بأنها " تتابع بدقة التطورات في القطاع". وقالت: "نرقب التحركات الإسرائيلية الأخيرة باهتمام خاص، ومن الطبيعي أن ننظر بقلق إلى أي عمل من جانب السلطات الإسرائيلية من شأنه الإضرار برفاهية ومعنويات السكان اللاجئين العرب الفلسطينيين في المنطقة".
في تلك الأثناء، رصدت السفارة البريطانية في تل أبيب تحركات إسرائيلية لتهجير آلاف الفلسطينيين إلى العريش التي تقع شمالي شبه جزيرة سيناء المصرية، وتبعد قرابة 54 كليومترا عن حدود غزة مع مصر، وشملت التدبيرات "النقل القسري" للفلسطينيين إلى مصر أو أراض إسرائيلية أخرى، وفي أوائل سبتمبر عام 1971، اعترفت الحكومة الإسرائيلية للبريطانيين بوجود خطة سرية في هذا الشأن. حيث أبلغ وزير النقل والاتصالات الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز ( زعيم حزب العمل ووزير الدفاع والخارجية ورئيس الحكومة ورئيس الدولة في إسرائيل لاحقا) المستشار السياسي للسفارة البريطانية في تل أبيب بأنه حان الوقت لإسرائيل كي تبذل جهداً أكثر في قطاع غزة وأقل في الضفة الغربية.
وفي تقرير عن اللقاء، قالت السفارة إن بيريز، الذي كان مسؤولا عن التعامل مع الأراضي المحتلة، أكد أنه رغم أن الحكومة الإسرائيلية لن تعلن رسميا السياسة الجديدة، ولن تنشر توصيات اللجنة الوزارية التي تراجع الموقف، فإن هناك الآن اتفاقا في مجلس الوزراء على متابعة تدابير بعيدة المدى للتعامل بشكل أكثر فعالية مع مشكلات غزة.
وأضاف التقرير أن بيريز يعتقد بأن هذه التدابير سوف تؤدي إلى تحول في الوضع خلال عام أو نحو ذلك وعبر عن الأمل الاسرائيلي في نقل حوالى 10 آلاف أسرة إلى الضفة الغربية، وعدد أصغر إلى إسرائيل غير أنه أبلغ البريطانيين بأن التهجير إلى الضفة وأراضي إسرائيل ينطوي على مشكلات عملية مثل التكلفة العالية.
وواصل بيريز ترويج المؤامرة الإسرائيلية للدبلوماسي البريطاني ـ بحسب الوثائق ـ حيث أبلغه أن معظم المتأثرين، هم في الواقع، راضون بأن يجدوا لأنفسهم سكنا بديلا أفضل مع تعويض عندما تزال أكواخهم، أو يقبلون شققا عالية الجودة بناها المصريون في العريش، حيث يمكن أن يكون لديهم إقامة شبه دائمة.
وسأل الدبلوماسي البريطاني بيريز: هل العريش تعتبر الآن امتدادا لقطاع غزة؟ فرد زاعماً بأن "استخدام المساكن الخالية هناك قرار عملي تماما".
وفي تقييم منفصل لما اعترف به بيريز، أشار إيرنست جون وورد بارنز، السفير البريطاني في إسرائيل إلى أن الإسرائيليين يرون أن أي حل دائم لمشكلات قطاع غزة يجب أن يتضمن إعادة تأهيل جزء من السكان خارج حدوده الحالية.
وأكد لحكومته أن السياسة الجديدة تشمل توطين الفلسطينيين في شمال سيناء المصرية، غير أنه قال إن الحكومة الإسرائيلية تخاطر بمواجهة انتقادات، لكن النتائج العملية أهم، بالنسبة لإسرائيل.
وفي تقرير عن الموضوع، قال أم إي بايك، رئيس إدارة الشرق في الخارجية البريطانية إنه "يجري الآن اتخاذ تدابير صارمة لتقليص حجم مخيمات اللاجئين وفتحها. وقصد بهذا النقل القسري للاجئين من منازلهم الحالية، أو بالأحرى أكواخهم، وإجلاؤهم إلى العريش في الأراضي المصرية" وأضاف "يجري الآن فيما يبدو متابعة برنامج أكثر طموحا لإعادة التوطين".
وبعد شهر، أبلغ الجيش الإسرائيلي، في لقاء رسمي، عددا من الملحقين العسكريين الأجانب بتفاصيل إضافية عن خطة ترحيل الفلسطينيين من غزة.
وخلال اللقاء، قال العميد شلومو غازيت، منسق الأنشطة في الأراضي المحتلة، إن جيشه لا يدمر مساكن الفلسطينيين في غزة ما لم يكن هناك سكن بديل. هذا هو القيد الوحيد الذي سوف تقبله الحكومة العسكرية. والعملية مرهونة بحجم السكن البديل المتاح بما في ذلك السكن في العريش.
ووفقا للوثائق، فإن الإسرائيليون خططوا لإسكان الفلسطينيين المهجرين قسرا من غزة في مساكن كانت مملوكة لضباط مصريين في مدينة العريش المصرية قبل حرب 67.
وحسب تقرير لملحق السلاح الجوي البريطاني عن اللقاء، سئل العميد غازيت عن سبب اختيار شمال سيناء فزعم أن "السكن في العريش قد اختير لأنها المكان الوحيد الذي تتوفر فيه منازل خالية وفي حالة جيدة بعد إصلاحها". وأضاف لن يكون هناك بناء جديد في العريش.
ونبه السفير بارنز، في تقرير شامل إلى وزير الخارجية، إلى أن معلوماته تقول أن الأونروا "تتوقع لجوء إسرائيل إلى حل الترحيل". وقال إن الوكالة تتفهم المشكلة الأمنية الإسرائيلية، لكنها لا يمكن أن توافق على النقل القسري للاجئين من منازلهم، ولا إجلائهم حتى على أساس مؤقت إلى العريش في مصر.
وفي تقييمه للخطة السرية الإسرائيلية، حذرت إدارة الشرق الأدنى من أنه "مهما تكن المبررات الإسرائيلية لهذه السياسة بعيدة المدى، لا نستطيع إلا أن نشعر بأن الإسرائيليين يقللون من قيمة حجم الغضب الذي تثيره هذه العقيدة الإسرائيلية القائمة على خلق حقائق على الأرض، في العالم العربي والأمم المتحدة وعليها إيجاد حلول أخرى"
وقالت السفارة البريطانية في تقرير إلى الخارجية في أواخر أغسطس عام 1971 إن عمليات التطهير في المخيمات مستمرة، رغم أنها تسير بوتيرة أبطأ لأن السكن البديل في العريش وأماكن أخرى في الأراضي المحتلة ليس متاحا
وفي برقية بعنوان "طردْ الإسرائيليين للاجئين من غزة"، قالت الإدارة إنه تم بالفعل طرد 1638أسرة (11512 شخصا) من منازلهم في قطاع غزة إما إلى مناطق أخرى في القطاع أو إلى مواقع أخرى خارجه".
وفي الوقت نفسه، جرى نقاش في وزارة الخارجية آنذاك بشأن مدى اتفاق السياسة الإسرائيلية مع معاهدة جنيف الرابعة التي تحدد مسؤوليات دول الاحتلال. فوفق المادة 39 من المعاهدة، فإنه يحظر النقل القسري الفردي أو الجماعي، وكذلك عملية ترحيل الأشخاص من أرض محتلة إلى أرض سلطة الاحتلال أو أرض أي دولة أخرى، سواء تخضع للاحتلال أم لا، وبغض النظر عن الدافع وراء ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة