لم يكن غريبا على وسائل الإعلام الغربية ممارسة الادعاءات الكاذبة ونظريات المؤامرة، ونشر محتوى الكراهية المحيط بما يحدث في حق الفلسطينيين فى غزة، فمنذ بدء الحرب على غزة فسخرت الحكومات الغربية المؤسسات الصحفية على أنها جنود فى معسكر لإطلاق قذائف تدمر العقل البشرى من خلال تزييف الحقائق ونشر الأكاذيب فى ميدان الحرب.
أظهر الإعلام الغربى خلال حرب غزة حالة من الإنحطاط والكذب الشديد في تناول الأخبار حتى وصل إلى مرحلة تزييف الحقائق والكذب على المتابعين والمشاهدين منتهكا فى كثير من الأحيان الضوابط المهنية والحياد لتظهر ازدواجية المعايير الغربية فى أكثر من مناسبة.
ومنذ بداية الحرب، تورط الغرب بزعمائه وإعلامه فى عدة سقطات التى كشفت الانحياز الأعمى، فقد تخلت صحيفة الجارديان البريطانية عن رسام الكاريكاتير الشهير ستيف بيل، بعد رحلة عمل امتدت 40 عامًا، وذلك لرسمه كاريكاتير اعتبرته إدارة الصحيفة مسيئًا لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ويشبه بينه وبين المرابى اليهودى شايلوك، بطل مسرحة تاجر البندقية، لشكسبير.
وجاء قرار الجارديان بعد ساعات من نشر الرسمة التى ظهر فيها نتنياهو، وهو يجرى عملية جراحية على بطنه تشكل قطعا فى خطوط قطاع غزة، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية.
وأظهر ستيف بيل، رئيس الوزراء الإسرائيلى وهو يستعد لإجراء عملية جراحية على بطنه مرتديا قفازات الملاكمة، حيث يمكن رؤية الخطوط العريضة لقطاع غزة مع عبارة تقول "يا سكان غزة.. اخرجوا الآن" فى إشارة إلى أمر الاخلاء الذى أصدره نتنياهو لسكان القطاع.
وقال بيل، الذى عمل مع صحيفة الجارديان لأكثر من 40 عاما، أن الرسوم الكاريكاتورية أثارت إدارة الصحيفة، وتابع فى منشور على منصة "اكس": "فقط للتوضيح، قدمت الرسم الكاريكاتورى حوالى الساعة 11 صباحًا، وربما هو أقدم رسم كاريكاتورى على الإطلاق، ولكن بعد 4 ساعات فى القطار المتجه إلى ليفربول، تلقيت مكالمة هاتفية مشئومة من المكتب تحتوى على رسالة غامضة بشكل غريب فيها عبارة (رطل من اللحم)" فى إشارة إلى الرسم الأخير.
وتابع: "قد تكون عبارة (رطل من اللحم) إشارة إلى شيلوك، المرابى اليهودى فى مسرحية شكسبير تاجر البندقية".
وقبل واقعة الجارديان، كانت سقطات "بى بى سى"، حيث فتحت هيئة الإذاعة البريطانية تحقيقًا مع الصحفيين والإعلاميين المنتسبين لها، بسبب دعمهم للقضية الفلسطينية ودفاعهم عن فصائل المقاومة.
وقالت هيئة الإذاعة البريطانية إنها "تحقق بشكل عاجل" فى مزاعم بأن العديد من مراسليها أشادوا بالهجمات على إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعى، بعد أن قالت شخصيات متعددة تابعة لقناتها العربية أن الضحايا المدنيين (الإسرائيليين) لا ينبغى اعتبارهم مدنيين أبرياء.
ولم يكن الانحياز الصارخ قاصرا على الصحافة ووسائل الإعلام الغربية وحدها بالطبع، بل وصل الأمر إلى أن حتى كبار المسئولين بدأوا يروجون لأكاذيب فى محاولة لتبرير مواقفهم المخزية من مساندتهم لإسرائيل فى حربها على الفلسطينيين.
منذ اللحظات الأولى لعملية طوفان الأقصى تبنت الولايات المتحدة الموقف المعتاد من مساندة إسرائيل التامة، وإرسال مساعدات عسكرية على الفوز تمثلت فى حاملتى طائرات وقوات خاصة وغيرها من الأسلحة التى طلبتها الدولة العبرية بشكل فورى.
ففى كلمة ألقاها أمام الطائفة اليهودية الأسبوع الماضى، قال الرئيس الأمريكى جو بايدن أن على الأمريكيين رؤية ما يحدث، وأنه لم يتخيل "رؤية إرهابيين يقطعون رؤوس أطفال".. وأضاف أن "هذا الهجوم كان حملة من القسوة الخالصة وليس الكراهية فقط ضد الشعب اليهودى".
لكن البيت الأبيض اضطر إلى التراجع عن تصريح بايدن، وخرج مسئول فى الإدارة الأمريكية ليقول عبر "سى أن إن" أن هذه التصريحات كانت مبنية على "مزاعم" مسئولين إسرائيليين وتقارير إعلامية محلية.
وقال المسئول، إن بايدن والمسئولين الأمريكيين لم يروا هذه الصور ولم يتحققوا بشكل مستقل من المزاعم.
لكن غياب الحياد والمهنية عن تغطية كثير من وسائل الإعلام الغربية لعملية طوفان الأقصى والحرب غير المسبوقة التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى على غزة، لم تتوقف عند حد الانحياز للرواية الإسرائيلية، ومحاولة نشر التضليل الإعلامى بشكل -يرى كثيرون- أنه ممنهج، بل وصل إلى "إسكات" بعض الأصوات التى لا تتماهى مع هذا الخط.
وأبرز مثال على ذلك، ما فعلته شبكة "إم إس أن بى سى" الأمريكية، حين أوقفت 3 من أبرز مذيعيها المسلمين قبل أيام.
وأكدت مصادر أن مهدى حسن وأيمن محيى الدين وعلى فلشى تم إخراجهم بهدوء من منصبهم كمذيعيين منذ هجوم المقاومة الفلسطينية على إسرائيل.
وفى أمريكا أيضا، تم فصل المراسل الرياضى جاكسون فرانك من موقع "فيلى فويس" الإخبارى الذى انضم إليه أخيرا بعد أن كتب على موقع إكس "أتضامن مع فلسطين دائما"، فردّ الموقع بإقالته.
فى هذا الصدد، قالت صحيفة واشنطن بوست إن أكثر من 750 صحفيا من عشرات وسائل الإعلام وقعوا خطابا مفتوحا نشر أمس، الخميس، يدين قتل إسرائيل للصحفيين فى غزة وينتقد التغطية الإعلامية الغربية للحرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن الخطاب، الذى قال إن غرف الأخبار مسئولى عن اللغة غير الإنسانية التى تم استخدامها لتبرير التطهير العرقى للفلسطينيين، هو الأحدث فى سلسلة من البيانات الجماعية الحماسية التى ترتكز على رد الفعل من جانب الولايات المتحدة على حرب إسرائيل على غزة.
وفى حين انتقد كتاب وفنانون وعلماء وأكاديميون التغطية الإعلامية للصراع، فإن الخطاب الأخير الذى شمل موقعون من رويترز ولوس أنجلوس تايمز وبوسطن جلوب وواشنطن بوست، يتسم بكشف الانقسامات والإحباطات داخل غرف الأخبار.
وبالنسبة لبعض الصحفيين، فإن التوقيع على الخطاب هو خطوة جريئة أو محفوفة بالمخاطر. فقد تم طرد صحفيين من بعض غرف الأخبار بسبب تبنيهم مواقف سياسية عامة قد تعرضهم لاتهامات بالتحيز.
إلا أن منظمى الخطاب الأخير يجادلون بأنه دعوة إلى إعادة الالتزام بالنزاهة، وليس التخلى عنها.
وقال عبدالله فياض، عضو مجلس التحرير السابق بصحيفة بوسطن جلوب، والذى وصل إلى القائمة القصيرة لجائزة بوليتزر عام 2022، والذى وقع الخطاب إنه يأمل أن يكون هذا الخطاب ردا على ثقافة الخوف حول هذه القضية. وأضاف: وأن يفكر أصحاب القرار والصحفيين ورؤساء التحرير مرتين فى اللغة التى يستخدمونها.
من جانبها، قالت سوهانا حسين، مراسلة صحيفة لوس أنجلوس تايمز التى وقعت الخطاب، إن الأمر يتعلق فقط بمطالبة الصحفيين بالقيام بعملهم، ومحاسبة السلطة.
ولفتت الصحيفة إلى أن الخطاب يقول إنه ينبغى على الصحفيين أن يستخدموا كلمات مثل الفصل العنصرى والتطهير العرقى والإبادة الجماعية لوصف معاملة إسرائيل للفلسطينيين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة