وجه حمد الباسل باشا، الدعوة إلى الاحتفال بتأبين البطل الليبى الشهيد عمر المختار، خلال 12 نوفمبر، مثل هذا اليوم 1931، الذى أعدمته السلطات الإيطالية يوم 16 سبتمبر 1931 بعد سنوات من قيادته للمقاومة الليبية ضد الاحتلال الإيطالى، حسبما يذكر الكاتب الصحفى صبرى أبوالمجد فى الجزء الأول من كتابه «سنوات ما قبل الثورة»، مضيفا: أعد أمير الشعراء أحمد شوقى قصيدة لتلقى فى هذه المناسبة، ومما جاء فيها: «خيرت فاخترت المبيت على الطوى/ لم تبن جاها، أو تلم ثراء/ إن البطولة أن تموت من الظمأ/ ليس البطولة أن تعب من الماء»، وكذلك أعد شاعر القطرين خليل مطران قصيدة، غير أن «حكومة إسماعيل صدقى قررت الطوارئ فى العاصمة، لتحول بين الشعب وبين الاحتفال»، فكيف حدث ذلك ؟ وماذا حمل من دلالات فى هذه الفترة من تاريخ مصر؟
كان إسماعيل صدقى باشا رئيسا للحكومة، منذ أن كلفه بتشكيلها الملك فؤاد فى يوليو 1930 خلفا لحكومة مصطفى النحاس باشا، ويذكر «أبوالمجد»: كان النظام يعتمد على ديكتاتورية لا مثيل لها فى التاريخ المصرى، وكان ما حدث ضد الاحتفال بتأبين عمر المختار دليلا على ذلك.
يضيف «أبوالمجد» أن جريدة الجهاد كتبت يوم 13 نوفمبر، تحت عنوان «كيف صودرت حفلة تأبين البطل الشهيد عمر المختار؟ وقالت: أصدرت الوزارة أمرها بمنع الاحتفال بتأبين الشهيد عمر المختار، فأوفدت حكمدارية بوليس العاصمة ألف جندى من رجال البوليس وبلوك الخفر، وأحاطت تلك القوات بدار سعادة حمد الباسل، وسدت المنافذ المؤدية إليها وامتدت رباطات الجنود، وعلى الخطوط الحديدية الممتدة على المحطات، ومنعت الوصول إلى الدار التى كان مزمعا إقامة الاحتفال بها، ووصل حضرة صاحب السعادة فتح الله بركات باشا إلى مكان الاحتفال، فمنعه الرباط المضروب هناك وحال بين سيارة سعادته، وبين الوصول، ووضع رجال البوليس أسلاكا شائكة لمنع مرور السيارات، كما وضعوا سيارات كبيرة لتعترض الطرقات ومنع جميع المدعوين من الوصول إلى الدار، وعاد جميع المدعوين أدراجهم من حيث جاءوا فكانت فضيحة، وكانت مأساة.
أضافت «الجهاد» أن «الباسل» أعد سرادقا داخل منزله فى سراى القبة، ليكون محل الاجتماع لسماع القرآن الكريم، وذكر مناقب المجاهد العظيم عمر المختار، وبينما هو جالس فى منزله عصر يوم الأربعاء إذا برسول يحمل إليه خطابا من محافظ القاهرة يتضمن منع الاحتفال، لأنه سياسى، ويحمل الباشا مسؤولية المخالفة، ثم حضر مأمور قسم مصر الجديدة على رأس قوة من الجند، وترك القوة خارج المنزل، ودخل معه ضابط بوليس وأبلغ الباشا بأنه يحمل أمرا بهدم السرادق بالقوة، فأمر حمد باشا بغلق أبواب المنزل، واتصل برئيس نيابة مصر وطلب منه الحضور لضبط واقعة الهجوم على منزل ليس فيه أحد، وذهب حمد الباسل إلى حكمدار البوليس، وقال له: إن الاجتماع ليس سياسيا وأبعد ما يكون عن السياسة المصرية بل هو اجتماع لذكرى رجل يمت إلى بقرابة، ومن العار أن يحتفل بذكراه السوريون والفلسطينيون ولا يحتفل به أقاربه، وأكثر الناس به ارتباطا، فقال سعادة الحكمدار: سأعمل جهدى واتصل بك غدا، فمضى الباشا فى طريقه لإعداد لوازم الاجتماع، وتجهيز الطعام للفقراء والمساكين.
فى ظهر اليوم التالى «الخميس» حضر وكيل الحكمدار ومعه مأمور قسم مصر الجديدة، وأخبر الباشا بأن الحكمدار لم يستطع رفع أمر المنع وغاية ما أمكنه أنه لا يتعرض لما فى داخل البيت مطلقا، وإنما سيحول بين الناس وبين الوصول إلى المنزل، فقال الباشا: أنا سائر فى طريقى وللقوة أن تفعل ما تشاء، ولم تمض الساعة الثالثة بعد الظهر، حتى كانت الساحة ما بين محطة سراى القبة، وكوبرى الزيتون غاصة بالجنود مشاة وركبانا مسلحين بالعصى الغليظة والخوذات الحديدية وطوقوا البيت بعدة مناطق من الجنود، ووضعوا فى جميع النوافذ الأسلاك الشائكة حتى أمسى جميع سكان الحى فى حصار شديد.
تضيف جريدة الجهاد، أن التضييق لم يقتصر على صاحب الاحتفال وضيوفه فحسب، بل تعداهم إلى الفقراء والمساكين، وذلك أنه كان محددا لهم وقت الغروب لتناول الطعام صدقة على روح الفقيد فلما جاء الموعد، وأقبل الفقراء من فج وجدوا الطريق مسدودا فى وجوههم.. كل هذا والباشا ومن معه محاصرون فى المنزل لاعلم لهم بما يجرى حولهم، ولما علم بطرد الفقراء، غضب وأمر بحمل ما كان معدا للفقراء إلى قسم البوليس وتسليمه للحكومة، ليكون ذلك شاهد عدل على تصرفات ما كان يتصورها أحد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة