للمجازر قلوب تفزع، وضمائر لا ترتجف.. هذا ما عكسته الحرب الوحشية التي تقودها قوات الاحتلال الإسرائيلي علي قطاع غزة في القارة العجوز ، فما بين دول اختارت الانحياز الفج لتل أبيب واعطائها المبرر الأخلاقي والسياسي لاستهداف المدنيين وقتلهم بدم بارد، ودولاً اختارت ألا تتخلي عن إنسانيتها ولو بإدانات باهتة لجرائم الاحتلال ، ظهر
الموقف الأوروبي من الحرب السابعة مفككاً ، ومتبايناً ولا يتبني خطاباً موحداً علي الصعيدين الرسمي وشبه الرسمي.
وتسببت الحرب في غزة بانقسام الدول الأوروبية بين مؤيد ومعارض، فعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبى اتخذ موقفا مشتركا بشأن الصراع بين الإسرائيليين والفصائل الفلسطينية ، والتأكيد على ضرورة حماية المدنيين واحترام القانون الدولى مؤخراً، إلا أن العديد من الدول أبدت استيائها من موقف الكتلة؛ فالبعض يدعو إلى دعم لإسرائيل، بينما ينتقدها آخرون ويميلون نحو الجانب الفلسطيني من الصراع.
وقالت صحيفة "الباييس" الإسبانية في تقرير لها إن الانقسامات فى أوروبا برزت الأسبوع الحالي في ظل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى في العاصمة البلجيكية بروكسل، للتوصل الى اتفاق بشأن الحرب في غزة ، حيث يشهد الاتحاد الاوروبى حالة من الاضطرابات الداخلية والانقسامات التي كشفت عنها الحرب في غزة.
وأعرب أعضاء الاتحاد الاوروبى على اتفاقهم بشكل عام على ضرورة السماح بدخول المساعدات إلى غزة، إلا أن هناك أمورا آخرى أدت الى تباين موقف الدول الأوروبية، حيث أن أيرلندا ولوكسمبورج ، تدعمان الحقوق الفلسطينية، في جين أن النمسا وألمانيا، يعتبران أن اى شيء يتعلق بإسرائيل امرا صعبا دبلوماسيا بالنسبة لهما بسبب الحرب العالمية الثانية والمحرقة، وسعت البرتغال وإسبانيا، إلى اصدار قرار أوروبي أكثر قوة إزاء إسرائيل بسبب المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
أما فرنسا فقد أعربت عن قلقها العميق إزاء الخسائر الفادحة التي تكبدها المدنيون الفلسطينيون نتيجة للقصف الاسرائيلي الذي استهدف مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة.
وذكرت وزارة الخارجية الفرنسية أن فرنسا تشعر بقلق بالغ إزاء الخسائر الفادحة التي لحقت بالسكان المدنيين نتيجة للقصف الاسرائيلي الذي استهدف مخيم جباليا، معربة عن تعاطفها وتضامنها مع الضحايا الفلسطينيين، وأكدت الخارجية أن حماية السكان المدنيين هو التزام بموجب القانون الدولي وملزم للجميع.
وتجدد الخارجية دعوتها إلى هدنة إنسانية عاجلة حتى يمكن إيصال المساعدات إلى من يحتاج إليها على نحو آمن ومستدام وكاف.
وأوضح التقرير أن زعماء الاتحاد الأوروبى شاركوا في مناقشة مدتها5 ساعات من أجل الوصول الى صيغة توافقية بالنسبة للحرب الدائرة في غزة ، وتخللت هذه المناقشات ساعات من الجدل بين وزراء الخارجية للاتحاد الاوروبى، التي كشفت عن الانقسامات واختلاف الآراء.
ووفقا للموقف الأمريكى، فإن الدعوة إلى وقف اطلاق النار لن يفيد هذه المرحلة، وهذا الرأي تبناه 4 دول أوروبية على رأسها ألمانيا، والنمسا، والمجر، والتشيك، حيث كان موقف المستشار الألماني أولاف شولتز ، حاسما في تـأكيده على الدعم المطلق لإسرائيل.
وبذلك يكون شولتز وفر للجيش الإسرائيلي الذي لم يتردد منذ 27 يوماً في استهداف المساكن والمساجد والمستشفيات والمدارس، وحتى المناطق الآمنة التي دعا الغزاويين للجوء إليها جنوب القطاع، فضلاً عن قطع المياه والكهرباء ومنع المحروقات "شهادة حسن سلوك"، وتفويضاً باستمرار القتل.
وعلى الجانب الآخر، كان رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز ، من أشد المنتقدين للوضع في غزة واستمرار إسرائيل في قصف المدنيين، واقترح على مجلس الاتحاد الاوروبى عقد مؤتمر للسلام في برشلونة في غضون 6 أشهر.
وكشف المسؤول الإسباني الذي ترأس بلاده الاتحاد الأوروبي حتى نهاية العام الحالي، أنه هناك مطالب بوقف فوري لإطلاق النار، إلا أن عدداً من الدول عارضته.
وطالبت إيونى بيلارا، وزيرة الحقوق الإجتماعية الإسبانية والأمين العام لحزب يونيداد بوديموس ، الحكومة الإسبانية، بتقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى غزة.
وأشارت بيلارا على حسابها الخاص على موقع اكس "بالنظر الى محاولة الابادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل فى غزة، نقترح أن تقوم حكومة إسبانيا بإحالة نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب".
ونشرت الوزيرة بيلارا بيانا أكدت فيه أن حزب بوديموس يشعر "بالمعاناة الفظيعة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ عقود"، ولذلك فإنهم يرفعون أصواتهم "للتنديد بأن دولة إسرائيل تنفذ التخطيط للإبادة الجماعية في قطاع غزة، وترك مئات الآلاف من الأشخاص بدون ضوء وطعام وماء وتنفيذ تفجيرات على السكان المدنيين يشكل عقابًا جماعيًا، وينتهك القانون الدولي بشكل خطير ويمكن اعتباره جرائم حرب".
كما سلطت حرب غزة والاستجابة الأوروبية الضوء على التحديات التى يواجهها الاتحاد الأوروبى ونقاط الضعف التى يواجهها التكتل، حسبما كشف معهد ألكانو الإسبانى المتخصص فى الدراسات الدولية الاستراتيجية.
وأكد المعهد الإسبانى فى تقرير له أن التحرك الأوروبي فى أعقاب الحرب فى غزة ظهر أن الاتحاد الأوروبي لا يزال أمامه طريق طويل ليقطعه إذا كان راغباً في أن يصبح جهة فاعلة عالمية تتمتع بالاستقلالية والقدرة على القيادة، وتناول هذا التحليل بعض التحديات التى يتعين حلها، منها صعوبة التوصل إلى موقف مشترك، وحدود تصويت الأغلبية المؤهلة، والتغيرات في التوازن بين المؤسسات، والمشاكل المحيطة بشرعية المشروع الأوروبي وتسييسه.
وأشار المعهد إلى أن حرب غزة أدت إلى إشعال الصراع فى الشرق الأوسط من جديد ، مما أثر على الأجندة الدولية وأولويات القوى الرئيسية فى سياق التنافسية الجيوسياسية المتزايدة، وفي هذا السيناريو، فإن نقاط الضعف التي يعاني منها الاتحاد الأوروبى في وضع نفسه بسرعة وبشكل موحد في مواجهة الأحداث الدولية أصبحت واضحة مرة أخرى، الأمر الذي يسلط الضوء على التحديات التي تنتظرنا لتعزيز الاستقلال الاستراتيجي الأوروبى.
إحدى نقاط الضعف الرئيسية التي أظهرها رد الفعل الأوروبي على الصراع في غزة كانت غياب الموقف المشترك والمتماسك. وبهذا المعنى، يعكس المجلس الأوروبي الذي دعا إليه بشكل عاجل في 17 أكتوبر عناصر مختلفة تميز العمل الأوروبي بشأن قضايا السياسة الخارجية: أولا وقبل كل شيء، يجب علينا تسليط الضوء على طبيعته التفاعلية في مواجهة الأحداث غير المتوقعة، التي تجد الاتحاد الأوروبي دون أولويات واضحة ومحددة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة