أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، المشاركة فى الاستحقاقات الانتخابية بشكل عام هى حق للمواطن وواجب تجاه الوطن، وشدد على أن ما يحدث من عدوان على الشعب الفلسطينى الحر أمر يتعارض مع جميع الأديان والضمير الإنسانى والقانون الدولى وكل الأعراف والتقاليد الإنسانية؛ لأن ما يحدث هو تطهير عرقى ممنهج، وإماتة تامة للقضية الأم وهى قضية الأقصى المبارك.. الى نص الحوار
فضيلة المفتى.. ونحن على موعد مع استحقاق انتخابى جديد وانتخابات رئاسية يفصلنا عنها بضعة أيام.. كيف يفهم المواطن أن المشاركة فى تلك الاستحقاقات هى حق وواجب من حقوق وواجبات المواطن المصرى لما لها من آثار كبيرة على مستقبل البلاد؟
- المشاركة فى الاستحقاقات الانتخابية بشكل عام هى حق للمواطن وواجب تجاه الوطن كونها وسيلة لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع، وحماية الوطن، وعلى المصريين أن يتكاتفوا ويتعاملوا بإيجابية مع هذه الاستحقاقات الانتخابية المهمة، وأن يحكِّم كل مواطن ضميره ويختار من تتوافر فيه شروط القيادة والقدرة على إدارة شئون البلاد والعباد، والالتزام بما ستسفر عنه نتائج هذه الانتخابات.
ذلك لأن المشاركة فى الانتخابات تعزز قيم المواطنة والمشاركة السياسية لدى المواطنين، وتعود عليهم بالنفع فى حياتهم، وتساهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال اختيار رئيس يهتم بمصالح جميع المواطنين، دون تمييز، بالإضافة إلى أن اختيار رئيس يتمتع بالكفاءة والنزاهة، يساهم فى تحقيق مصلحة الوطن خاصة فى ظل الأحداث الإقليمية الراهنة التى تطلب مشاركة فعالة فى الحياة السياسية.
عبور مصر إلى مرحلة التنمية الشاملة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، وتبوؤها مكانتها المستحقة بين الأمم بات ضرورة ملحة فى ظل الأحداث الراهنة التى تعانى منها المنطقة العربية، فكيف حثت الشريعة الإسلامية على عمارة الأرض والتكاتف لتنمية الوطن من أجل تحقيق المصالح العامة، وضمان حياة كريمة؟
الرسالات السماوية جميعًا عُنيت ببناء الإنسان وتطويرِه وتأهيلِه لخلافة الله فى الأرض، والقيامِ بمقتضيات تلك الخلافة، وأَوْلَت الشريعة المحمدية على وجه الخصوص عنايتَها البالغة ببناء هذا الإنسان، بوصفه ركيزة الحضارة، ومناط عملية النهضة والتنمية، وسَعَتْ إلى تشييد هذا البنيان الإنسانى على قواعد ثابتة مستقرة، ولا شك أن الأوطان تستند إلى أسر قوية تدافع عن الأرض والمقدسات، ومصر تحتاج إلى تضافر جهود أبنائها فى هذه المرحلة لتتبوأ مكانتها بين الأمم والشعوب، خاصة وأن الدولة لم تدخر جهدًا فى الاستثمار فى الإنسان، من خلال تطوير البنية التحتية، وتطوير مناهج التعليم، والقضاء على العشوائيات، كما أن رؤية مصر الجديدة للتنمية المستدامة ليست مشاريع تجارية ولا منجزات مادية صرفة، بل هى رؤية حضارية فكرية إنسانية فى المقام الأول تهتم بالإنسان وتعمل على تنميته من كافة الجوانب، وتعمل أيضًا على مواكبة التسارع الحضارى والتقنى الذى يشهده العالم حتى لا تتجمد مصر وتعانى من آثار هذا التوقف كما عانت فى الحقب السالفة.
يموج العالم بالكثير من الأحداث المتلاحقة ولعل تداعيات الحرب فى غزة ليست ببعيدة عنا جميعًا، فكيف يمكن لنا التعامل مع تداعيات هذه الحرب غير العادلة وآثارها الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟
ما يحدث من عدوان على الشعب الفلسطينى الحر أمر يتعارض مع جميع الأديان والضمير الإنسانى والقانون الدولى وكل الأعراف والتقاليد الإنسانية؛ لأن ما يحدث هو تطهير عرقى ممنهج، وإماتة تامة للقضية الأم وهى قضية الأقصى المبارك، فما يفعله الاحتلال الصهيونى فى غزة من اعتداء على الأطفال والنساء والعجائز هى جرائم حرب مكتملة الأركان، ولا شك أن تلك الحرب لها تداعيات كبيرة وآثار نفسية سيئة على الشعوب والمجتمعات فى المنطقة العربية كلها؛ ذلك لأن لفلسطين والأقصى مكانة عظيمة لدى المسلمين والعرب، وستظل فلسطين قضيتنا الأولى ولا يمكن إماتتها، ولا شك أن الحدث جلل والآثار وخيمة فمقتل آلاف الأبرياء، وإصابة الآخرين ومحاولات التهجير والنزوح وتشريد الناس من منازلهم وأراضيهم، وتدمير البنية التحتية ليس بالأمر الهين، ومن ثم فنحن لا نتوانى عن شحذ الجهود وإرسال النداءات الدولية من أجل وقف التصعيد والعنف فى غزة، بهدف حماية المدنيين والحيلولة دون إزهاق المزيد من الأرواح وخروج الوضع الأمنى عن السيطرة، مع الرفض القاطع لفكرة تهجير الفلسطينيين، التى من شأنها تصفية القضية الفلسطينية بالكامل.
ونعول كثيرًا على جهود الدبلوماسية المصرية والحوار السياسى لتعزيز التعاون الدولى فى حل الأزمة الفلسطينية ومنح الفلسطينيين الحق فى تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم العادلة.
كما لا يجب أن نغفل الدور التوعوى بالقضية الفلسطينية ومخاطر الحرب وهو الدور الذى نوليه أهمية كبيرة فى دار الإفتاء المصرية من خلال كافة أدواتنا ومنصاتنا على السوشيال ميديا وشبكة الإنترنت.
لا شك أن الموقف الإسلامى له أهمية بالغة من الحرب فى غزة، فما هى الرسالة التى يجب أن يوجهها المسلمون للعالم من خلال مواقفهم تجاه الحرب فى غزة؟ وكيف يمكن أن يساهم هذا الموقف فى نشر قيم السلام والتضامن والعدالة بين الناس؟
القضية الفلسطينية قضية عادلة ومشروعة، وهى قضية كل مسلم فى هذا العالم، ويجب أن يوجه المسلمون رسالة للعالم مفادها أن هذه القضية هى قضية إنسانية، وأنها لا تخص الفلسطينيين فحسب، بل تخص كل من يؤمن بالعدالة والحرية، كما يجب أن يتمسك كل مسلم بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، والحصول على دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ورفض الاحتلال الإسرائيلى غير الشرعى للأراضى الفلسطينية، وجميع ممارساته القمعية ضد الشعب الفلسطينى.
فضلًا عن أهمية التضامن مع الشعب الفلسطينى فى نضاله المشروع من أجل أرضه، إضافة إلى أهمية الدور الإسلامى فى نشر قيم السلام والتضامن والعدالة بين الناس والتأكيد على أن السلام لا يمكن تحقيقه إلا على أساس العدالة والحقوق، فإن الموقف الإسلامى السليم من القضية الفلسطينية يعكس عمق القيم الإنسانية التى يحملها الإسلام، ويؤكد التزامه بالعدالة والسلام والتضامن بين الناس.
وما هى أهم التوصيات التى يمكن لفضيلتكم تقديمها لحكومات الدول الإسلامية لمعالجة القضية الفلسطينية؟ وكيف يمكن للعرب فى الوقت الراهن أن يكونوا شريكًا فى تحقيق معادلة السلام فى المنطقة؟
تحقيق السلام فى المنطقة العربية هو مسؤولية مشتركة بين جميع العرب، وعليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم لجعل هذه المنطقة منطقة سلام واستقرار، وبشكل عام، فإن دور العرب فى تحقيق معادلة السلام فى المنطقة العربية هو دور أساسى ومهم فهم أصحاب المصلحة الرئيسيين فى هذه القضية، وعليهم أن يلعبوا دورًا محوريًّا فى دفع عملية السلام قدمًا.
وبالتأكيد أوصى بضرورة الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، والحصول على دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، إلى جانب ضرورة رفض الاحتلال الإسرائيلى غير الشرعى للأراضى الفلسطينية، وجميع ممارساته القمعية ضد الشعب الفلسطينى، والتضامن مع الشعب الفلسطينى فى نضاله المشروع من أجل الحرية والاستقلال، ودعم عملية السلام العادلة التى تستند إلى مبدأ حل الدولتين، بالإضافة إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية والسياسية لدفع عملية السلام، ودعم المؤسسات الفلسطينية.
إن لمصر دورًا تاريخيًّا ملهمًا فى دعم القضية الفلسطينية فماذا عن تقييم فضيلتكم لهذا الدور؟ وهل يمكن أن يكون له تأثير إيجابى على تطور هذه القضية؟
الدور المصرى فى دعم القضية الفلسطينية هو دور تاريخى ومهم دون شك، فمصر كانت ولا تزال من أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية، بداية من دعمها لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها فى عام 1964، ومشاركة مصر فى حرب أكتوبر 1973، التى كانت بمثابة نقطة تحول فى القضية الفلسطينية، ومرورًا بجهود مصر المتواصلة لدفع عملية السلام بما فى ذلك المبادرة المصرية للسلام عام 2008، وختامًا بجهودها الحالية الرامية إلى إيقاف الحرب فى غزة وإدخال المساعدات الإنسانية واستقبال الجرحى للعلاج بالمستشفيات المصرية، وهنا يجب أن نذكر الموقف الهام لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى أعلن بحسم رفض مصر لتهجير الشعب الفلسطينى من أراضيه.
ومصر كدولة إقليمية كبرى لها نفوذ كبير فى المنطقة، ولديها علاقات وثيقة مع العالم العربى والإسلامي؛ ومن ثم فإن الدور المصرى فى دعم القضية الفلسطينية هو دور ضرورى ومهم، ويمكن أن يكون له تأثير إيجابى على تطور هذه القضية.
مع انتشار النزاعات والحروب، وما خلَّفته من أزمات اقتصادية طاحنة يشعر الجميع بآثارها، كيف ترى أهمية تعزيز التعاون الإسلامى والعمل معًا من أجل معالجة التحديات المشتركة وعلى رأسها التحديات المتعلقة بالاقتصاد والمناخ والنزاعات؟
التعاون الإسلامى والعمل معًا من أجل معالجة التحديات المشتركة هو أمر بالغ الأهمية، خاصة فى ظل انتشار النزاعات والحروب وما خلَّفته من أزمات اقتصادية متتالية، ولدى الدول الإسلامية تحديات مشتركة فى هذا الشأن لذا يمكن للتعاون الإسلامى أن يساعد فى تخفيف هذه التحديات، من خلال تبادل الخبرات والتكنولوجيا، وتنسيق السياسات، وتوفير الدعم المالى.
كما يمكن أيضًا أن يعزز التعاون السلام والاستقرار فى المنطقة، من خلال الحوار لحل النزاع وتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية من خلال تبادل الخبرات والتكنولوجيا، وتطوير آليات التعاون الإسلامى.
تحدثتم عن تطوير آليات التعاون الإسلامى.. ونحن نعلم أن لديكم باعًا طويلًا فى محاولات تطوير هذا التعاون من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، فإلى أين وصلتم؟
أنشأنا الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم عام 2015، لتكون منظمة دولية جامعة لكافة دور ومؤسسات الإفتاء فى العالم، تعمل على تعزيز التعاون من خلال عقد المؤتمرات والندوات والورش التدريبية، وتبادل الخبرات والدراسات البحثية، والتنسيق فى إصدار الفتاوى، وتبنِّى خطاب إفتائى رصين من خلال توحيد مناهج الإفتاء فى العالم عبر وضع معايير وقواعد وتدريب المفتين عليها.
وتساهم الأمانة العامة فى نشر الثقافة الإسلامية الوسطية من خلال إصدار المطبوعات والوسائل الإعلامية، وتنظيم البرامج التدريبية والمحاضرات، كما تعتمد أحدث الآليات والطرق فى إيصال رسالتها. ومن أجل ذلك أنشأت العديد من المراكز البحثية وتطبيقات الهاتف المحمول والمواقع الإلكترونية، وقد حققت الأمانة العامة العديد من الإنجازات منذ نشأتها حتى الآن من أهمها عقد ثمانية مؤتمرات عالمية ناقشت أهم القضايا الإفتائية الملحة وشارك فيها ممثلون من مختلف الدول، كما استطاعت أن تضم فى عضويتها أكثر من 90 دولة حتى الآن. وتهدف الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم إلى أن تكون مرجعًا عالميًّا فى مجال الإفتاء، وتحقق التعاون والتنسيق بين المفتين وبين الدول الأعضاء فيها من أجل ضبط إيقاع الفتوى، وأن تسهم فى نشر الثقافة الإسلامية الوسطية.
فى ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، وما نتج عنها من تحديات أخلاقية واجتماعية، كيف يمكن للمسلمين التعامل مع هذه التحديات من منظور إسلامي؟
القيم والأخلاق الإسلامية هى الإطار الذى يمكن للمسلمين من خلاله التعامل مع التحديات الأخلاقية والاجتماعية الناتجة عن التطورات التكنولوجية، وطبيعة المستجدات العلمية والتكنولوجية التى فرضت نفسها فى هذا العصر، خلفت المزيد من التحديات الفكرية والاجتماع والأخلاقية، وتفرض بعض المفاهيم المعاصرة التى لا تنظر إلى الدين والأخلاق بعين الاعتبار، وقد تكون بعضُ مجالات التنمية كالذكاء الاصطناعى وغيرِه من نوافذ المعرفة بابًا لإشاعة تلك المفاهيم التى تضرب بالمنظور الأخلاقى عُرض الحائط، وهو ما يجعل العمل التنموى قاصرًا على الجانب المادى، دون التفات إلى الجوانب التى تغذى روح الإنسان، وتجعل لحياته غاية ومقصدًا فيسمو بأفعاله وتصرفاته، حتى تحقق مقصد وجوده فى هذا الكون، وهو ما يتطلب من العلماء أن يقوموا بدَورهم فى الاجتهاد والتأصيل الشرعى لمواجهة تلك التحديات، ومن ثم يجب على المسلمين الدعوة إلى الاستخدام الأخلاقى للتقنيات الحديثة، وذلك من خلال برامج التوعية والتعليم، وذلك لأن الدعوة إلى الاستخدام الأخلاقى للتقنيات الحديثة يمكن أن تساعد فى الحد من التحديات الأخلاقية والاجتماعية الناتجة عن هذه التقنيات.