مجازر لا تتوقف يقوم بها الاحتلال الإسرائيلى فى غزة، أدت بطبيعة الحال إلى ضريبة سياسية تدفعها إسرائيل على المدى البعيد، منها تراجع ما يمكن تسميته مكاسب دبلوماسية فى القارة السمراء التى سعت لسنوات للتغلغل فيها واستمالة حكوماتها، ومع تزايد العنف الإسرائيلى استدعت كلا من جنوب أفريقيا وتشاد سفرائما من تل أبيب، بل وقدم رئيس جنوب أفريقا شكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية لإجراء تحقيق، ما دفع إسرائيل لاستدعاء سفيرها لدى جنوب أفريقيا للتشاور.
ليس ذلك فحسب بل سيصوت برلمان جنوب أفريقيا على إغلاق السفارة الإسرائيلية وقطع جميع العلاقات مع إسرائيل حتى تنفيذ وقف إطلاق النار فى غزة، وقال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا فى وقت سابق أن بلاده تعتقد أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب وإبادة جماعية فى غزة، حيث قتل آلاف الفلسطينيين.
ويحظى الاقتراح الذى قدمه حزب "المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية" اليسارى المعارض بدعم حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى الحاكم وأحزاب أصغر أخرى.
وأعلنت جنوب أفريقيا الأسبوع الماضى أنها أحالت ما وصفته بـ"الإبادة الجماعية" التى ترتكبها إسرائيل فى غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية لإجراء تحقيق فيها، ودعت حكومتها المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.
كما طرحت جمهورية جنوب أفريقيا خطتها الخاصة لتسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وقدمها وزير خارجية البلاد ناليدى باندور خلال خطاب ألقاه أمام برلمان البلاد.
وقال باندورا: "يجب علينا الدعوة للقيام بإجراءات ملموسة لوضع حد للمعاناة، أولا وقف فورى وشامل لإطلاق النار، ثانيا فتح الممرات الإنسانية للمساعدات".
وبالإضافة إلى ذلك، أكد وزير خارجية جنوب أفريقيا على ضرورة قيام أطراف النزاع بضبط النفس والإفراج عن جميع السجناء المدنيين.وفقا لباندورا، يجب إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، ويجب على فلسطين وإسرائيل استئناف الحوار.كما أكد على ضرورة نشر قوة الرد السريع التابعة للأمم المتحدة فى فلسطين لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار وحماية المدنيين.
جنوب أفريقيا ليست الوحيدة، بل قامت الحكومة النيجرية، باجراء ضد جمهورية التشيك للتعبير عن رفض موقفها الداعم للحرب، ووفق وسائل إعلام، فإن أبوجا أخبرت رئيس وزراء التشيك بيتر فيالا، بأنها ألغت زيارته التى كان من المقرر أن يقوم بها إلى نيجيريا.
ولفتت إلى أن إلغاء الزيارة جاء ردا على رفض التشيك لمشروع القرار الخاص بوقف إطلاق النار فى غزة، الذى تم مناقشته فى الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الـ27 من أكتوبر الماضي.
تأتى موريتانيا التى قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل منذ عام 2009، حيث استمرت الأحزاب والحكومة الموريتانية فى دعم الحقوق الفلسطينية، فانها مع الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، أعلنت الأحزاب السياسية الموريتانية إطلاق حملة تبرعات واسعة دعمًا لسكان قطاع غزة وللتخفيف من معاناتهم.
فى الوقت الذى دعت فيه النقابات العمالية فى البلاد إلى الوقف الفورى لـ"العدوان الإسرائيلي" على غزة وفتح المعابر بشكل دائم لإدخال كافة الاحتياجات البشرية، كما أجرت قيادات من الفصائل لقاءات مع قادة أحزاب سياسية موريتانية من المعارضة والموالاة. ونظم العمال الموريتانيون مهرجانًا تضامنيًا فى دار الشباب القديمة؛ نصرة للفلسطينيين. ودعا العمال الموريتانيون -خلال الفعالية التى حضرها السفير الفلسطينى فى نواكشوط- إلى وقف العدوان الوحشى الذى يتعرض له الفلسطينيون.
أما فى السنغال، فقد طالبت الحملة السنغالية للدفاع عن القدس وفلسطين، المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق فى جرائم الحرب التى يرتكبها الاحتلال فى قطاع غزة. كما دعت تنزانيا إلى وقف أعمال الاقتتال من الطرفين والدعوة إلى السلام، وطالب الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى بالعودة إلى حل الدولتين وحل المشاكل عبر الحوار، حيث ترتبط بلاده بعلاقات متميزة مع إسرائيل، فى حين لم تبد إثيوبيا، الدولة صاحبة الارتباط الأقوى والتاريخى مع إسرائيل، أى موقف صريح من الحرب فى غزة.
وبحسب تقارير أمريكية، فقدت إسرائيل تدريجيا الدعم الذى تحظى به من بعض البلدان الأفريقية، ببسب العدوان على غزة، ووفقا لموقع "ريسبونسيبل ستيت كرافت" الأمريكى، رغم أنه يصعب التعميم بشأن الرأى العام الأفريقى، خاصة فى ظل غياب بيانات استطلاعات الرأى على مستوى القارة فيما يتعلق بحرب غزة، إلا أن ردود فعل الحكومات الأفريقية التى كانت منقسمة فى البداية على الحرب، تشير إلى أن معظم تلك الحكومات، والفصائل السياسية الأفريقية الرئيسية، وقطاعات كبيرة من الجماهير الأفريقية متعاطفة مع القضية الفلسطينية، وتشعر بالصدمة، إزاء الحملة العسكرية الإسرائيلية الحالية فى غزة.
ويقول الموقع الأمريكى، أنه رغم أن إسرائيل زادت فى العقود الأخيرة من وجودها الدبلوماسى فى القارة، إلا أن الحكومات الأفريقية عارضت جميعها تقريبًا القصف الإسرائيلى واجتياح القطاع المحاصر.
فعلى سبيل المثال، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى 23 أكتوبر الماضى، مقترحا أردنيا يدعو إلى «هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدى إلى وقف الحرب».. ويظهر التصويت، أن 35 دولة أفريقية (بما فى ذلك دول شمال أفريقيا) صوتت لصالح القرار، ولم تصوت أى دولة أفريقية ضد القرار.
ويقول الموقع الأمريكى، أن تلك الأصوات التى وقفت لصالح القرار، وتلك التى رفضت التصويت ضده، كانت بشكل صريح ضد الرغبات الأمريكية.
ليس هذا فحسب، بل أنه على المستوى الدبلوماسى، يواصل الاتحاد الأفريقى دعم حل الدولتين، وفى 15 أكتوبر الماضى، انضم إلى جامعة الدول العربية فى بيان يدعو إلى السلام ويندد بـ«العقاب الجماعي» - فى إشارة إلى الخسائر البشرية المرتفعة الناجمة عن القصف الإسرائيلى المتواصل على غزة.
وأعرب أحد الكتاب الكينيين عن أسفه لأن «حكومة الولايات المتحدة تبدو لامبالية إزاء الضحايا وعدد الوفيات الفلسطينيين، إضافة إلى أن وسائل الإعلام الغربية، أصبحت ناطقًا باسم الدعاية الأمريكية والإسرائيلية».وأكد الموقع الأمريكى، أن التضامن الأفريقى مع القضية الفلسطينية، الذى يحركه أحيانًا: العرق والدين والسياسة وغيرها، سيؤدى إلى تراجع بعض المكاسب الدبلوماسية لإسرائيل ويشكل تحديات طويلة المدى للنفوذ الدبلوماسى لواشنطن.