تدل كل الظواهر أن المصرى القديم كان يعتنى بتربية حيواناته، إذ فى الواقع كانت لها الأهمية الكبرى فى حياته، حتى أن الفرعون كان يعد سنين حكمه حسب التعداد الذى كان يعمل للحيوانات كل عامين.
الحيوان على النقوش المصرية القديمة
وعثر على ورقة لطب الحيوان من عهد الأسرة الثانية عشرة وهي فريدة في نوعها، غير أنها لسوء الحظ ممزقة، ولكن من البقية الباقية منها يمكننا أن نحكم بأن كل فلاح كان يهتم بحيوانه والأمراض التي تصيبه وطرق علاجه، ففي مقبرة "تي" لاحظ الراعي أن أحد العجول لم يكن في نشاطه المعتاد في شد حبله، ولذلك كتب الفنان أن الراعي يفحص ما الذي حدث لهذا العجل، كما أكد الدكتور سليم حسن في موسوعته مصر القديمة.
والظاهر أن طب معالجة الحيوان قد بلغ غاية عظيمة عند الأطباء البيطريين إذ لاحظ "كيفيه" عندما فحص بعض عظام مكسورة في الحيوانات التي تعيش في وادي النيل أن هذه العظام ضمت إلى بعضها بطريقة في منتهى ما يكون من الحذق والمهارة تدل على نبوغ المصري في جبر العظام المكسورة بطريقة عملية ليسهل للحيوان استعمال العضو الذي حدث فيه الكسر.
وعن صغار الحيوان، فكانت موضع عناية وحنان، إذ كانت تحمل على الأعناق أو فى حضن حاملة القرابين كما يلاحظ ذلك في رسوم مقابر الدولة القديمة، إذ نرى الغزال الصغير أو العجل محمولًا بين ذراعي حامل القرابين، كما نشاهد أميرات يلاطفن بأيديهن عصافير صغيرة قد سقطت من أوكارها، وأطفالًا يداعبونها كذلك.
المصري القديم يستخدم الحيوانات فى الزراعة
وقد كان الراعي يقود ماشيته إلى الحقل وهو ينشد لها الأغاني بحداء خاص، وقد كتب الفنان بعض هذه الأغاني التقليدية، والظاهر أن هذه الأغاني كان لها تأثير على البقرات وقت حلبها مما يزيد في مقدار اللبن الذي كانت تعطيه يوميًّا، إذ عملت تجارب لذلك في أمريكا فوجد أن البقرة تعطي 15% من اللبن زيادة على إنتاجها الطبيعي عندما تحلب والراعي يحدو لها بغناء يهدئ من أعصابها ويدخل عليها السرور. وكان الفلاح وهو يرعى ماشيته لا يكتفي بملاحظتها بل كان ينعت كلًّا منها بصفة تغلب عليها فكان يسمى "الذهبية" و"الجميلات" و"اللامعة" إلخ، كما ذكر الدكتور سليم حسن فى موسوعته مصر القديمة.
وعند اشتداد الخطوب في البلاد بسبب الثورات مما يسبب إهمال الحيوان وعدم العناية به يصف الكاتب هذه الحالة بقوله: "الحيوان يشكو مر الشكوى فقلبه يبكي أو ينتحب بسبب حالة البلاد"، وعندما يتناطح ثوران أو تشتبك قرونهما معًا كان الراعي يتدخل في الحال بينهما برفق.
ولما كان المصري يخاف ضياع حيوانه بين الحيوانات عند ورود الماء كما يخاف عليها من السرقة فإنه كان يعلمها بعلامة خاصة، بكيها في الغالب على الكتف أو على القرن وتوجد قرون كباش من نوع Ovis platyra مختومة على قرونها، وهي محفوظة بقسم الزراعة القديمة بمتحف فؤاد الأول الزراعى، وقد عثر على مناظر لهذه العملية كما عثر على حيوانات تحمل علامات خاصة.
ومنذ الدولة القديمة نجد أن الكهنة كانوا يختمون الحيوان، ومن المحتمل جدًّا أن هؤلاء الكهنة كانوا ينتخبون من بين الحيوانات ما يصلح للمعابد وما هو صالح للذبح، ويجب أن تكون هذه الحيوانات خالية من كل مرض أو تشويه مما يدنس لحمها، كما أكدت موسوعة مصر القديمة.
ويقول "هردوت" إنه على إثر موت أى عجل "أبيس" ترسل المعابد مفتشين عند مربي الحيوانات فيفحصون كل حيوان في حالتي وقوفه ورقاده على ظهره ثم يسحبون لسانه، ويرون إذا كان سليمًا وخاليًا من العلامات التي ذكرتها الكتب المقدسة، فإذا لم يجدوا في جسم الحيوان شعرة واحدة سوداء مما يجلعه مقبولًا في أعين الآلهة فإن الكهنة تعلمه بوضع حبل حول قرنيه مصنوع من ألياف نبات البردي ويضعون عليه طينة ويختمون عليها بخاتم خاص.