نعود لمشروع توشكى مرة أخرى، وبعد 3 شهور تقريبا منذ آخر زيارة، والتى فوجئنا وقتها باتصال هاتفى من الرئيس السيسى، يطمئن على الجولة وعلى سير مجرياتها، فقد كان متابعًا للآراء ووجهات النظر المطروحة بأكملها، وكأن الرئيس قرر وقتها أن نزور المشروع مرة أخرى، وفى وقت قريب للغاية، غير أن بين الزيارة والزيارة كان هناك واقع جديد على الأرض، فالأرض التى زرناها منذ شهرين، تختلف كليًا عن الأرض التى نراها الآن فى شهر نوفمبر 2023، وذلك لأن محطات رفع المياه العملاقة بدأت العمل، وبجهد ضخم وجبار من عاملين ومهندسين وفنيين، وأطقم عمل معاونة وخدمات ومسئولين وإداريين، تجعلهم فخورين بكل خطوة قدموها من أجل أسرتهم و من أجل وطنهم.
الرئيس السيسى فى زيارة لمشروع توشكي
عمال يعملون فى قلب الصحراء
دعنا نتذكر ما كتبته وقتها فقد كتبت تسجيلًا للزيارة الأولى، حيث ذكرت نصًا: «كنت أتساءل _ بكل صدق وأمانة_ لماذا يصر رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية، على أن نزور محطة الرفع التى تبعد عن محيط نقاط الزيارة بمسافة كبيرة، ومدة لا تقل عن ساعة ونصف فى الانتقال، لكنى تبينت السبب حينما وصلت، فالعمال والمهندسون يرغبون أن يراهم المصريين، ويريدون نقل تجربتهم لكل العالم، فهم فى قلب الصحراء وأمام ذلك المبنى العملاق الذى سينتهون منه قريبًا، وسيكون وسيلة أو محطة رفع ما بين الترعة وبين مساحة أخرى سيتم زراعتها تتعدى مساحتها عشرات الآلاف من محاصيل استراتيجية تساهم فى الاقتصاد القومى وتقلل الفاتورة الاستيرادية»، كان هذا هو السياق إذا حينها، فالعمال فى قلب الصحراء يعملون ويواصلون العمل، لا يقفون عند «بوست» و«كومنت» و«لايك» و«شير»، بل يقفون عند «الله ينور» و«تسلم إيديك» و«شد شوية» «وخلى بالك»، واصحى علشان «بنفنش الشغل»، تلك هى «السوشيال ميديا» الحقيقية والواقعية فى قلب توشكى العاملة بجهد وصبر وعزيمة شباب ورجال يعملون ليلا ونهارا.
الزميل زكى القاضى فى زيارة لمشروع توشكى
شكر وعرفان
مهندس مؤمن وجيه، من محافظة الإسكندرية ويعمل فى مشروع توشكى، يتذكر أن سيليا ابنته ذات الستة شهور، وقبلها سليم عمره عام ونصف، لم يشاركهم وقت التطعيم الإجبارى، لكن زوجته قامت بذلك لأنه كان متواجدًا فى العمل، لذلك يتقدم لزوجته بكل الشكر والتقدير والعرفان على ما تبذله من مجهود مضاعف من أجل الأسرة.
ويرى المهندس حجاج القاضى، من سكان حدائق الأهرام بالجيزة، ويعمل فى مشروع توشكى، أن كارما وتولاى ويحيى، سيدركون أن والدهم فعل شيئًا عظيمًا للبلد، وحينما يستطيع يحيى «4 سنوات» أن يناقشه فى يومًا من الأيام، سيخبره ماذا فعل والده فى عمله، وتلك الأيام التى تركها فيهم من أجل العمل، ومن أجل البلد، ويقينا سيعلم حينها أنهم يمتلكون والدا عظيما.
المهندس فادى عياد، ابن شبرا، خريج 2012، ترك مارسيلينو الذى لم يكمل عامه الثانى، لأنه يعلم أن عليه المشاركة فى ذلك المشروع القومى، فقد شارك قبله فى عدة مشروعات قومية كبيرة مثل الدلتا الجديدة، يقول المهندس فادى: «بصراحة أنا كنت فاكر إن توشكى حاجة أكبر من كدة قبل ما آجى، لكن طلع إننا بنبدأ فى مشروع كبير ومن جديد، ولازم كنا نبدأ فيه من زمان قوى».
المهندس عيد صبرة، يقول إنه يعتز بأسرته جدًا، فهو الآن جد لأحفاد، ويحلم أن يشاهدوا بلدًا متقدمة وأعظم، وفيها مشروعات قومية أكبر وأكبر، حتى يمكنهم العمل فيها، قائلا: «لو عاد الزمن لقمت بما أقوم به ولن أتغير»، يشاركه فى تلك الرؤى كل من أمجد عطا الله، وعمر موسى، اللذين غادرا مرحلة الشباب منذ فترة، لكن لديهما أسرهما، الأول يقطن فى مدينة نصر، والثانى فى الإسكندرية، يتذكرون جيدًا أن المشيب جعلهم مدركين بكل ثقة أنه لا طريق غير العمل لتحقيق أى مكتسب، وهم يقولون ذلك لأبنائهم، وكل من يتحدث معهم حول المشروعات القومية، وهم يعلمون أن زوجاتهم كانوا حائط الصد والسند لهم فى كل تحركاتهم، ولهم فضل كبير فى تربية أبنائهم والحفاظ عليهم.
أيضًا المهندس وليد الجيزاوى، وعبدالعظيم كامل، كانا يظنان أن توشكى بها مسارات موجودة بالفعل قبل 2010، لكنهم فوجئوا مثل غيرهم أن المشروع هو بمثابة مشروع جديد، ولذلك فهم يتحدثون بكل أمانة وصدق مع من يحدثهم، ومازالا يدركن أن طريق المعرفة كبير للغاية، ويحتاج مجهودا جبارا من كل المواطنين.
كل تلك الرسائل وغيرها، من آلاف العاملين والفنيين والمهندسين العاملين فى المشروعات القومية، وكذلك مشروع توشكى، يتأكد لنا أن الأسرة المصرية قادرة على نجاح الدولة المصرية، وأن ما يقدمه كل العاملين فى المشروعات، مجهود جبار ومقدر من الدولة والأسرة، وهو واجب دينى وإنسانى وقيمى، يجب أن يستمروا فيه، ويتأكدوا أن ما يفعلونه هو عمل عظيم للغاية، وآثره أعظم، وفائدته ستكون على بلد يعيشون فيها، ويعيش فيهم.
من الآباء للأبناء
لكل أبناء العاملين فى المشروعات القومية مهما اختلفت أسماؤهم ولهجتهم ومنطقتهم الجغرافية، هذه رسالة من الآباء والأشقاء العاملين فى المشروعات القومية فى توشكى، رسالة إلى مارك وجورج ومارسيلينو ومصطفى وتيا وسيليا، وآسر وسليم وكارما وتولاى ويحيى، وجونيسيا وتيا، وإسراء ومحمد وعبدالله، وعبدالمجيد، وياسر، وحسن، ومحمود، رسالة لكل أبناء الشعب المصرى، نحن موجودون، ومستمرون، ومؤمنون بما نفعل، وسنستكمل الطريق، لأن البلاد تقوم بالمشاريع التى نفعلها، ومحطة الرفع الضخمة فى قلب الصحراء، مشروع قومى عظيم، يشارك فيه عشرات الشركات المدنية، وآلاف العمال والمهندسين والعمالة غير المباشرة من وسائل نقل واعاشة، ولا تستغرب أن ترى سيارات النقل والسيارات الملاكى فى قلب الصحراء، فهؤلاء جميعهم يعملون ليل نهار للوصول لمعدلات تنفيذ غير مسبوقة، وتسليم المحطة فى وقت قريب للغاية، بل إن المفاجئ أيضا أن من بين المهندسين هناك تواجد للمرأة المصرية، وهو أمر جلل فى قلب المشروع الكبير المترامى الأطراف فى جنوب غرب مصر.
الزوجة المصرية قادرة على تحمل المسؤولية
وفى رسائل «اليوم السابع» من أرض توشكى، قررنا أن نذهب لسياق مباشر من العاملين بالمشروعات لأسرهم الموزعين على كل محافظات الجهورية تقريبا، وكانت كل الرسائل مختلفة فى الصياغات وطريقة الطرح، لكنها اتفقت جميعا على أن الزوجة المصرية الأصيلة قادرة على تحمل ظروف العمل، وطول الغياب، وهى السند الحقيقى للأسرة، وهى المباشرة لكل التفاصيل، وهى التى تقوم على شئون المنزل والأسرة، وكذلك المناسبات الاجتماعية، كما أن أبناءهم يجب أن يكونوا فخورين بما يقدمه أباؤهم، ولذلك فهذا موضوع لأسرة المهندس مينا مكرم، فى محافظة أسيوط، والحاج حسن أحمد غنيم فى قنا، والمهندس فادى عياد فى شبرا، والمهندس وليد الجيزاوى، وعبدالعظيم كامل، وعيد صبرة، وعمر موسى فى الإسكندرية، وأمجد عطا الله فى مدينة نصر، ومؤمن وجيه، وحجاج القاضى فى حدائق الأهرام، وتامر عبدالمجيد وكل الآباء والأشقاء والأزواج فى مشروعات توشكى، وكل مشروعات الدولة القومية، خاصة البعيدة جغرافيا.
مشروع توشكى قبل افتتاح المحطات الجديدة
جهد لله والوطن وللشعب المصرى
يؤكد العمال والمهندسون إن الجهد الذى يفعلونه هو جهد لله وللوطن فى المقام الأول، ولديهم شعور داخلى أن ما يفعلونه عظيم، وبالتالى هم ينفذون هذا المشروع ضمن مشروعات تتجاوز آلاف يعمل فيها زملاؤهم فى كل شبر على أرض مصر تقريبًا، وهذا ليس كلامًا إعلاميًا أو صحفيًا، بل هى الحقيقة التى عبر عنها الجميع، حتى وإن اختلفت لهجاتهم وكلمات التعبير.
يقول مينا مكرم ابن محافظة أسيوط، ووالد جونيسيا وتيا: «زوجتى شايلة البيت حرفيا»، وهى اللى بتابع كل التفاصيل، مؤكدًا أنه يفتح اليوتيوب والقنوات لكى يتحدث حول المشروع الذى يعمل فيه لزوجته وأبنائه، لكن الأمر يحتاج مجهودا أكبر من المصريين كى يدركوا أهمية مشروعات قومية مثل المشروع القومى فى توشكى.
حسن أحمد غنيم، صاحب شركة خاصة، يقول إنه يأتى للموقع يوميًا بأكثر من 200 عامل، من كل المناطق المجاورة، وبعض المحافظات أيضًا، ويوفر لهم سكن ومواصلات ووجبات ومخبز للعيش، وكل وسائل الاعاشة الممكنة، حتى يستطيع العامل أن يقدم أفضل ما لديه للشغل، ولدى حسن 5 أبناء أكبرهم إسراء فى الجامعة وأصغرهم آسر عمره 4 سنين، يقول إنه قرر أن يأتى بهم للمشروع، حتى يروا ما يفعله ويقدمه للبلد ولعمله أيضًا.
إحدى المحطات الجديدة بمشروع توشكى
وراء كل صورة قصة وبطولة
أثناء مشاهدتنا للفيلم التسجيلى فى المنصة، يمكنك الاستماع للأحاديث الجانبية بين المهندسين والعمال، وهم يتذكرون كل مشهد فيه، ويختلفون حول صورة فى الفيلم فيقول أحدهم: «أنا اللى كنت موجود وقتها .. ويقول الآخر أنت وقتها كنت فى الموقع التانى»، وهكذا فى كل تفصيلة حياة، فالفيلم معبر عن سياق العمل، لكنه لا يستطيع رصد كل تلك المعاناة والجهد المبذول للوصول لتلك المنشآت الجبارة فى قلب الصحراء، والتى تخدم الاقتصاد القومى المصرى.
النجاح مسؤولية مشتركة
يبقى سؤال جوهرى للغاية، ويتردد بين صفوف العمال هل يدرك المصريون التعب والجهد المبذول فى تلك المشروعات، الحقيقة أن الإجابة تسير فى مسارين هامين للغاية، أولهما أن المصريين لم يعتادوا على ذلك الكم فى المشروعات فى فترة واحدة، فبالتالى هم حديثو عهد بالتفاعل والمشاركة فى ذلك السياق، ثانيًا هم العاملون أنفسهم ورغبتهم فى أن يشعر المصريون بقيمة ما يفعلونه، وهى هنا رغبة فى القول إن مصر لديها، وشباب مصر لديهم، وشركات مصر قادرة للغاية، لذلك فعملية الادراك الكلية مسؤولية مشتركة، بين العاملين والمستقبلين، وبينهما وسائل النقل والتذكير مثل المسؤولين والإعلام ومؤسسات الدولة بأكملها.
كما أن مشروع توشكى تحديدًا كان يحتاج تدخلا من الرئيس السيسى نفسه فى عملية التبصير للمواطنين، فلم يترك الرئيس السيسى العقل الجمعى المصرى بدون إجابات، وتحدث بكل صراحة عن مشروع توشكى، قائلًا: «الكلام اللى كان زمايل لينا حلموا بيه من 20 سنة أو أكثر كان لينا نصيب إننا نحققه، وده معناه أى تخطيط بيتعمل؛ بيتم بناس متخصصة ومش معنى إنه موفقش من 20 أو 25 سنة، أن التخطيط غير مناسب، ربما عوامل أخرى منعت تنفيذه، واللى قالوا الكلام ده ساعتها مكانوش غلطانين والتخطيط جيد والأرض اتزرعت وبتنتج، وفى النهاية بالنسبة لحجم الأراضى دى بنتكلم فى مليون طن قمح يساوى كام وهما معمولين بنظم رى حديثة وحجم المياه المستخدم فيهم هو الحجم الأمثل للرى، عشان كل نقطة مياه نستفيد منها».
فى كل تفصيلة حكاية
فى طريق وصولنا للمشروعات القومية فى قلب توشكى، كانت هناك أعلام موضوعة فى جنبات الطريق، لتمييز الطريق للمارة، وهنا الشاهد أن هناك مجهودا بذله أشخاص لوضع تلك الأعلام وعلى مسافات لهداية السيارة، وبالتالى ففى كل تفصيلة حكاية وقصة، ففى الطريق الممهمد جهد وعمل، وفى أماكن الانتظار جهد وعمل، ووراء بناء سكن العمال، وبناء السور، يقف مئات العاملين الذين يظنون أن العالم لا يراهم، لكنهم فى الحقيقة رجال الظل فى المشروعات القومية، والقائمون على كل أمور التجهيز والمعاونة والخدمات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة