ترويج الأكاذيب وشيطنة الآخر وتضليل العالم، هو نهج الاحتلال الإسرائيلى على طول الخط، لكن الأمر أصبح موثقًا أكثر وأكثر بالصوت والصورة خلال الحرب الحالية على غزة التى دخلت يومها الـ49، وعلى مدار هذه الأيام الطويلة من نزيف الدم، لا آلة الحرب توقفت عن التدمير والتخريب وإزهاق الأروح البريئة، ولا كذب الكيان الصهيونى انتهي.
تجسدت آخر صيحات الأكاذيب الإسرائيلية، فى ترويج معلومات مضللة عن إنجاب أسيرة من إسرائيل لدى حماس طفلها فى قبو أسفل مستشفى الرنتيسى بقطاع غزة، وذلك فى محاولة لكسب تعاطف العالم، لكن شاءت الأقدار أن يتم تكذيب الرواية برمتها على صفحات وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها، لتضيف وصمة عار جديدة لمتاجرة الكيان الصهيونى بمعاناة المدنيين لتنفيذ خططه وأطماعه فى احتلال مزيد من الأراضى الفلسطينية المغتصبة، حتى وإن كان ذلك على حساب أرواح مواطنيه أو المهاجرين الذين قدموا إلى دولة الاحتلال لكسب العيش.
Special footage from the Rantisi hospital in Gaza - on the basement floor, a room was found with signs indicating hostages were held there, underground headquarters and a room full of weapons inside the hospital: pic.twitter.com/pDsyA1mT6T
— דובר צה״ל דניאל הגרי - Daniel Hagari (@IDFSpokesperson) November 13, 2023
العاملة التايلاندية ناتوارى مولكان أو (نوثارى "يو" مونكان)، كانت بطلة القصص الوهمية الإسرائيلية هذه المرة، حيث انتشرت قبل 10 أيام تقريبًا صور المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، العميد دانييل هاجاري، فى مستشفى الرنتيسي، المكان الذى قال إنه تم العثور فيه على زجاجة رضاعة وحفاضات طفل، ليخلق من رحم هذه الصور رواية "الولادة فى الأسر".
انتشرت الرواية الإسرائيلية حول إحدى المختطفات التى ولدت فى الأسر، ونسبت القصة إلى تقديرات الأجهزة الأمنية لهذه المعلومات، إضافة إلى مقطع الفيديو الخاص للمتحدث باسم جيش الاحتلال، ليس هذا فقط، بل دخلت على الخط سارة نتنياهو، التى أرسلت بعد أيام من بداية انتشار الرواية، رسالة إلى جيل بايدن، زوجة رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، لتناشدها بإيجاد حل لأزمة السيدة الحامل المختطفة.
دانيال هاجاري داخل قبو مستشفي الرنتيسي
فيديو متحدث الجيش الإسرائيلي يشير لحفاضات الأطفال
وكتبت سارة نتنياهو، فى رسالتها إلى جيل بايدن: "أكتب إليك أولاً وقبل كل شيء كأم.. إحدى النساء التى اختطفتها حماس وهى حامل، ووضعت طفلها فى أسر حماس، لا يمكنك إلا أن تتخيلى مثلى ما تمر به امرأة فى موقف حساس مثل الولادة عندما تكون محتجزة لدى هؤلاء ... حماس تحتجز طفلاً عمره بضعة أيام فقط".
رغم ترديد نتنياهو وإدارته للقصة الكاذبة، إلا أنه لم يكشف عن اسم المرأة التى أنجبت فى أسر حماس، لكن صورتها تسربت عبر الإنترنت وتداولت الصحف العالمية صورها وقصتها بتفاصيل مثيرة للشفقة، لكن القصة فى النهاية اتضح أنها كذبة كبيرة روج إليها الجيش الإسرائيلى لكسب مزيد من التعاطف.
سارة نتنياهو
المثير للدهشة هنا، أن مجلة "atmag" الإسرائيلية، هى التى فضحت أكاذيب نتنياهو وزوجته وحكومته، حيث تواصلت المجلة الإسرائيلية مع والدة الفتاة التايلاندية، منتصف هذا الأسبوع، وقالت بونيرارين سريشان من منزلها فى قرية صغيرة بتايلاند والتى كانت على اتصال وثيق بابنتها عبر الهاتف – فى حديثها لمجلة "AT" - "ابنتى لم تكن حاملاً ولم تنجب، وأنا أقول ذلك بثقة".
وتقول والدة الفتاة التايلاندية، إنها "علمت بحادث الاختطاف من والدة صديق ابنتها، وتلقت الرسالة من ابن عمها الذى يعيش فى إسرائيل"، وأضافت: "طلبت عدم نشر قصص لم يتم التحقق منها، الأمر الذى يزيد من وجع القلب الذى نعانى منه بالفعل".
تقرير المجلة الإسرائيلية
وأكدت رواية والدة "مولكان" وأصدقائها المقربين - حسب تقرير المجلة الإسرائيلية – أنها تبلغ من العمر 35 عامًا، وهى مطلقة وأم لطفلين ولدتهما فى تايلاند منذ فترة طويلة، وأنها قررت الاكتفاء بالطفلين وعدم الإنجاب مرة أخرى، وأوضحت الرواية أن ابنتها البالغة من العمر سبع سنوات تعيش مع والدتها فى تايلاند، بينما يعيش الابن الأصغر مع والده الذى طلقت منه.
واستطرد تقرير المجلة الإسرائيلية، بالإشارة إلى أنهم تواصلوا مع الأصدقاء والأشخاص الذين عملوا مع الفتاة الأسيرة، ومدير المصنع الذى كانت تعمل فيه، وأفراد عائلة صديقها بومتوم فانكوم، مؤكدًا أن الجميع يصرون على أنه من غير الممكن أن تكون حاملاً.
والدة نوثارى مونكان
نشأت مولكان فى قرية صغيرة بمقاطعة مدينة خون كاين فى تايلاند، قامت والدتها بتربيتها بمفردها بعد أن طُلقت من زوجها عندما كانت ابنتهما الوحيدة نوتارى صغيرة، وكانت الأسرة تكسب رزقها من زراعة الأرز، وفى مرحلة البلوغ عملت "مولكان" فى مزرعة العائلة، ونظرًا لوضعها المالى غير المستقر، اتخذت قرارًا بالسفر للعمل فى إسرائيل، لضمان مستقبل أفضل لأطفالها.
حصلت "مولكان" على وظيفتها كعامل زراعى فى شركة "إيجو كروبس" فى بيشة، منذ أربع سنوات وثلاثة أشهر، وكانت ترسل المال لعائلتها كل شهر، وبتواصل محررة المجلة الإسرائيلية مع مدير شركة إيجو، إيلى أبوتبول، قال إن "هناك ثلاثة عمال تايلانديين فى المصنع قد تم اختطافهم، وليس لديه علم عن عاملة حامل"، كما تواصلت المجلة مع المسؤول عن العمال التايلانديين، وهو من سكان كيبوتس نير أوز، وكان جوابه: أنه "ليس لديهم موظفة تايلاندية حامل".
العاملة التايلاندية وابنتها
العاملة التايلاندية وصديقها
فى السياق ذاته، أشارت المجلة الإسرائيلية إلى أن مركز اللاجئين والمهاجرين بالتعاون مع الخط الساخن للعمال ومنظمة مساعدة العمال الزراعيين، أصدر نداءً للصحفيين، قال فيه: "نرجو التوقف عن نشر شائعات لا أساس لها من الصحة حول "عاملة أجنبية أنجبت فى أسر حماس" فى كل مكان على مواقع التواصل الاجتماعى - إلى جانب ادعاءات لا أساس لها - عن اختطافها وهى فى مرحلة متقدمة من الحمل وإنجابها فى الأسر".
وأضاف البيان: "على مضض، أصبحت مولكان رمزا للقسوة التى لا يمكن تصورها لحماس والمعاناة الإنسانية الهائلة لجميع المختطفين.. كل هذا دون أى شهادة ولا دليل على الحمل أو الولادة"، وتابع: "نحن ندعوكم إلى التوقف.. إن نشر هذه الإشاعة يزيد من التوتر والرعب الذى يعانى منه أفراد عائلتها.. إن الواقع المعروف والمختبر مؤلم وصعب بما فيه الكفاية.. ليست هناك حاجة للمبالغة فيما هو موجود بالفعل".
نوثارى مونكان
واستطرد تقرير مجلة "atmag" الإسرائيلية، أنه بالتواصل مع المتحدثة باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية، قالت فى ردها: "نحن لا نناقش مسألة المختطفين.. يرجى الاتصال بالمتحدث باسم الجيش الإسرائيلى أو بالمتحدثة باسم الضمان الاجتماعى".
وتابع تقرير المجلة، بالإشارة إلى أن مقر علاج أهالى المختطفين والمفقودين رد عليهم: "لا نرد ولا نقدم أى معلومات حول الأمر"، بينما قالت المتحدثة باسم الضمان الاجتماعى بإسرائيل: إنه "بحسب علمهم لا يوجد مختطفة إسرائيلية أو أجنبية ولدت فى الأسر".
العاملة التايلاندية ناتوارى مولكان
ناتوارى مولكان لا يبدو عليها مظاهر الحمل
إضافة إلى هذا فإن وزارة الصحة في حكومة حماس، نددت بما اعتبرته "تمثيلية سمجة"، بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي أن لديه مؤشرات تظهر أن مقاتلي الحركة احتجزوا رهائن داخل مستشفى للأطفال في قطاع غزة، وفق ما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط"، عن وكالة الصحافة الفرنسية.
وردت وزارة الصحة في حكومة حماس، في بيان - آنذاك - مؤكدة أن ما عرضه الاحتلال حول مستشفى الرنتيسي للأطفال هو تمثيلية سمجة لا يوجد عليها دليل واحد يستحق الرد، وأضافت أن "الاحتلال اعتبر وجود حفاضات أطفال في مستشفى للأطفال وبه نازحون على أنها أدلة استثنائية، فأي استخفاف هذا بعقول الناس وعقول العالم".
وتابعت "مستشفى الرنتيسي تم إخلاؤه تحت فوهة الدبابات وبنادق الاحتلال، فلماذا لم يتم اعتقال أحد من المقاومين المزعومين أو المحتجزين المزعومين؟"، وأضافت حماس بأن "القبو الذي تحدث عنه ضابط الاحتلال الظاهر بالفيديو، موجود ضمن تصميم المستشفى ويضم الإدارة ومخازن المستشفى، وأصبح مكان إيواء للنازحين الهاربين من القصف للاحتماء به".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة