تعانى أمريكا اللاتينية من أزمة اقتصادية كبرى؛ لذا اتجهت بعض الدول إلى الدولرة، فى محاولة للخروج من مشاكل الاقتصاد، حيث إن الدولرة مفهوم مألوف للعديد من اقتصادات أمريكا اللاتينية، والتى تضمنت تغييرات فى السياسة النقدية، وتعتبر الإكوادور أولى الدول التى فرضت الدولرة والتخلى عن عملتها المحلية؛ بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، حيث اتجهت لإضفاء الطابع الرسمى على العملة الأمريكية فى يناير 2000، وتعتبر الارجنتين آخر دولة تلجأ إلى الدولار، فى محاولة إنقاذ البلاد من التدهور الاقتصادى الذى تعانى منه.
وبحثا عن حلول للتضخم المزمن، يقترح الرئيس الارجنتينى الجديد خافيير مايلى الاتجاه الى الدولرة، فقد أصبحت دولرة الاقتصاد وإغلاق البنك المركزي هي الخطط التي تجذب انتباه خافيير ميلي، مؤسس حزب لا ليبرتاد أفانزا اليميني المتطرف. وبهذه الإجراءات يعد بالقضاء على التضخم الذي تعاني منه الأرجنتين والذي يتجاوز 140% سنويا، حسبما قالت صحيفة انفوباى الأرجنتينية.
ومع ذلك، فإن المناقشات حول ما إذا كانت الدولرة مناسبة أم لا في دولة نامية مثل الأرجنتين تنعكس في جميع أنحاء العالم، حيث يرى المدافعون عنها كخيار للتخفيف من المشاكل الاقتصادية، ولكن أيضًا المنتقدين الذين يؤكدون أن الدول تخسر في غياب سيادة العملة الوطنية.
وفي أمريكا اللاتينية، قامت الإكوادور والسلفادور فقط باستبدال عملتيهما الوطنيتين بالدولار الأمريكي. تستخدم بنما عملتها الوطنية، ولكن فقط في المعاملات الصغيرة وتستخدم الدولار في التحركات الاقتصادية الكبيرة.
ووفقاً لخورخي جونزاليس إزكويردو، أستاذ الاقتصاد في جامعة ديل باسيفيكو ، ببيرو ، فإن تحويل اقتصاد ما إلى دولرة يتطلب أن تقوم الدولة بشراء كل العملة الوطنية المتداولة وإصدار الدولارات، وإذا كان الأمر كذلك، فإن أي دولة يجب أن تمتلك عموداً فقرياً ضخماً للغاية من الاحتياطيات الدولية، وإلا كان لزاماً عليها أن تطلب من وزارة الخارجية الأمريكية توفير السيولة المفقودة، أو استثمار رأس المال من الخارج أو إصدار السندات ، والدخول في الديون.
وعن إمكانية القضاء على مشاكل كبيرة كالتضخم، أكد الخبير أن امتلاك الدولار لا يحررك من تلك الأمور، بسبب الاعتماد الذي يتطور على العملة الأمريكية التي تعاني من آثار التضخم والبطالة.
ويتخيل خافيير مايلي، الليبرالي المتطرف الذي سيتولى رئاسة الأرجنتين اعتباراً من العاشر من ديسمبر ، دولة حيث العملة الرسمية هي الدولار ومن دون بنك مركزي، كوسيلة لدرء التضخم المزمن.
هناك عدة دول في أمريكا اللاتينية اتجهت رسميا أو فعليا إلى الدولار، بعضها بحثا عن حل الظواهر التضخمية المفرطة -أو تقريبا-، وفي كل الأحوال على أمل تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي الذي لم توفره عملاتها المعدنية.
الاكوادور
واعتمدت الإكوادور، التي يبلغ عدد سكانها 17 مليون نسمة، الدولار في مارس 2000 سعيا للخروج من أزمة مصرفية عميقة جلبت لها خسائر بلغت 5 مليارات دولار وأدت إلى إفلاس آلاف الأشخاص. وهدد ارتفاع الأسعار بالتحول إلى تضخم مفرط، وبالتالي تعتبر الاكوادور اول دولة تضفى الطابع الرسمي على الدولار كعملة في البلاد، في الوقت الذى تعتبر بنما اول دولة تستخدمها منذ 1903.
ومن الناحية العملية، جاء التحول من السوكر إلى الدولار بعد عطلة مصرفية تضاف إلى التجميد المؤقت لـ 50% من الودائع، في سياق الأزمة المالية.
وبفضل هذه الآلية، حققت الإكوادور مستويات تضخم منخفضة، حتى مع فترات الانكماش، وبالنسبة لعام 2023، من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم السنوي 3.10%.
بالنسبة للإكوادوريين العاديين، كان التأثير متفاوتا، حيث قالت جوزفينا أربوليدا (70 عاما) إن الدولرة "دمرت حياتهم لأن كل شيء أصبح أكثر تكلفة"، مضيفة "تضاعفت الأسعار من يوم إلى آخر وفقدنا القدرة على قياس قيمة المال.
السلفادور
وفي يناير 2001، قامت السلفادور، التي يبلغ عدد سكانها 6.3 مليون نسمة، باستبدال الكولون بالدولار. وكانت حكومة فرانسيسكو فلوريس (1999-2004) تسعى إلى جعل البلاد أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي والحد من مخاطر انخفاض قيمة العملة.
وقال الخبير الاقتصادي المستقل سيزار فيلالونا "كان للدولرة آثارها السلبية. فقد زادت تكاليف المعيشة. وعندما دخل الدولار، ارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، وأولئك الذين يواصلون دفع ثمن هذا الوضع هم الأكثر فقرا. ليس لدينا سياسة نقدية، لأننا نعتمد "حول ما تفعله الولايات المتحدة بهذه العملة".
وفي عام 2021، اعترفت السلفادور أيضًا بالبيتكوين كعملة قانونية.
وبلغ معدل التضخم في تلك الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى 7.32% في عام 2022، ومن المتوقع أن يصل إلى 3.3% في عام 2023.
بنما
بنما هي إحدى دول أمريكا اللاتينية حيث يتم تداول الدولار كعملة رسمية لأطول فترة، على قدم المساواة مع بالبوا، العملة المحلية.
تم استخدام الدولار منذ عام 1904، بعد وقت قصير من استقلال البلاد عن كولومبيا واقترابها من الولايات المتحدة لبناء قناة بنما، التي كانت تحت السيطرة البنمية فقط منذ عام 1999.
وتسجل بنما، التي يبلغ عدد سكانها 4.2 مليون نسمة، مستويات تضخم أقل من 3% سنويا.
فنزويلا
وتشهد فنزويلا دولرة غير رسمية منذ نهاية عام 2018، عندما خففت الحكومة ضوابط الصرف الصارمة كصمام للهروب من الأزمة الحادة.
بحلول ذلك الوقت، كان هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 28 مليون نسمة يمر بعامه الأول من التضخم المفرط، مع نقص في العملة المحلية، البوليفار.
وقال المحلل الاقتصادي هينكل جارسيا من ألبوسداتا أن "هناك مجموعة من العوامل العامة التي لها علاقة بالدولرة الفعلية. من الناحية الهيكلية، كان التضخم مرتفعا، ولكن كانت هناك أيضا دوافع أخرى مثل أزمة الكهرباء". وبدون كهرباء، توقفت نقاط الدفع بالبطاقات عن العمل، ونظراً لنقص البوليفار نقداً، كان الدولار هو البديل الطبيعي.
أدت الخسارة الحادة في قيمة البوليفار إلى جعل كميات كبيرة من النقد ضرورية لدفع ثمن السلع والخدمات.
وبعد أربع سنوات، خرجت البلاد من التضخم الجامح، لكنها لا تزال تسجل واحدة من أعلى المعدلات في العالم. وحتى سبتمبر ، بلغ معدل التضخم السنوي 317%، وفقاً للبنك المركزي.
ومن المفارقة أن الدولار، رمز "الإمبريالية الأمريكية" و"عدو الثورة"، أصبح العملة "الأكثر تداولا" وفقا لخبراء اقتصاديين.
رأى الخبراء
من ناحية أخرى، يرى الخبراء أن للدولرة مساوئ أيضا وأضرارا، منها فقدان الدولة سيادتها النقدية، أى أن بنكها الوطنى لم يعد يتحكم فى العملة التى يتم تداولها فى أراضيها، وتأتى هذه القوة من واشنطن، أى البنك المركزى الأمريكى، وهذا يولد اختلال فى ميزان المدفوعات تؤدى إلى نشوء ديون خارجية.