يستعد العالم للمشاركة فى قمة الامارات للمناخ المزمع انعقادها نهاية الشهر الحالى وتمتد ليوم 12 ديسمبر، والكل يعد العده من أجل المطالبة بالعدالة المناخية ودفع فاتورة الأضرار بالبيئة، وبحث تفعيل صندوق الخسائر والأضرار والتمويل من أجل التكيف، بالتوازى مع ذلك تشتد الأزمة الفلسطينية فى غزة.
بعد مرور أكثر من 50 عاما من الحرب والدمار شهدتها الأراضي الفلسطينية، استهدفت المدنيين والموارد الطبيعية والبيئة في فلسطين، أدت إلى تدهور كافة الموارد وسلب الفلسطينيين الحق في الحياة والتنمية واستثمار ثرواتها الطبيعية، وسط كل ما تشهده فلسطين من حروب تحصد الأرواح.
اليد الملوثة بالدماء البشرية تشير بأصابع الاتهام الى إسرائيل المحتلة وجيوشها سببا، وراء العديد من الكوارث البيئية، نتيجة لاستخدام أجهزة الدمار الشامل التي تهدد البنية التحتية وسلامة المدنين.
ولعل أقل ما أسفرت عنه الحرب شبه اليومية على الفلسطينيين نجم عنها مخلفات ونفايات خطرة تؤدي إلى تسريب تلك المواد الخطرة والملوثات الى التربة والمياه والهواء، إضافة الى وجود جثث كثيرة تحت الأنقاض لم يتمكن ذويها من اخراجهم، الأمر الذي ينذر بانتشار الأوبئة والأمراض.
المشهد على مدار أكثر من خمسين عاما يكرر نفسه يوميا، وهو الأمر الذى دفع العديد من الجهات المعنية بملف حقوق الإنسان والحقوق البيئية، التي ينتهجها الجيش المحتل على مرأى ومسمع صانعي المواثيق والمعاهدات الدولية، التي داستها إسرائيل بقلب بارد وحالة استعلاء على المجتمع الدولى، يستقوى بأمريكا كأحد القوى العظمى في العالم.
المصادفة الأليمة أنه فى يوم 6 نوفمبر احتفل العالم كعادتهم باليوم العالمى لمنع استغلال البيئة فى الحروب والصراعات العسكرية، وتشدقوا بما يحدث من ضرب الاحتلال الإسرائيل عرض الحائط بكل القوانين والشعارات الدولية التى أصدرتها الأمم المتحدة فى شأن البيئة.
عدم الاستقرار نتيجة الحروب
بالتوازى مع انعقاد قمة المناخ بالامارات تعرض بعض الدول فى المنطقة العربية، ومنها سوريا وفلسطين وليبيا والسودان، لعدم الاستقرار نتيجة الحروب والنزاعات والتدخلات العسكرية، وهو ما أكده دكتور يوسف نورى، أحد نشطاء البيئة فى تونس فى تصريحات خاصة لليوم السابع، على هامش مشاركته فى الحوار الاقليمى الذى استضافته وزارة البيئة بداية هذا الشهر.
وأشار قائلا:" إن البيئة العربية اصيبت بتدهور خطير بسبب الحروب إضافة إلى آثار تغير المناخ وهو ما لا بد أن يطرح بقوة أمام مؤتمر المناخ المقبل بالامارات من خلال ممثلى الشعوب العربية من المنظمات الأهلية والحقوقية.
فيما قالت مارى تيريز أحد نشطاء البيئة فى لبنان:" أن زيادة أعداد اللاجئين والهجرة للدول المجاورة نتيجة الحروب والصراعات العسكرية، ساهمت أيضا فى حدوث خلل بيئى، إضافة إلى تدهور الموارد الطبيعية، واعطت مثالا لما يحدث فى بلدها الصغير الذى يتواجد على أرضه لاجئون من فلسطين وسوريا، الأمر الذى أثر بشكل مباشر على نفاذ المياه الجوفية وتلوثها، كما أضر بالرى والمحاصيل الغذائية.
تطرقت أيضا مناقشات الحوار الاقليمى الذى استضافته وزارة البيئة، إلى التهديدات الإسرائيلية بضرب غزة بالسلاح النووى، وهو ما لا بد من إثباته من خلال مؤتمر المناخ المقبل، وعرضه أمام المحاكم الدولية.
وضع خطة لدعم غزة
ناقش المشاركون أيضا أهمية وضع خطة لدعم غزة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية، حيث أشار دكتور رأفت ميساق مركز بحوث الصحراء، أنه توجود هيئة لتقدير التعويضات تابعة للأمم المتحدة، وهى تدعم الدول والمناطق التى تعرضت للكوراث، وهدم البنية التحتية بسبب الحروب، لدعم غزة ماديا، مؤكدا أن تلك الهيئة بعد حرب الخليج الثانية عوضت دولة الكويت بمبلغ 3 مليارات دولار، مطالبا بضرورة تشكيل لجنة متخصصة من الخبراء فى جميع التخصصات، من أجل رصد الخسائر التى أصابت قطاع غزة للمطالبة بالتعويضات الملائمة.
فيما أشارت احد التقارير التي تم مناقشتها في جنيف حول أثر الاحتلال على البيئة والموارد الطبيعية، إن سياسة إسرائيل المسؤولة عن الاستيلاء على الموارد الطبيعية الفلسطينية وإهمال البيئة في فلسطين، وسلبهم مواردهم الحيوية، مؤكدا تدهور إمدادات المياه الخاصة بهم، واستغلال مواردهم الطبيعية وتشويه بيئتهم، وأن نهج إسرائيل تجاه الموارد الطبيعية في الأرض الفلسطينية المحتلة استخدامها وكأنها ملكا لها، وأنه أصبح الماء رمزا قويا للانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، حيث انه مع انهيار الموارد الطبيعية لمياه الشرب في غزة وعدم قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى مواردهم الخاصة في الضفة الغربية هو انتهاك صريح لحقهم في الحياة.
واعتبارا من عام 2017 أصبح هناك أكثر من 96% من المياه الجوفية الساحلية في غزة،غير صالحة للاستخدام الآدمي، بسبب التلوث بمياه الصرف الصحي ومياه البحر، والحروب غير المتكافئة شلت البنية الأساسية في غزة بشح شبه مستمر للكهرباء، إضافة إلى ان الثروة الطبيعية والمعدنية من البحر الميت، يتم استغلالها من قبل إسرائيل ويتم حرمان الفلسطينيين منها، معربا عن قلقه بإلقاء إسرائيل المواد الخطرة في مناطق بالضفة الغربية.
فيما طالب المشاركون في المؤتمرات البيئية بضرورة توجيه تهمة الإبادة البيئية من قبل المحاكم الدولية لإسرائيل، والتي تشمل هجماتهم على المنشآت الصناعية، والتي ينجم عنها تلوث إمدادات المياه الجوفية والممرات الهوائية، وخاصة مع توغلها في القصف المتعمد لملاجئ الحياة البرية، الأمر الذي يضر بالنظم البيئية.
الفسفور الأبيض
وفى السياق ذاته اكد الدكتور حسين أباظة، كبير مستشاري وزارة البيئة والخبير الدولي في مجال التنمية المستدامة، لـ اليوم السابع"، أن إسرائيل تستخدم مواد خطرة محظورة دوليا مثل الفسفور الأبيض الذي اعتاد الجيش الإسرائيلي استخدامه في المناطق المأهولة بالسكان، وهو أحد المواد المحرمة دوليا في الحروب وفقا للمادة الثالثة من اتفاقية لاهاي، الأمر الذى يعرض المدنيين للمخاطر البيولوجية.
مؤكدا أن الاحتلال الإسرائيلي ينتهك كل القوانين والمواثيق الدولية الخاصة بحماية البيئة، كما انه يساهم بشكل كبير في انتشار تلوث الهواء من خلال استخدامهم أسلحة الدمار الشامل، التي يتم تحريمها دوليا، حيث يستخدمون الأسلحة الكيميائية والمشعة والفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، وهو الأمر الذى يترتب عليه تسرب المواد الخطرة، والملوثات العضوية الخطرة إلى التربة والمياه والهواء.
تراكم مخلفات الهدم والبناء والمخلفات الخطرة
المشهد في شوارع فلسطين الذي يراه الجميع هو تراكم مخلفات الهدم والبناء والمخلفات الخطرة في الساحات والشوارع والأزقة دون معالجة، إضافة الى ان القصف يؤدي الى تدمير البنية التحتية، من شبكات المياه وشبكات المياه العادمة، واختلاط المياه العادمة، ومياه الشرب، الأمر الذى ينذر بحدوث وانتشار الأوبئة والأمراض في قطاع غزة.
تتسب القذائف التي يلقيها الجيش المحتل إلى هدم البيوت والمنازل، وتراكم الجثث تحت الأنقاض، وتعثر استخراجهم، لان هذه القذائف تؤدى إلى تدمير الكائنات الحية والحروق الشديدة وإذابة الجلد واللحم وصولا إلى العظام واحتراق القصبات الهوائية والرئتين، الأمر الذى ينذر بانتشار الأوبئة والامراض، حيث تكمن الخطورة في تحلل الجثث، وما يرافقها من انتشار الملوثات الميكروبية الناجمة عن التحلل، إضافة إلى ترسيب الفسفور في التربة، والمياه الجوفية وبالتالي تلوث المياه الجوفية بالفسفور.
جدير بالذكر أن قطع الكهرباء عن قطاع غزة يؤدي إلى تعطيل عمل محطات معالجة المياه، ووحدات تحلية مياه الشرب، والمعدات اللازمة لنقل المياه إلى السكان في العديد من المناطق في قطاع غزه، وتدهور الأوضاع البيئية والصحية ومنع انتشار الأوبئة والأمراض.