يواجه الرئيس الأمريكى جو بايدن أكبر أزمة دبلوماسية خلال سنواته القصيرة فى البيت الأبيض، حيث تمثل حرب غزة التى جاءت بالتزامن مع استعداده لحمله إعادة ترشحه لولاية ثانية تحديا كبيرا بعد أن تسببت فى انقسام واضح فى البيت الأبيض وداخل حزبه الديمقراطى بين مؤيد ومعارض لسياسة الرئيس الأمريكى الداعمة لإسرائيل دون اعتبار للضحايا المدنيين فى القطاع المحاصر والأزمة الإنسانية المستمرة منذ قرابة الشهرين.
كشفت صحيفة واشنطن بوست، أن مجموعة من 20 موظف بالبيت الأبيض اجتمعوا مع الرئيس الأمريكى جو بايدن مع دخول حرب غزة اسبوعها السادس ساعين لمعرفة استراتيجية الإدارة للحد من عدد القتلى المدنيين بشأن الصراع ورؤيتها لما بعد الحرب فى المنطقة.
وقال مسؤول فى البيت الأبيض، إن بعض المشاركين شعروا أنهم تراجعوا عن نقاط الحديث المألوفة، وقال المستشارون أن الإدارة يجب أن تكون حريصة على عدم انتقاد إسرائيل علنًا حتى تتمكن من التأثير على قادتها سرًا. وكان المسؤولون الأمريكيون يضغطون على إسرائيل لتقليل الخسائر فى صفوف المدنيين. وكان الرئيس وكبار مساعديه يدعون إلى حل الدولتين بمجرد انتهاء الصراع.
يسلط اجتماع المسؤولين الذى لم يتم الإبلاغ عنه سابقًا الضوء على كيفية تعامل بايدن مع ما يمكن القول إنها "أكبر أزمة فى السياسة الخارجية خلال رئاسته"، ما أدى إلى تقسيم البيت الأبيض حيث تسببت حرب غزة فى صدوع داخل الإدارة الأمريكية وازعجت العديد من المسئولين والحلفاء داخل البيت الأبيض وخارجه بين مؤيد ومعارض لتعامل بايدن مع الأزمة.
وقال مساعدون، إنه ما يزيد من الحساسية أن الاحتضان الثابت لإسرائيل والذى يجده العديد من الموظفين مزعجًا ينبع فى جزء كبير منه من ارتباط بايدن الشخصى مدى الحياة بالدولة اليهودية. وكثيرًا ما يستشهد بايدن بلقائه مع رئيسة الوزراء جولدا مائيرعام 1973 باعتباره حدثًا بالغ الأهمية بلور وجهة نظره بشأن إسرائيل باعتبارها حاسمة لبقاء اليهود.
وفقا للتقرير، الانقسام داخل البيت الأبيض هو بين مساعدى بايدن القدامى والموظفين الأصغر سنا من خلفيات متنوعة، وقال كبار المسئولين أن الصراع أضر بمكانة أمريكا العالمية، الا أن احد مساعدى بايدن أشار إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكى العلنية أصبحت مباشرة حول مسئولية إسرائيل عن تقليل الخسائر فى صفوف المدنيين وإدخال المساعدات للقطاع المحاصر على الرغم من رفضه الدعوة لوقف اطلاق النار.
ذكرت واشنطن بوست أن بايدن لم يعطى الأولوية للقضية الفلسطينية فى سياسته الخارجية خلال معظم فترة رئاسته حيث اعطى الأولوية لقضايا مثل الصين والحرب الروسية الأوكرانية، وخلص بعد رؤيته لفشل الرؤساء السابقون إلى أن السلام لن يتحقق فى المنطقة وخلص إلى أن السلام فى المنطقة لن يتحقق الا بالتزام القادة من المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.
جهد أفضل
قالت صحيفة "واشنطن بوست"، إن الرئيس الأميركى جو بايدن قدم اعتذارًا، لعدد من القادة المسلمين الأمريكيين البارزين فى اجتماع عقد نهاية أكتوبر الماضى، بعد أن شكك علنًا فى دقة أعداد الضحايا الذين سقطوا جراء الحرب التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
وأشارت الصحيفة فى تقريرها عن انقسامات البيت الأبيض بشأن السياسة الأميركية تجاه الحرب، إلى أن بايدن يبدو فى بعض الأحيان، وكأنه يعانى صراعًا عاطفيًا فيما يتعلق بالحرب.
وخلال مؤتمر فى 25 أكتوبر الماضى، شكك بايدن علنًا فى أعداد الخسائر البشرية فى غزة، التى أعلنتها وزارة الصحة فى القطاع عندما أعلنت أن غارة جوية على مستشفى المعمداني تسببت فى استشهاد 800 شخص، وقال الرئيس الأمريكى حينها: "ليس لدى أدنى فكرة أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة بشأن عدد الضحايا.. أنا متأكد أن أبرياء قتلوا وهذا ثمن الحرب"
وقالت الصحيفة الأمريكية، إن بايدن التقى فى اليوم التالى لتصريحاته، مع خمس شخصيات أميركية مسلمة بارزة، اعترضوا على ما اعتبروه عدم اكتراث بايدن تجاه المدنيين الذين يسقطون فى غزة.وأضافت أن بايدن يبدو أنه تأثر بروايتهم، إذ قال للمجموعة: "أنا آسف. أشعر بخيبة أمل فى نفسي. سأبذل جهدًا أفضل.
وانتهى الاجتماع، الذى كان من المقرر أن يستمر لمدة 30 دقيقة، بعد أكثر من ساعة، وشهد احتضان بايدن لأحد المشاركين، وفقًا لأحد مسؤولى البيت الأبيض.
بايدن ونتنياهو
ويشعر البعض فى دائرة بايدن بالقلق من أنه لا يميز بين الصورة المثالية لدولة إسرائيل وواقع حكومة نتنياهو، التى تضم عدة ممثلين من اليمين المتطرف. وقال أحد حلفاء الإدارة: “إن الالتزام التاريخى الشخصى للرئيس تجاه إسرائيل لم يتم تعديله من خلال حقيقة أن إسرائيل هذه لديها حكومة هى أسوأ حكومة واجهتها على الإطلاق”.
وأضاف: “لقد قلل بايدن من الدرجة التى يتعين عليك فيها الفصل بين كيفية رد فعل إسرائيل على هذا وكيف رد فعل حكومة نتنياهو على ذلك”.
وينظر المسؤولون الأمريكيون، إلى وزير الأمن القومى إيتمار بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش باعتبارهما مؤثرين مثيرين للقلق بشكل خاص، مما يجعل من الصعب على نتنياهو كبح جماح العناصر المتطرفة فى المجتمع الإسرائيلي.
ووفقا للتقرير، يخشى العديد من كبار المسؤولين أن إسرائيل لن تظهر ضبط النفس أثناء نقل عمليتها إلى جنوب غزة، ويشعرون بالقلق كلما طال أمد الصراع، كلما زاد الضرر على بايدن سياسيا ودبلوماسيا.
وبينما قال المسؤولون الإسرائيليون، إن الصراع قد يستمر لمدة عام أو أكثر، يظل المسؤولون الأمريكيون متفائلين بأن الصراع لن يمتد إلى قلب حملة الانتخابات الرئاسية 2024، بسبب سرعة التوغل الإسرائيلى والتقييم بأنه لا يملك الموارد للحفاظ على العملية لفترة طويلة.