تساءل الكثيرون الفترة الماضية، عن الهدف من وراء العملية العسكرية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حماس في حق إسرائيل، في يوم السابع من أكتوبر الماضى، وقيامها بأسر بعض المدنيين من دولة الاحتلال، وهو الحدث الذي قابلته إسرائيل برد فعل عنيف وغاشم للغاية، وردت عليه بقصف مستمر ومتواصل على المدنيين العزل في قطاع غزة، في ظل استمرار سياسة العقاب الجماعى الذى مارسته بحق ساكنو القطاع على مدار أكثر من شهر.
البعض اعتبر أن ما فعلته حماس يحمل قدرا كبيرا من الحماقة، خاصة مع الخسائر الهائلة في أرواح المدنيين في قطاع غزة، ومعظمهم من الأطفال، وهو ما دفع البعض للتساؤل، هل ما تحقق كان يستحق كل هذا القدر من التضحيات والدماء؟، وذهب البعض لإلقاء اللوم على حماس وتحميلها مسئولية الأرواح البريئة التي اهدرتها إسرائيل خلال عملياتها العسكرية، وهو الأمر الذى رفضه الفلسطينيين أنفسهم، بعدما التفوا حول المقاومة.
إلا أن الحقيقة أن المقاومة الفلسطينية استطاعت كسب الكثير من معاركها، وإن كان الثمن كبيرا، والعملية العسكري التي نفذتها أعادت تحريك المياه الراكدة فيما يخص القضية الفلسطينية، كما أنها كشفت الوجه القبيح وازدواجية المعايير في الغرب، والمكسب الأكبر أنها هزمت الآلة الإعلامية العملاقة التي تدعم الصهيونية، ودفعت الغرب لتغيير مواقفه فيما يتعلق بالدعم المطلق والأعمى للكيان الصهيوني.
التغير الكبير في مواقف الغرب تجاه القضية الفلسطينية
المتابع للمشهد منذ البداية، يرى ويعلم جيدا الدعم الغربى المطلق والأعمى للكيان الصهيوني، وخاصة الدعم الأمريكي، الذى اتضح في تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن في أكتوبر الماضى، الذى قال فيه: "لو لم تكن إسرائيل موجودة لاخترعناها"، وهو التصريح الذى يضعك في الصورة ويدفعك لفهم عقلية الغرب ودعمهم لكيان إسرائيل، وهو الذى جعلهم يتناسون ويتجاهلون حجم الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين العزل، والأطفال بصورة خاصة، والذىن دفعوا الثمن الأكبر منذ بداية الحرب.
لكن مع ارتفاع الأصوات الرافضة لجرائم الاحتلال، والمظاهرات العملاقة التي غزت كل شوارع أوروبا، وزيادة الوعى في العالم حول القضية، واستخدام البعض حقوقهم في الضغط على ممثليهم لوقف الحرب والجرائم بحق سكان غزة، بدأت بعض الأنظمة الأوربية والغربية تراجعها عن الدعم المطلق لإسرائيل مع تزايد ضغط شعوبهم.
الموقف الأمريكى تجاه القضية الفلسطينية
التغير في الموقف الغربى في العموم، يتضح بشكل أكبر في الموقف الأمريكي، الذى كان رافض منذ البداية لوقف إطلاق النيران، بحجة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إلا أنه مؤخرا يعمل بكل قوة لمدة الهدنة الإنسانية في غزة، لضمان إدخال المساعدات وتحرير العدد الأكبر من الأسرى.
وتغيرت نبرة بايدن في الحديث عن حق الوجود، فيما يتعلق بدولة فلسطين، وكتب في تغريدة عبر إكس :" "حل الدولتين هو السبيل الوحيد لضمان الأمن على المدى الطويل للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء، ولضمان تمتع الإسرائيليين والفلسطينيين بقدر متساو من الحرية والكرامة، لن نتوانى عن العمل لتحقيق هذا الهدف".
كما قدم بايدن اعتذارًا، لعدد من القادة المسلمين الامريكيين البارزين فى اجتماع عقد نهاية أكتوبر الماضى، بعد أن شكك علنًا فى دقة أعداد الضحايا الذين سقطوا جراء الحرب التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
وخلال مؤتمر فى 25 أكتوبر الماضى، شكك بايدن علنًا فى أعداد الخسائر البشرية فى غزة، التى أعلنتها وزارة الصحة فى القطاع عندما أعلنت أن غارة جوية على مستشفى المعمداني تسببت فى استشهاد 800 شخص، وقال الرئيس الأمريكى حينها: "ليس لدى أدنى فكرة أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة بشأن عدد الضحايا.. أنا متأكد أن أبرياء قتلوا وهذا ثمن الحرب".
وقالت الصحيفة الامريكية أن بايدن التقى فى اليوم التالى لتصريحاته، مع خمس شخصيات أمريكية مسلمة بارزة، اعترضوا على ما اعتبروه عدم اكتراث بايدن تجاه المدنيين الذين يسقطون فى غزة، وهو ما دفعه للرد عليهم قائلا :" أنا آسف، أشعر بخيبة أمل فى نفسي. سأبذل جهدًا أفضل".
بايدن ونتنياهو
الموقف الإسبانى تجاه القضية الفلسطينية
وفى تطور كبير في الموقف، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إن الحكومة الإسبانية تستعد للاعتراف بدولة فلسطين، وهو مكسب كبير لا يمكن إغفاله، إذ عاد حق الفلسطنيين في دولة خاصة لهم، حديث الساعة، وأضاف في تغريدة له على حسابه بموقع "اكس"، أن الموقف العربي بدا متوافقا مع الموقف الاسباني في نقاط عديدة".
الموقف الفرنسي من القضية الفلسطينية
ظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في موقف المتهم، خلال زيارته لمصر نهاية أكتوبر الماضى، وفى مؤتمر في الرئيس عبد الفتاح السيسى، قال ماكرون مدافعا عن بلاده، إن بلاده لا تمارس معايير مزدوجة في مسائل القانون الدولي، وعلى الرغم من أن حديث خطاب ماكرون من البداية تضمن الحديث عن حل الدولتين وحماية المدنيين، إلا أن حرص حرصا شديدا على عدم إدانة الكيان الصهيوني، وظل بشكل مستمر يدافع عن حقها في الدفاع عن نفسها بشكل اعمى، وإن كان الثمن أرواح الألاف من المدنيين الأبرياء.
إلا أن حدث تغير في الموقف الفرنسي، وظهر هذا جليا، في إدانة ماكرون لقصف المستشفى المعمدانى والذى أوقع مئات من الشهداء، وقال :" "لا شيء يمكنه أن يبرر قصف مستشفى أو استهداف المدنيين".
وقال في تغريدة على موقع إكس: "فرنسا تدين بقوة الهجوم الذي استهدف مستشفى المعمداني في غزة والذي تسبب في سقوط العديد من الضحايا المدنيين في غزة"، مشدداً على ضرورة "تسليط الضوء" على هذا الهجوم.
ايمانويل ماكرون
"البروباجندا" المضادة لتشويه المقاومة الفلسطينية
"اكذب حتى يُصدقك الآخرون" مقولة تنسب لوزير الإعلام النازى جوزيف جوبلز، ويبد أنه الشعار الذى رفعه الإعلام الغربى الفترة الماضية، يمتلك الاحتلال الصهيوني، آلة إعلامية ضخمة، قادرة على قلب الحقائق وتزييفها، وكانت دائما ما تظهر حماس والفلسطينيين دائما بمظهر القتلة، فيما دائما تكون النبرة عن إسرائيل، وكأنها الضحية الوحيدة، وهو الأمر استطاعت حماس بكل ذكاء تجاوزه، وكشفت التغييب الممنهج للوعى العالمى بخصوص القضية الفلسطينية.
قدرتها على التأثير وفضح البروباجندا الغربية، أحد أهم مكاسب عملية طوفان الأقصى، ووصل الأمر لذروته في مشاهد تبادل الأسرى مع بداية الهدنة الإنسانية في القطاع، وهى المشاهد التي أصبحت حديث الجميع على منصات التواصل الاجتماعى على اختلافها، على الرغم من محاولات الإعلام الغربى تزييف الحقائق.
فكل المحاولات باءت بالفشل مع انتشار صور الأسرى، فالصورة أبلغ من ألف كلمة، فمشهد وداع الأسري لسجانيهم، يقول الكثير والكثير عن مدى المعاملة الطيبة التي لاقاها الأسرى الأجانب والإسرائيليين مع حماس، وجعل البعض يقارنون بين المعاملة الإسرائيلية للأسرى الفلسطنيين، وبين حماس، وساهموا في تغيير الصورة النمطية للعرب بشكل عام ومقاتلو القسام بشكل خاص، وأظهر ذكائهم الشديد في إدارة المعركة الإعلامية، وهو ما اتضح في الفيديهات التي يحرص الإعلام العسكرى للقسام على نشرها.
"باى مايا"، وابتسامة من فتاة وهو تودع مقاتلة من القسام، أصبحت حديث مواقع التواصل الاجتماعى حول العالم، حتى أن البعض مزح قائلا أن هناك شرارة للحب اندلعت بين الفتاة والمقاتلين، وأنها لا ترغب في العودة لتل أبيب، وأن قلبها سيظل في غزة، وهو المشهد الذى أصبح الجميع يتذكره مع ذكر مقاتلو حماس، كما لفت الانتباه حرص مقاتلو القسام على الحديث والتواصل بالإنجليزية مع الأسرى.
مايا
كما نشرت كتائب القسام الذراع العسكرى لحركة حماس، صورة رسالة قالت إنها من إحدى المحتجزات الإسرائيليات تركتها إلى مقاتلى وقادة كتائب القسام الذين رافقوها خلال فترة الاحتجاز قبيل الإفراج عنها.
الرسالة التى نشرتها كتائب القسام تحمل تاريخ 23 نوفمبر 2023، ومرفقة بصورة الأسيرة الإسرائيلية دانييل ألونى، وابنتها إميليا، التى أفرج عنها ضمن الدفعة الأولى لتبادل الأسري.
رسالة أسيرة للقسام
قالت دانييل ألوني، فى رسالتها لمقاتلى كتائب القسام: "للجنرالات الذين رافقونى فى الأسابيع الأخيرة يبدو أننا سنفترق غداً لكننى أشكركم من أعماق قلبى على إنسانيتكم غير الطبيعية التى أظهرتموها تجاه ابنتى إميليا.. كنتم لها مثل الأبوين، دعوتموها لغرفتكم فى كل فرصة أرادتها.. هى تعترف بالشعور بأنكم كلكم أصدقاؤها ولستم مجرد أصدقاء، وإنما أحباب حقيقيون جيدون".
وأضافت "شكراً شكراً شكراً على الساعات الكثيرة التى كنتم فيها كالمربية.. شكراً لكونكم صبورين تجاهها وغمرتموها بالحلويات والفواكه وكل شيء موجود حتى لو لم يكن متاحاً.. الأولاد لا يجب أن يكونوا فى الأسر، لكن بفضلكم وبفضل أناس آخرين طيبين عرفناهم فى الطريق.. ابنتى اعتبرت نفسها ملكة فى غزة.. وبشكل عام تعترف بالشعور بأنها مركز العالم".
تابعت الأسيرة الإسرائيلية فى رسالتها الموقعة باسمها واسم ابنتها: "لم نقابل شخصاً فى طريقنا الطويلة هذه من العنصر وحتى القيادات إلا وتصرف تجاهها برفق، وحنان وحب.. أنا للأبد سأكون أسيرة شكر لأنها لم تخرج من هنا مع صدمة نفسية للأبد.. سأذكر لكم تصرفكم الطيب الذي منح هنا بالرغم من الوضع الصعب الذي كنتم تتعاملون معه بأنفسكم والخسائر الصعبة التى أصابتكم هنا فى غزة".
واختتمت رسالتها: "يا ليت أنه فى هذا العالم أن يقدر لنا أن نكون أصدقاء طيبين حقاً.. أتمنى لكم جميعاً الصحة والعافية.. صحة وحب لكم ولأبناء عائلاتكم.. شكراً كثير.. دنيال وإميليا".
المقاومة الفلسطينية VS جيش الاحتلال
رغم البعد الكبير عن تحقيق انتصار عسكرى حاسم في الحرب على قطاع غزة، من كلا الطرفين، إلا أن حماس استطاعت تحقيق مكاسب لا يستهان بها خلال مشهد عنيف وفوضوى في ظل عنف اسرائيلى متصاعد على القطاع، وعملية أخرى منتظرة بعد انتهاء الهدنة، رغم مساعى لمدها فى غزة.
عملية طوفان الأقصى، نجحت في كسر أسطورة الجيش الذى لا يقهر، وفضح الضعف فى جهاز الاستخبارات الإسرائيلية، والتي كان يتحدث بكل الفخر عن إمكانياته وقوته غير المحدودة، إلا أن العملية المفاجئة كشفت للعالم أنه جهاز الاستخبارات ضمن الأشهر في العالم قابل للخداع.
وظهر فشل كبير للاستخبارات أمام أعين العالم كله، مع اقتحام مجمع الشفاء الطبي، وقالت القناة الـ13 الإسرائيلية، إنه رغم وجود معلومات استخباراتية لدى الجيش الإسرائيلي بشأن وجود أسرى ومحتجزين إسرائيليين في مجمع الشفاء الطبي، إلا أن قواتها التي اقتحمت المجمع فجرًا لم تعثر على أي محتجزين أو أسرى".
أسلحة القسام البدائية
قذائف الياسين 105
واستطاعت المقاومة الفلسطينية، إلحاق خسائر كبيرة ضمن صفوف جيش الاحتلال، بكل إمكانياته وأسلحته المتطورة، واستطاعت قذائف "الياسين 105"، والتي تعتبر من أخطر الأسلحة التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية في حربها، ونجحت في تدمير أو تعطيل العديد من دبابات "ميركافا" التي تمتلك أفضل أنظمة الحماية، حيث أنها أول دبابة في العالم تحتوي على نظام متقدم من الذكاء الصناعي يدير مهام الدبابة ويساعد في تحديد الأهداف بدقة عالية.
كما استخدمت أسلحة محلية الصنع، وأظهرت حركة حماس أحدث أسلحتها التي لم تكن أعلنت عنها من قبل وهو "الطوربيد العاصف" والذي وصفه البعض بأنه "جحيم تحت الماء"، وخلال الحرب الدائرة حاليا نشرت كتائب القسام مشاهد حية للحظة لإنزال الطوربيد إلى المياه للتنفيذ وقالت إنه جرى إطلاقه تجاه عدد من الأهداف البحرية للعدو الإسرائيلي.
كل هذا جعل الأسلحة الثقيلة لجيش الاحتلال الإسرائيلي تبدو وكأنها هشة رغم قيمة إمكانياتها الضخمة وتكلفتها المادية الباهظة جدا والتي تصل لمئات الملايين من الدولارت، أمام الأسلحة اليدوية محلية الصنع لكتائب المقاومة، حيث ظهر في أكثر من مشهد استهدافها بكل سهولة ويسر وبأدوات أقل ما يقال عنها أنها "بسيطة وتافهة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة