عمد رئيس الوزراء الاسرائيلى "بنيامين نتنياهو" في تصريحاته التي أدلى بها يوم الأربعاء 25 أكتوبر 2023، إلى استغلال نصوص توراتية للظهور بمظهر المدافع عن اليهودية لتحقيق مآربه الخبيثة ومجازره الدموية ضد الفلسطينيين الأبرياء، حيث أشار بأنه يعمل على تحقيق نبوءة "إشعياء" النبي –وفقا للديانة اليهودية- في أرض فلسطين، وأوضح أن الحرب تجري بين الشر المتمثل في حماس، والحرية والتقدم، وأنهم يمثلون النور بينما تمثل حماس والفلسطينيون يمثلون الظلام وذلك في إشارة واضحة وعلنية إلى القيام بحرب دينية، ونوضح من خلال الأسطر القادمة ماهية تلك النبوءات التي استشهد بها نتنياهو، وما أهميتها؟
نبوءة إشعياء
أوضحت وحدة اللغة العبرية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، تعتبر نبوءة إشعياء واحدة من أبرز النبوءات في الكتاب المقدس، تتألف من 66 إصحاحاً، ويعود تاريخها إلى القرون الأولى قبل الميلاد. إشعياء كان نبياً يهودياً بارزاً في المملكة الجنوبية ليهوذا -أحد أبناء النبي يعقوب (إسرائيل) الاثني عشر-، وقد جرى توثيق نبوءاته في سفر إشعياء في التناخ (كتاب اليهود المقدس).
تتميز نبوءة النبي إشعياء بتنوعها وشموليتها، إذ تغطي مجموعة واسعة من المواضيع والتطورات التاريخية المحتملة. وتتناول النبوءة قضايا مختلفة بما في ذلك السياسة والدين والتاريخ، وتشمل تنبؤات بالحروب والملوك والشعوب.
وبالتطرق إلى كلمة نتنياهو التي ألقاها، نجد أن نتنياهو استمد تشبيهه بأن الصهاينة يمثلون النور وأن حماس والفلسطينيين يمثلون الظلام، من الفقرتين الأولى والثانية من الإصحاح التاسع من سفر إشعياء، والتي تقول: "لكن لن يخيم ظلام على التي تعاني من الضيق، فكما أذل الله في الزمن الغابر أرض زبولون ونفتالي، فإنه في الزمن الأخير يكرم طريق البحر وعبر الأردن، جليل الأمم. الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما، والمقيمون في أرض ظلال الموت أضاء عليهم نور" وكأن الصهاينة المحتلين هم أهل النور، وأن الفلسطينيين هم أهل الظلام.
وأضاف نتنياهو "سنحقق نبوءة إشعياء، لن تسمعوا بعد الآن عن الخراب في أرضكم، سنكون سببا في تكريم شعبكم، سنقاتل معا وسنحقق النصر". تلك الكلمة التي فيها إحالة إلى الفقرة 18 من الإصحاح 60 من نفس السفر: " "ولا يُسمع بعد ظلم في أرضك، ولا دمار أو خراب داخل تخومك، بل تسمين أسوارك خلاصا، وأبوابك تسبيحا".
وفي حديث نتنياهو علاقة كبيرة بمصر، إذ كان لمصر نصيب كبير في نبوءة إشعياء، إذ وردت نصوص بها تتحدث عن خراب يطال مصر وسنوات يجف فيها نهر النيل، مثل: “ وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا. وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ، فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةً مَدِينَةً، وَمَمْلَكَةً مَمْلَكَةً. وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا، وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا، فَيَسْأَلُونَ الأَوْثَانَ وَالْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ التَّوَابعِ وَالْعَرَّافِينَ. وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلًى قَاسٍ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ. وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ، وَيَجِفُّ النَّهْرُ وَيَيْبَسُ. سفر إشعياء 19”
ولذا فإن حديث نتنياهو لم يكن يقصد به الإشارة إلى إبادة الفلسطينيين من أهل غزة فقط، بل به إشارة واضحة إلى مصر، بل هناك إشارة إلى حلم (إسرائيل) الكبرى، حيث تتكلم النبوءة عن دمار العراق ودمشق واليمن ومصر وقيام إسرائيل الكبرى بين النيل والفرات، على الرغم من أن تلك الأحلام ليست جديدة، بل تحمل خطورة كبيرة بجميع الأطراف، لما تمثله من التهديد بحرب دينية.
هذا وقد انتقدت عالمة الكتاب المقدس "آن ماري بيليتييه" تصريحات نتنياهو، والتي وصفتها بأنها يوجد بها "إشارة مبتذلة"، وقالت إن الذي يسير في الظلام في سفر إشعياء ليس "العدو" المجاور، بل اليهود أنفسهم، الذي يمر "بكل تأكيد بمحنة سياسية وروحية"، مشددة على أن معنى النص لا يدعم ما ذهب إليه بنيامين نتنياهو، خاصة أن هذا الكتاب معقد للغاية و "لا يمكن فهمه إلا في ضوء السياق التاريخي في ذلك الوقت".
إن سلطات الاحتلال تذهب في كثير من الأوقات إلى استمالة قلوب المستوطنين الصهاينة عبر النصوص الدينية اليهودية، في تجميعهم نحو هدفهم الأسمى منذ الإعلان عن قيام كيانهم المزعوم، وهو "إسرائيل الكبرى"، ذلك الهدف الذي لن يصلوا إليه بأي حال، لأن كل احتلال إلى زوال.