"الصقر الخبير يُخفي مخالبه"، هذه العبارة توحي بداهية الفكر، والذكاء الذي قد يصل إلى مرحلة الخُبث، وأحيانًا تدل على الغدر والخيانة والشر، فكل شخص يرى ويفسر ويؤول وفقًا لتركيبته الشخصية، بمعنى أن المخالب هنا لا تعني الشر في حد ذاته، ولكنها تعني الشوك الذي يحمي الوردة، فليس من المنطق أن تكون طيبة الإنسان ووفاءه مطلقة، وليس من العقل كذلك أن يُظهر الإنسان كل ما بداخله من قوة، فهذا ليس من الحكمة، والسبب في ذلك أننا لابد أن نحكم على مَنْ حولنا وهم يروننا أنقياء، فهنا فقط يمكننا معرفة ما في ضمائرهم حيالنا.
فأي شخص إذا رأى قوة غيره، بالقطع سيُحاول تحاشي مُضايقته، وربما سيظهر له الولاء والاحترام حتى يتقي شره، أما لو لم يرى سوى المُعاملة الطيبة، فهنا سيظهر هل هو نقي السريرة حيال مَنْ حوله، أم أنه يعتقد أن الطيبة ضعف، ويُحاول النيل منه.
فلا تُظهر قوتك ومخالبك في الحياة بوجه عام، بل تعايش بنقاء إلى أن تحتاج إلى إظهارها، فالجندي لا يُظهر سلاحه إلا عند ظهور العدو، فليس من الحكمة أن نستعرض قوتنا طيلة الوقت، لأننا حينها سنخسر عدة أشياء، ومنها عدم وقوفنا على نوايا مَنْ حولنا، واكتساب أعداء بدون أسباب، واستمراء سلوك التهديد لاإراديًا بداخلنا.
فالمخالب لابد ألا تظهر إلا عند اللزوم، إما للدفاع عن النفس أو الغير، أو لإيقاف البعض عند حدهم، فهي ليست للاستعراض حتى لا تفقد هيبتها وقيمتها، وليست وسيلة تهديد، بل هي فقط وسيلة دفاع وحماية.
وأخيرًا، لو قابلت مَنْ يُظهر مخالبه منذ البداية، فثق بأنه بلا مخالب حقيقية، فهو يستقوي بعنصر ما، لو فقده ضاع معه كل شيء، وعلينا أن نعلم أن المخالب لابد أن يكون هدفها نبيل، أما لو كانت تنتمي إلى فصيلة الغدر والخيانة والكذب والإضرار بالغير، فهي مخالب غير شريفة، أي من فصيلة النبتة الخبيثة، وهنا لا يكون صاحبها صقرًا، بل يكون ثعلبًا ماكرًا، وشتان بين القوة والمكر الخبيث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة