رحل هنرى كيسنجر، عملاق الدبلوماسية الأمريكية، ووزير الخارجية الأسبق في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، عن عالمنا اليوم عن عمر ناهز الـ100 عام، وهو واحد من أبرز الشخصيات والساسة في العالم، وأكثرهم إثارة للجدل في السياسة الخارجية الأمريكية في القرن العشرين.
وكان لكسينجر العديد من الإسهامات التي شكلت السياسة الخارجية الأمريكية لعقود، فيما اعتبره البعض مجرم حرب، إلا أن الحقيقة التي لا يختلف عليها أحد كونه أبرز الفاعلين في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه عدة قضايا لسنوات طويلة، كما قدم المشورة لعشرات الرؤساء خلال حياته المهنية الطويلة، بما في ذلك جو بايدن، الرئيس الأمريكي الحالي.
إرث كيسنجر يتسم أيضًا بازدرائه لحقوق الإنسان وجهوده لحماية مصالح الشركات الأمريكية بأي ثمن، ووصفه معارضوه، في جميع أنحاء العالم بأنه مجرم حرب، إذ قدم الدعم للديكتاتور العسكري الإندونيسي في غزو تيمور الشرقية، ودعم غزو أنغولا من قبل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وعمل مع وكالة المخابرات المركزية للإطاحة برئيس تشيلي المنتخب ديمقراطيا، كما سمح بالتنصت على الصحفيين وموظفيه، وفقا لصحيفة الجارديان البريطانية.
وأعلنت شركته الاستشارية كيسنجر أسوشيتس وفاته في بيان لها مساء أمس الأربعاء، في منزله في ولاية كونيتيكت الأمريكية، لكنها لم تكشف عن السبب.
الدبلوماسى الراحل هنرى كيسنجر
تقدمه في السن لم يمنعه من العمل
وعلى الرغم من تقدمه في السن، إلا أنه ظل يحضر الاجتماعات في البيت الأبيض، ونشر كتابًا عن أساليب القيادة، وأدلى بشهادته أمام لجنة في مجلس الشيوخ حول التهديد النووي الذي تشكله كوريا الشمالية، عام 2018.
وفى يوليو الماضى، قام الدبلوماسي البارز، بزيارة مفاجئة إلى بكين للقاء الرئيس الصيني شي جين بينج.
كيسنجر كوزير للخارجية الأمريكية
في سبعينيات القرن الماضى، لعب كيسنجر دورا هاما، في العديد من الأحداث العالمية التي غيرت عصراً خلال العقد عندما كان وزيراً للخارجية في عهد الجمهوري نيكسون، وقد تم الإشادة بكيسنجر لتألقه وخبرته الواسعة خلال سنوات عمله الدبلوماسي.
وأدت جهود اللاجئ اليهودي الألماني المولد إلى الانفتاح الدبلوماسي للصين، ومحادثات تاريخية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي للحد من الأسلحة، وتوسيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب، واتفاقيات باريس للسلام مع فيتنام الشمالية، وفقا لصحيفة ديلى ميل البريطانية.
عملاق السياسة الأمريكية هنرى كيسنجر
تضاءل دور كيسنجر في رسم السياسة الخارجية الأمريكية
تراجع دور وعهد كيسنجر كمهندس رئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية مع استقالة نيكسون في عام 1974، إلا أنه استمر في كونه قوة دبلوماسية في عهد الرئيس جيرالد فورد وفي تقديم آراء قوية طوال بقية حياته، إلا أنه ظل نشطًا في السياسة، حتى بعد احتفاله بعيد ميلاده المائة في مايو من هذا العام.
وفى مطلع أكتوبر الجارى، ومع بداية الحرب على قطاع غزة، علق كيسنجر على الصراع الحالي بين إسرائيل وغزة. وقال إن المدن الأوروبية، مثل برلين، التي تستضيف مسيرات مؤيدة لفلسطين تظهر أن ألمانيا سمحت لعدد كبير جدًا من الأجانب بدخول البلاد.
في مقابلته الأخيرة قبل شهرين فقط، واصل كيسنجر دعمه المطلق لإسرائيل، ورفض المظاهرات المؤيدة للحق الفلسطيني، وقال كيسنجر لقناة فيلت التلفزيونية الألمانية: "لقد كان خطأً فادحًا السماح لعدد كبير جدًا من الأشخاص ذوي الثقافات والأديان والمفاهيم المختلفة تمامًا بالدخول، لأنه يخلق مجموعة ضغط داخل كل بلد تفعل ذلك".
كيسنجر برفقة أوباما
كيسنجر مع الرئيس الأمريكى السابق ترامب
حياته الشخصية وجائزة نوبل
طلق كيسنجر زوجته الأولى، آن فلايشر، في عام 1964، قبل أن يتزوج من نانسي ماجينيس، مساعدة حاكم نيويورك نيلسون روكفلر، في عام 1974، وكان لديه طفلان من زوجته الأولى.
وفاز كيسنجر بجائزة نوبل للسلام عام 1973 مناصفة مع لو دوك ثو من سياسى من فيتنام الشمالية، لكنها كانت واحدة من أكثر الجوائز إثارة للجدل في تاريخ الجائزة.
وتم اختيارهم لعملهم في محادثات السلام في باريس، والتي كان من المقرر أن ترتب لانسحاب القوات الأمريكية من فيتنام، ووقف إطلاق النار، والحفاظ على حكومة فيتنام الجنوبية.
واستقال اثنان من أعضاء لجنة جائزة نوبل بسبب الاختيار، ورفض ثو، وهو سياسي ومحارب فيتنامى الجائزة على أساس أن عملهما لم يحقق السلام بعد.
كيسنجر مع أطفاله عام 1977
كيسنجر والصراع العربى الإسرائيلى
وفي عام 1973، بالإضافة إلى دوره كمستشار للأمن القومي، تم تعيين كيسنجر وزيرًا للخارجية، مما منحه سلطة لا حدود لها في الشئون الخارجية.
ودفع الصراع العربي الإسرائيلي المتصاعد كيسنجر إلى القيام بأول ما يسمى بمهمة "مكوكية"، وهي نوع من الدبلوماسية الشخصية للغاية عالية الضغط التي اشتهر بها.
وقد ساعد اثنان وثلاثون يومًا من الرحلات المكوكية بين القدس ودمشق كيسنجر على صياغة اتفاق طويل الأمد لفك الارتباط بين إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
وأدت دبلوماسيته المكوكية إلى وقف إطلاق النار بعد حرب 1973، وإنهاء الصراع العربى الإسرائيلي وقتها، وفقا لصحيفة بى بى سى.
موقفه من النفوذ السوفيتى
وفي محاولة لتقليص النفوذ السوفييتي، تواصل كيسنجر مع منافسه الشيوعي الرئيسي، الصين، وقام برحلتين إلى هناك، بما في ذلك رحلة سرية للقاء رئيس الوزراء تشو إن لاي.
وكانت النتيجة قمة نيكسون التاريخية في بكين مع الرئيس ماو تسي تونج وإضفاء الطابع الرسمي في نهاية المطاف على العلاقات بين البلدين.
كيسنجر في سطور
وُلد هاينز ألفريد كيسنجر في مايو 1923، في ألمانيا، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة مع عائلته في عام 1938 قبل الحملة النازية لإبادة يهود أوروبا.
وبتحويل اسمه إلى هنري، أصبح كيسنجر مواطنًا أمريكيًا متجنسًا في عام 1943.
استقر كيسنجر في مرتفعات واشنطن في الجانب الغربي العلوي من مانهاتن، والتحق بالمدرسة الثانوية العامة المحلية.
خدم في الجيش في أوروبا في الحرب العالمية الثانية، وذهب إلى جامعة هارفارد بمنحة دراسية، وحصل على درجة الماجستير في عام 1952 والدكتوراه في عام 1954.
كان عضوًا في هيئة التدريس بجامعة هارفارد لمدة 17 عامًا.
وكانت آخر مرة عمل فيها كيسنجر في الإدارة الرئاسية عام 1977، لكنه حافظ على علاقة مع جورج دبليو بوش.
واختار بوش الابن، آنذاك كيسنجر لرئاسة لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر 2001، لكنه استقال لأنه لم يرغب في الكشف عن أسماء عملاء شركته الاستشارية.
كيسنجر برفقة أوبرا وينفرى