ها أنت ذا أمامي، بلحمك وشحمك، هيكل لا أرى منك، سوى طيف، طيف عابر صريع، كأن الموت يسكنك، يبدو على ملامحك، يطل من عينيك البنيتين، أراه واضحا مجسدا، في عظامك المنهكة.. تعبت من الحياة، من الناس، من الأشياء، من نفسي، لم يعد هناك أي منفذ، أو عزاء لشيء، تراكمت كما تراكمت الأحزان في جوفي، حتى أكتظت.
فاض الكيل عن الحد، عاملتنا الحياة معاملة قاسية، وأستطاعت أن تلقي بنا في صمتها المريب، إنك لا تعلم من أنت؟ ولا أين أنت من الحياة، موقعك، موضع قدميك، تأسف ثم تأسف، وتنال ما نالت منك أي حياة تلك، تتسال؟ أعتراني هم دفين، كل يوم أقول غدا يزول، يمضي إلى حيث لا مكان، ولا زمان، كل شيء يخدعني ويكذبني، أحاطت بنا، وأحلامنا، وطمست كل هوية لنا، متى نصل؟ فلا طريق ثابت، كل الأراضي تتحرك، وما تظنه اليوم ثابت، يمضي إلى المجهول، أليس هناك شفق يطل علينا، نور من بعيد، يلهمنا الصبر والسلوان، يدفعنا نحو المزيد من الحياة، قليل منها نتبلغ به، يساهم في البقاء على قيدها.
كلها أحزان لا تنقطع، تمتد وتمتد إلى أن نزول، وبعد أن نزول، تمضي لتأكل غيرنا نرتشف من رحيق الغم، من ثدي الضياع، تنهمر فيض حريق، يأكل اليابس بالأخضر، بكل ما له معنى، لم أعد أصبر أو أطيق، لتمت ليلى، التي عاشت تمني النفس بالوصول، بالترياق الذي ينقذها، تقول ياليتني ما كنت، ما عشت، ما بقيت، كان عصارة من مادة خليط من قمامة الأرض، من أوشابها، عقول يسكنها الظلام، منزوعة الضمير، لا قطرة من مشاعر الرحمة، تسكن قلوبهم المظلمة.. تريث قبل الحكم، ليس حكما عن تخمين، لكنه واقع.
أيكون في دمائهم دماء بشرية، تشعر وتحس تمهل، إني أحترق أتململ من رؤية هؤلاء المدعين، فلا شيء، ويدعون لأنفسهم كل شيء.. أراك تتحامل عليهم، تفيض نفسك بهمّ عظيم، يكاد يقتلع جذورك، لم يعد هناك طاقة، لتحمل ما يصدر من نفوسهم، من قيح وصديد، تشمئز منه النفس، وينتابها شعور عميق بالأسى والألم والنفور، كلما وقع نظرك عليهم، قام مارد عملاق، من الداخل، يعلن ضيقه، أمتطي سفائن الهروب، الإنقاذ ربما سارت عدوى من نفوسهم الذليلة، تعكر صفو الوجود، وتفسد على أهل الأرض الهواء، الذي يتنفسون، أرحل قبل أن يسيطر هؤلاء على مقاليد النفوس الشريفة، ويصيروها وضيعة، قبل أن تطالك عدواهم، أدرك اللحظات والدقائق، قبل المغيب، قبل حلول الظلام، فتتخبط جوارحك النظيفة، غنى قبل أن تحترق بنار أحقادهم المكنونة، في صدورهم، أنأى بنفسك بروحك، بما تبقى من نفسك الزكية، الغنى غنى الروح، فلا تفتقر. إنهم أثرياء في عالم المال، فقراء في عالم الروح، من طين الأرض كانوا وسيظل يعلق بأثوابهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة