يوم تلو الأخر تتوالى التحذيرات الأممية والفلسطنيية من النوايا الإسرائيلية من تنفيذ مؤامرة تهجير الشعب الفلسطينى ودفعه نحو الأراضى المصرية فى سيناء، مخطط كشفت القاهرة خيوطه الأولى منذ بداية العدوان الإسرائيلى على القطاع الذى دخل شهره الثالث، ودمر كافة سبل الحياة فى شمال وجنوب غزة.
فى مقدمة هذه التحذيرات تأتى تصريحات رئيس الوزراء الفلسطينى محمد اشتية، حيث قال" إن مخطط التهجير القسرى ما زال على طاولة الاحتلال الإسرائيلى الذى يعمل على تحويل قطاع غزة الآن لمكان غير قابل للحياة، مُثمنًا دور جمهورية مصر العربية الرافض لهذا المُخطط.
وقال اشتية خلال الاجتماع الأسبوعى لحكومته بمدينة رام الله: "الاحتلال دفع المواطنين من الشمال إلى الجنوب بقوة السلاح، والآن القصف على مناطق جنوب غزة في خان يونس ودير البلح، ويجري دفعهم جميعا نحو رفح".
ليس الأول ولن يكون الأخير، ففى السابق أكد مفوض وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازارينى،على أن إسرائيل بوضع الأساس للطرد الجماعى للغزاويين إلى مصر.وقرأت الأونروا المخطط مبكرا وكشفت "أن الدمار الواسع فى شمال قطاع غزة والنزوح الناجم عنه كانا المرحلة الأولى لهذا السيناريو، فى حين أن المرحلة القادمة هى تهجير المدنيين من مدينة خان يونس الجنوبية إلى الحدود المصرية".
ويشهد قطاع غزة موجة جديدة من تهجير الفلسطينيين من الجنوب إلى مدينة رفح الفلسطينية، وذلك بعد أن هجّرت قوات الاحتلال سكان شمال غزة نحو الجنوب، ودمرت كافة سبل الحياة فى شمال القطاع والأن تقصف جنوبه وتستنسخ الدمار الذى لحق بالشمال، لتدمر بذلك القطاع بأكمله ويستحيل العيش داخله لضمان عدم عودة السكان لأراضيهم ومنازلهم مرة أخرى، والدفع بهم نحو مصر، بحسب تقارير إعلامية.
هذه التحذيرات والنوايا الإسرائيلية لم تكن غائبة عن الدولة المصرية التى كشفت خيوطها الأولى، وتمتلك أدوات عديدة فى لإجهاضه، حيث وضعت القاهرة الخطوط الحمراء أمام غطرسة وتبجح صريح للاحتلال الإسرائيلى فى التخطيط لتوسيع دائرة الصراع الاقليمية، ودفع مصر نحوها، من بين هذه الأدوات هى اكتساب تأييد دولى عريض رافض للمخطط.
وعبر قمة القاهرة للسلام 2023، والتى استضافتها مصر فى 21 اكتوبر الماضى، بمشاركة دولية واسعة تمكنت مصر من حشد دولى كبير يرفض المخطط الإسرائيلى، على نحو ما جاء فى مخرجاته من إجماع عربى ودولى يرفض نهجير الفلسطينيين من أراضيهم وتصفية القضية الفلسطينية، بل وكشفت أهداف أمام حشد دولى كبير رغبة إسرائيلية فى تصفية القضية الفلسطينية.
كما نجحت مصر فى أن تضع أمام كيان الاحتلال الإسرائيلى خارطة طريق تعيد القضية للمسار السياسى، بديلا قانونيا عن مخطط التهجير، تستهدف فى إحدى مراحلها، البدء العاجل، فى مفاوضاتٍ لإحياء عملية السلام، وصولًا لأعمال حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التى تعيش جنبًا إلى جنب، مع إسرائيل، على أساس مقررات الشرعية الدولى، مع العمل بجدية على تدعيم السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، للاضطلاع بمهامها، بشكل كامل، فى الأراضى الفلسطينية".
وجاءت القمة الاسلامية العربية المشتركة فى الرياض لتؤكد الموقف العربى الاسلامى الموحد، الرافض لسياسة تهجير الفلسطينيين من غزة، باعتبار التهجير " خط أحمر"، ونجحت فى ايجاد اصطفاف عربى اسلامى مؤيد للموقف المصرى ومتفهم للحفاظ على الأمن القومى المصرى. وخلال أكثر من مناسبة وشدد الرئيس عبد الفتاح السيسى، مراراً على أن مصر لم ولن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، مؤكداً أن مصر أيضا لن تتهاون فى حماية أمنها القومى.
وجاءت قرارات قمة الرياض وأكدت فى بندها الرابع عشر، على إدانة تهجير حوالى مليون ونصف فلسطينى من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، باعتبار ذلك جريمة حرب وفق اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949وملحقها للعام،1977، فضلا عن الرفض الكامل والمطلق والتصدى الجماعى إلى أية محاولات للنقل الجبرى الفردى أو الجماعى أو التهجير القسرى أو النفى أو الترحيل للشعب الفلسطينى، سواء داخل قطاع غزة أو الضفة الغربية بما فى ذلك أيا كانت، باعتبار ذلك خط القدس، او خارج أراضيه إلى وجهة أخرى خطا أحمر وجريمة حرب.
ليس ذلك فحسب، ففى داخل أروقة الخارجية، خاض الوزير سامح شكرى معارك دولية، آخرها جولة وزارية فى عواصم عالمية برفقة وزراء خارجية عرب ودول اسلامية، لنقل الموقف العربى الاسلامى الموحد الرافض للتهجير وتصفية القضية، فضلا عن المشاركة فى اجتماع وزراء خارجية العرب فى الأردن، وعشرات الزيارات واللقاءات مع وفود ومسئولين غربيين، لتقل الرؤية المصرية فى اهمية الحفاظ على الأمن القومى المصرى.
ليست الدولة وحدها، فقد اصطف الشعب المصرى خلف قيادته، عبر مسيرات تضامنية خرجت لتبعث برسالة استياء ورفض شديد لتهجير الشعب الفلسطينى عن أراضيه وتوسيع دائرة الحرب، ووقفت القاهرة حائط صد أمام مؤامرة التهجير ووتصفية القضية الفلسطينية، خلال العدوان الإسرائيلى الغاشم على غزة أكتوبر 2023.
وتبذل مصر حاليا أقصى الجهود مع الشركاء، من أجل العودة للهدنة فى أسرع وقت، ومدها لفترات أخرى، وصولا للوقف الشامل لإطلاق النار، لحقن دماء الأشقاء الفلسطينيين، ومساعدتهم فى مواجهة الأوضاع الإنسانية الخطيرة التى يعيشونها، فهى تواصل تعاونها مع الشركاء للعمل على الإسراع بنقل المساعدات الإنسانية والإغاثية لقطاع غزة، والسعى الحثيث من أجل زيادتها، بما يتناسب مع الاحتياجات الضرورية والعاجلة لأشقائنا الفلسطينيين هناك.