التفت جمال عبدالناصر إلى عبدالحكيم عامر قائلا: «هل تعرف يا حكيم أن هذا العمل الفنى الثانى الذى أراه لفتحى رضوان، رأيت له من قبل فيلم «مصطفى كامل»، فرد عبدالحكيم: «أنا شاهدته معك».
كان الاثنان فى صحبة فتحى رضوان وزير الإرشاد القومى، عائدين من مشاهدتهم مسرحية «دموع إبليس» المعروضة بدار الأوبرا، تأليف «رضوان»، وكانوا فى سيارة عبدالناصر، وفى الطريق دار حوار رفيع عن الفن والثقافة والمسرح وحفلات أم كلثوم التى تمتد حتى ساعات الصباح الأولى، وكان رضوان ممن يعارضون ذلك، لكن عبدالناصر قال له: «لا سبيل إلى إغضاب أم كلثوم»، حسبما يذكر «رضوان» فى كتابه «عبدالناصر».
يتذكر «رضوان» وقائع هذا الحوار، قائلا إن عبدالناصر سأله: «لماذا انتهت المسرحية بوفاة البطل ونقل جثمانه، وهو منظر فوق كآبته، فإنه مرتبك ولا يبدو جميلا، كنت أفضل أن تختم المسرحية بطعن البطل وبكاء إبليس، فهو متفق مع عنوان المسرحية، وما بعده لا معنى له»، رد رضوان: «الغريب أن ما تقترحه هو نفس المسرحية الأصلية، ولكن المخرج رأى تعديل الحوادث، ولم أرد أن أعارضه»، علق عبدالناصر: «أنا أعتقد أن العمل المسرحى ملك المؤلف، لا ملك المخرج ولا يجوز له أن يخرج بالنص عن أصله، ولكن له أن يفسره كما هو».
انتقل حوار الثلاثة إلى فيلم «مصطفى كامل» قصة فتحى رضوان، وإخراج وإنتاج أحمد بدرخان، وأنعش عبدالناصر ذاكرة عامر بقوله، أنه شاهد الفيلم، فرد عامر: «أنا شاهدته معك»، يقول رضوان: «ذكرتهما بأنهما رأياه فى حفلة خاصة بسينما ريفولى احتفالا بالعقيد الشيشكلى».
كان «أديب الشيشكلى» رئيسا لسوريا، وحضر للقاهرة فى ديسمبر 1952، والتقى قادة ثورة 23 يوليو يتقدمهم اللواء محمد نجيب، وشاهد فيلم «مصطفى كامل» فى حفلة خاصة يوم 14 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1952، وتذكر مجلة «الكواكب، عدد 67، 11 نوفمبر 1952: «طلب العقيد أديب الشيشكلى أن يشاهد فيلم مصطفى كامل الذى عرض فى الشهر الماضى «نوفمبر» فى سينما ريفولى، ولما كانت مدة عرض الفيلم انتهت، وبدأت السينما فى عرض فيلم آخر فقد تفضل الرئيس اللواء محمد نجيب بأن يعرض هذا الفيلم فى حفلة خاصة تلبية لرغبة الضيف الكريم».
يشير «رضوان»، إلى تأثر عبدالناصر الشديد أثناء مشاهدته للفيلم، ويستشهد بما ذكره له ولعبدالحكيم عامر فى السيارة، قائلا: ليلتها، أنا كنت طوال الفيلم خائفا على مصطفى، ومشفقا من وفاته، مع أنى أعرف أنه مات منذ خمسين سنة، هذا هو سحر العمل الفنى الجيد»، ثم التفت إلى رضوان قائلا: «اعمل فيلم آخر عن فريد، يقصد المجاهد الوطنى محمد فريد»، فرد رضوان: «وعن عبدالله النديم»، فتردد عبدالناصر قليلا ثم قال: «أنتم عملتم مسلسلة ناجحة عنه فى الإذاعة، أنا فاكر أدءاها».
جاء عرض فيلم «مصطفى كامل» بعد أن منعته الرقابة قبل ثورة 23 يوليو 1952، وتذكر «أمل عريان فؤاد» فى كتابها «سلطة السينما..سلطة الرقابة»، أن أحمد بدرخان تعثر فى البحث عن منتج بسبب المخاوف من منعه لأنه سيكون ضد الاحتلال البريطانى، فاضطر إلى تكوين شركة إنتاج «أفلام المصرى» لإنتاجه، وبعد الانتهاء من التصوير رفضت «إدارة المطبوعات» عرضه دون إبداء الأسباب.
يذكر الناقد سمير فريد، فى كتابه «تاريخ الرقابة على السينما فى مصر» نقلا عن مجلة «الفن» يناير 1951، ملخصا لاجتماع فى وزارة الداخلية بين السينمائيين ومدير «إدارة المطبوعات» الدكتور عبدالباسط الحجاجى، وأثير خلاله مشكلة الفيلم، وسأل حسين صدقى، عن سبب منعه، فرد الحجاجى: «وافقنا عليه»، وقال صدقى: «وافقتم بعد حذف قصة قضية دنشواى، وقال يوسف بك وهبى: إذا حذفت سيرة قضية دنشواى من سياق القصة أصبحت لا قيمة لها، فرد مدير المطبوعات: «نريد أن نبتعد عن الاحتكاك بالأجانب قدر المستطاع».
تذكر «عريان»، أن «بدرخان» نظم عرضا خاصا فى نهاية إبريل 1952 لسياسيين ومفكرين وأدباء وصحفيين، منهم حافظ باشا رمضان رئيس الحزب الوطنى، وصلاح الدين باشا وزير الخارجية بحكومة الوفد، وعبدالرحمن الرافعى، ويوسف وهبى، وأم كلثوم وفكرى أباظة، ومحمد عبدالوهاب، وأعقب ذلك حملة صحفية تدافع عن الفيلم قادها إحسان عبدالقدوس، وصلاح ذهنى، وجورج واصف، لكن الوضع بقى كما هو، وتضيف: «بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، ندب مجلس قيادة الثورة، البكباشى أنور السادات لمشاهدة الفيلم، فأثنى عليه، وصدرت الأوامر بالإفراج عنه».
وبدت وقائع معركة منعه ملخصة بعبارات محددة فى أفيش إعلانه المنشور بعدد «الكواكب» رقم 67 يوم 11 نوفمبر 1952، حيث استهل «الأفيش» دعايته بعبارة للكاتب مصطفى لطفى المنفلوطى وهى: «إذا كان لك ولد تحب أن تجعله رجلا، فاجعل بين يديه حياة مصطفى كامل ليتعلم منها الشجاعة والإقدام»، وأضاف الأفيش: «الفيلم الذى منعه العهد البائد ينتصر».