شعر الأقباط أن قبول واحد منهم، هو يوسف وهبة، تكليف الملك فؤاد يوم 21 نوفمبر 1919 بتشكيل الحكومة، والثورة مشتعلة منذ يوم 9 مارس 1919 هو لإيقاع الخلاف بين المسلمين والأقباط، وإثارة فتنة تقضى على وحدة الأمة، حسبما يذكر «عريان يوسف سعد» فى رسالة كتبها إلى الكاتب الصحفى مصطفى أمين ونشرها فى كتابه «الكتاب الممنوع، أسرار ثورة 1919»، مضيفا أنه على أثر ذلك قرر اغتيال «وهبة»
كان «عريان» طالبا بالسنة الثانية بكلية الطب، وعمره 20 عاما فهو من مواليد 25 مايو 1899، فى قرية ميت محسن، القريبة من مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وهو ابن يوسف سعد بك ناظر الوقف المسيحى فى «ميت غمر»، وترتيبه السادس بين إخوته، وتربى ونشأ فى ميت محسن ثم جاء إلى القاهرة لمواصلة تعليمه الثانوى فى المدرسة التوفيقية، ونتيجة تفوقه التحق بكلية الطب، ثم انضم إلى الجهاز السرى لثورة 1919.
يذكر فى رسالته إلى مصطفى أمين أنه قال لزميله محمد حفنى عضو الجهاز السرى للثورة إنه مستعد لاغتيال «وهبة»، ونقل «حفنى» رغبته إلى قيادة الجهاز، وعاد ليقول له: إن هذه العملية ستقوم بها خلية أخرى، فرد عريان: «من مصلحة الثورة أن قبطيا هو الذى يقتل رئيس الوزراء القبطى، حتى لا تتكرر الفتنة التى حدثت بين المسلمين والأقباط بعد أن قام إبراهيم الوردانى باغتيال رئيس الوزراء القبطى بطرس غالى باشا يوم 20 فبراير 1910.
وافق «الجهاز السرى» على وجهة نظر عريان يوسف، ويذكر: «أحضر الجهاز لى قنبلة يدوية سرقها من الجيش البريطانى، وأحضر غلاف قنبلة من صنع الجهاز، وطلبت قنبلتين، ولم يكن هناك جهاز للتدريب وقتها، وتولى محمد حفنى إطلاعى على كيفية استعمال القنبلة، ثم عاد فى يوم آخر وأخبرنى أن فرعا آخر فى الجهاز حصل على المعلومات عن مواعيد خروج رئيس الوزراء من داره، والشوارع التى يمر بها، وتم اختيار ميدان سليمان باشا - طلعت حرب الآن - لإلقاء القنبلة، وتحدد يوم 14 ديسمبر 1919 موعدا، وذهبت ولكن لم يحضر رئيس الوزراء».
ذهب عريان يوسف فى اليوم التالى، 15 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1919 إلى نفس المكان الذى ذهب إليه فى اليوم السابق، ويتذكر: «جلست فى حديقة قهوة ريش، ومعى قنبلتان ومسدسان، أخفيتهما فى جيوب الجاكتة تحت المعطف، وجلس زميلى محمد حفنى الطالب بكلية الطب على مقعد رخامى يحيط بتمثال سليمان باشا، فى مواجهة شارع قصر النيل، وكانت الإشارة المتفق عليها عند ظهور السيارة أن يقف صاحبى على قدميه، وينصرف بدون إعطاء أى إشارة حتى لا يلفت النظر، ومن الطريف أن مخبرا سريا كان يجلس بجواره فى ذلك الوقت، وعندما قدمت السيارة، ورأيت الإشارة تقدمت إلى منتصف الشارع، وألقيت القنبلتين على رئيس الوزراء».
تم القبض على «عريان» فى الحال، ويذكر: «أخذونى إلى مكتب رئيس الوزراء، وكان مضطربا، وجلس بجواره يحيى باشا إبراهيم وزير المعارف، ومحمود فخرى باشا محافظ القاهرة، وقال لى رئيس الوزراء: ليه يا شاطر بتعمل كده؟ قلت له: أنت خرجت على إجماع الأمة، لأن البطريرك طلب منك عدم تأليف الوزارة، وجاء لك وفد من الأقباط وطلب منك أن ترفض تأليف الوزارة، فرفضت مقابلته، وأرسلت لك برقيات من جميع الشعب ألا تؤلف الوزارة، وأنا أرسلت لك برقية باسم طلبة كلية الطب، ولكنك تحديت كل هؤلاء وألفت الوزارة».
رد رئيس الوزراء: «كيف عرفت أننى لا أعمل لمصلحة البلد؟» فأجاب عريان: «قرأت فى الأهرام برقية من رويترز أن جريدة «التايمز» ذكرت أن الوزارة المصرية الجديدة ستعمل على تحقيق الأمانى البريطانية فى مصر، والأمانى البريطانية فى مصر ليست هى الأمانى المصرية»، قال يوسف وهبة باشا: «لوكنت أنا مت، ألم يكن غيرى سيؤلف الوزارة؟»، قال عريان: «كنا سنقتله، كما حاولنا قتلك، قال رئيس الوزراء: ما اسمك؟ قلت: عريان يوسف سعد، قبطى، قال: طيب اتفضل».
أخذ البوليس سعد وبدأ التحقيق، ويذكر: «حاول المحققون أن يعرفوا شركائى، ولكنى رفضت أن أفتح فمى، وحكم على بالسجن عشر سنوات، وأفرج عنى سعد زغلول عام 1924 بعد توليه رئاسة الحكومة، وبعد الإفراج عنى، قابلت زميلى محمد حفنى، وإذا به سافر إلى ألمانيا وحصل على دبلوم الطب، وعين طبيبا فى الجيش المصرى برتبة ملازم أول، وقابلت شفيق منصر، حيث كان يجتمع جميع الفدائيين - أعضاء الجهاز السرى - بعد الإفراج عنهم، وقابلت محمد جلال الموظف بوزارة الزراعة، فروى لى أنه اشترك فى صناعة القنبلتين، وأن الدكتور أحمد ماهر رأى ألا توضع فى القنبلة الشحنة الكاملة من المفرقعات لأنه كان يرى عدم قتل رئيس الوزراء وإنما الاكتفاء بإرهابه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة