«لا طحين.. ولا كسرة خبز» أبسط متطلبات الاستمرار فى الحياة لم تعد موجودة داخل حدود القطاع المنكوب، فقط البطون الخاوية التى يعتصر الألم أحشاءها كل دقيقة، ففى قطاع غزة لم يعد النزوح والفرار من القصف الاسرائيلى الوحشى يعنى النجاة، فقسوة الجوع أصبحت أشد وطأة من المدافع والصواريخ، فى ظل رفض تل أبيب دخول المساعدات الإنسانية المتكدسة أمام معبر رفح فى حين يفصلها عن المحتاجين لها أمتار قليلة.
وأصبح الجوع سلاحا جديدا فى يد إسرائيل بعد أن فشلت فى كسر مقاومة الفلسطينيين داخل قطاع غزة، حيث لم يفلح معهم ما يقارب الـ70 يوما من القصف المستمر للمنازل والأحياء، خلفت 18 ألفًا و608 شهداء، بينما أصيب 50 ألفا، ولم يجبرهم الخوف من الموت على الرحيل وترك أرضهم كما كانت تخطط تل أبيب، وبعد معركة صمودهم ورفضهم التهجير القسرى وترك الأرض عمدت الحكومة الاسرائيلية إلى تجويعهم حتى الموت عليها تدفن القضية الفلسطينية تحت أنقاض غزة.
أرقام صادمة وروايات تدمى القلوب عجت بها وسائل التواصل الاجتماعى التى تأتينا بالاخبار من القطاع المحاصر، حيث قال برنامج الأغذية العالمى إن الجوع ينتشر بشكل واسع فى أنحاء قطاع غزة وإن الناس يشعرون بيأس متزايد فى محاولة إيجاد الغذاء لإطعام أسرهم، وأفاد البرنامج بتزايد حالات الجفاف وسوء التغذية بشكل متسارع فى القطاع.
ويظهر رصد أجراه البرنامج بالهواتف، أن ما بين 83 و97% من الأسر لا تستهلك ما يكفى من الطعام، وفى بعض المناطق ذكرت ما يصل إلى 90% من الأسر عدم تناول أى غذاء طيلة يوم وليلة كاملين، 18% من تلك الأسر مرت بتلك الظروف فى أكثر من 10 أيام خلال الشهر الماضى.
وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة إن اشتداد الجوع داخل القطاع يعود بشكل كبير إلى القتال الكثيف وما يفاقمه من شح الإمدادات الطبية الأساسية، والمياه والوقود والغذاء، وأضاف أن 14 فقط من مستشفيات غزة الـ36 ما زالت تعمل وإنْ كانت تقدم خدمات محدودة، منها مستشفيان صغيران فى الشمال و12 فى الجنوب.
وذكر أن 80 شاحنة تقل إمدادات إنسانية و69 ألف لتر من الوقود تدخلت من مصر إلى غزة بشكل شبه يومى، وأشار دوجاريك إلى أن ذلك يقل كثيرا عن المعدل اليومى المقدر بـ170 شاحنة و110 آلاف لتر من الوقود، التى دخلت إلى غزة خلال الهدنة الإنسانية فى الفترة بين 24 و30 نوفمبر، فى حين قبل السابع من أكتوبر كانت 500 شاحنة تدخل غزة يوميا أثناء أيام العمل من كل أسبوع.
وأعلنت وزارة الصحة فى قطاع غزة، أن «العدوان الإسرائيلى ضد المنظومة الصحية أدى لاستشهاد 300 كادر صحى، وتدمير 102 سيارة إسعاف»، وأبدت الوزارة خشيتها من وفاة 12 طفلًا موجودين فى عناية الأطفال؛ نتيجة تركهم بلا حليب وبدون أجهزة دعم الحياة.
ولفتت إلى أن الاحتلال ما زال يُشدد حصار واستهداف مستشفى العودة، ويمنع عنها الماء والطعام والكهرباء، ويمنع وصول الجرحى والمرضى إليها، وحذرت وزارة الصحة من نفاد تطعيمات الأطفال، مؤكدة أنها «نفدت بالكامل مما سيتسبب بانعكاسات صحية كارثية على صحة الأطفال وانتشار الأمراض»، وخاصة بين النازحين فى مراكز الإيواء المكتظة.
ودعت الوزارة، المؤسسات الأممية لـ«سرعة التدخل» وتوفير التطعيمات اللازمة، وضمان وصولها لكل مناطق قطاع غزة لمنع الكارثة، مشيرة إلى انتشار الأوبئة وعدم توفر المياه النظيفة، حيث رصدت الطواقم الصحية 327 ألف حالة مصابة بالأمراض المعدية، وصلت للمراكز الصحية من مراكز الإيواء، وهذا العدد هو الذى استطاع الوصول للمراكز الصحية مرجة أن يكون العدد أكثر من ذلك بكثير.
إسرائيل تنفذ بشكل حرفى «خطة الجوع» التى لجأ لها النازيون إبان الحرب العالمية الثانية، حيث قام الجيش النازى بمنع الطعام من الاتحاد السوفييتى وإعطائها للجنود الألمان والشعب أيضا، وقد نتج عن هذه الخطة موت الملايين من الجوع، وأيضا عملية باربوسا عام 1941 والتى تسببت فى غزو الاتحاد السوفييتى، وكان الهدف من تلك الخطة هو الدعم الحربى والحفاظ على الأسلوب المتبع للحصول على الطعام من الأراضى المحتلة بأى ثمن، لقد كانت مجاعة مهندسة، مخططة ومنفذة كسياسة.
واليوم وبعد مرور أكثر من ستة عقود على خطة الجوع النازية، لجأت تل أبيب إلى نفس الخطة لتتخلص من الشعب الفلسطينى واستخدام التجويع كسلاح مدمر ضد المدنيين، وقبل أيام قليلة على مسمع ومرأى العالم أجمع ماتت «شهيدة الجوع» جنى قديح الطفلة البالغة من العمر 15 عاما، بسبب فرض حصار على بلدتها منعت خلالها دخول الطعام، والتى نجت من الموت نتيجة القصف ونزحت مع عائلتها لمدرسة الطيبة فى بلدة عبسان جنوب قطاع غزه المحاصر.
وقال برنامج الأغذية العالمى إن الجوع ينتشر بشكل واسع فى أنحاء قطاع غزة وإن الناس يشعرون بيأس متزايد فى محاولة إيجاد الغذاء لإطعام أسرهم، وأفاد البرنامج بتزايد حالات الجفاف وسوء التغذية بشكل متسارع فى القطاع.
على صعيد آخر، ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن قدرة الأمم المتحدة على استقبال شحنات المساعدات قُوضت بشدة خلال الأيام السبعة الماضية بسبب عدة عوامل منها قلة عدد الشاحنات داخل غزة مع عدم قدرة بعضها على التحرك من المناطق الوسطى التى عُزلت عن الجنوب، ومن العوامل الأخرى انقطاع الاتصالات، وزيادة عدد الموظفين غير القادرين على التوجه إلى معبر رفح بسبب الأعمال القتالية.
وأعلنت الأمم المتحدة أن مساعدات إنسانية محدودة فقط تدخل إلى مدينة رفح فى جنوب قطاع غزة، بسبب القتال الكثيف، وقالت إن جميع خدمات الاتصالات توقفت بسبب انقطاع خطوط الألياف الضوئية الرئيسية.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن متوسط الشاحنات التى تدخل القطاع بشكل يومى حوالى 100 شاحنة مساعدات محملة بالإمدادات الإنسانية و69 ألف لتر من الوقود، مشددا على أن «هذا أقل بكثير من المتوسط اليومى البالغ 170 شاحنة و110 آلاف لتر من الوقود التى دخلت غزة خلال الهدنة».
وأضافت أن هذا لا يعنى السماح لشاحنات المساعدات بالعبور إلى غزة فحسب، وإنما كذلك تمكين العاملين فى المجال الإنسانى من تقديم المساعدة لجميع من يحتاجون إليها.وشددت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فى الأرض الفلسطينية المحتلة على أن قطاع المساعدات يحتاج إلى العمل جنبا إلى جنب مع القطاع العام والقطاع التجارى «كما نفعل فى أى مكان آخر فى العالم» لدعم سكان غزة بشكل صحيح.
وأضافت «نحن بحاجة إلى أن تكون الأسواق مفتوحة»، وأن تأتى السلع التجارية حتى يمكن تجنب أزمة سوء التغذية.
وكما ذكرت المنسقة فإن اسرائيل مسؤولة عن حماية المدنيين، ويحظر القانون الدولى الإنسانى استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وتحظر المادة 14 من البروتوكول الإضافى الثانى استخدام «التجويع كأسلوب من أساليب الحرب» فى النزاعات المسلحة غير الدولية.
ويعد استخدام التجويع كأسلوب حرب، جريمةً من جرائم الحرب. وكما هو معترف به من خلال المادة 8 (2) (هـ) (19) من نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، بالإضافة إلى السلوك الذى تحظره المادة 14 من البروتوكول الإضافى الثانى، فإن إعاقة إمدادات الإغاثة الإنسانية بشكل متعمّد قد يشكل أيضا جريمة الحرب المتمثلة بالتجويع.