كثيرا ما يخدع الإنسان نفسه هروبا من تأنيب الضمير، أو لعمل لا شك فيه أنه معيب، ولكنه ضعفه أمام نفسه وأهوائه، يجعل ذهنه يتفتق بمبررات، لينال ما يريد ويحصل عليه، فيُلقي اللوم مثلاً على الأخرين، في سلوكه الغير متزن، حتى يفعله ولو أن الناس تفعل لما فعل وفي الحقيقة إن هؤلاء الناس لا أخلاق لهم، وإنما يخدعون أنفسهم مثله، في اقتراف ما يريدون، من أعمال مشينة فمتى يقبل الإنسان على الشر؟ إن لم يكن هناك في النفس ما يردعها عن عمل الشر، فكل عمل خيري تفعله إنما هو نتيجة الخوف أو العقاب فإذا آمن الخوف، ونزول العقاب به، فلا يتردد في مقارفة الشر والإنغماس فيه، فكثير ممن لا يقترفون الشر ليس عن واعز أخلاقي يأمرهم به، إنما خشية العقاب، هو ما يصدهم عنه.
والحقيقة إنه لا يخلو إنسان من الصفات الخيرة، كما إنه لا يخلو من الصفات السيئة، ولكن أصحاب الطبائع السليمة، والأخلاق الطيبة، لا تندفع وراء السيء منها، وإنما هي تفر منها وتهملها، ولا تلقي لها بالا، ولا تنتفع بها، وإنما هي توسع رقعة المسامحة والعفو والغفران، ولا تنساق بلا عقل، ولا روية، وراء نزعات وأهواء، غالبا ما تفضي إلى الشر المحض، إذا أغلب الناس يميل إليه، مقيد من نفسه الشريرة وراء تدمير ما فيه من خير.
أما إذا دفع ذلك الشر بالمحبة، فهو يضيق منافذ الشر، حتى تتقلص ومع الأيام تنزوي ولا يكون لها نصيب منه، فينتصر على ما فيه من شر، ليكون الخير هو القائد الذي يقود مسيرة الإنسان، إلى كل ما هو نافع لبني جنسه، ويجعل الإنسان من نفسه بوصلة، ترشده إن هو حاد عن الطريق، الذي يرغب في السير فيه وسلوكه، أن تقف به عند الحدود المرسومة، أن تشير إلى ما ينبغي أن يفعل، أن يرى الخطأ والصواب، وأن يقف ليصحح أخطأه أن يوجه ميل نفسه إلى الصحيح من المواقف، أن يردعها عن الخطأ، فلا تعود تقترفه، ....قوة الشعور في الإنسان عند مجابهة الباطل، ليست دليل على صدق سريرته، إذا ربما يكون هذا الشعور الجارف في مجابهة الباطل، دليل إخفاء ذلك الباطل فيك، فيكون الهجوم لإبعاد الشبه عنك في إعتناقه، وسلوك شعابه، فالتطرف في كل شيء مضر إلى حد إعتناق ما تهاجم وأنت لا تدري في سريرتك، وإنك تجهل نفسك كما يجهلك الأخرون، ولا تفهمها كما تختبأ عند الأخرين الحقيقة الصادمة.