قبل 70 سنة من الآن، كانت منطقة كرموز بالإسكندرية، على موعد مع حدث كبير، فـ"سفاح كرموز" في طريقه لحبل المشنقة، بعد ارتكابه عشرات من جرائم القتل في حق السيدات لسرقة مجوهراتهن.
السفاح
مسرح الجريمة
هنا مسرح جريمة "السفاح" داخل "شونة" للحبوب بمنطقة كرموز، تلك المنطقة التي تقع في وسط الإسكندرية، وهي منطقة شعبية بها عدة معالم سياحية أهما "عمود السواري"، مكان تل معبد السرابيوم القديم الذي انشيء خلال العصر الرومانى حوالى عام 292 م احتفالا بقدوم دقلديانوس مصر، كما يوجد بها "مقابر كوم الشقافة" الأثرية، وترجع أيضا للعصر الرومانى بالمدينة، فضلا عن سوق "الساعة" حيث يكثر هناك محلات بيع الاقمشة والمفروشات والملابس النسائية.
منطقة كرموز التي اختلفوا على سبب تسميتها، حيث الأرجح أن اسمها مشتق من "كرموس" وهو ما يعني باليوناني "التين"، حيث كان يكثر زراعته بها، قدم إليها "سعد إسكندر" الشهير بـ"سفاح كرموز" قادما من الجنوب، وتحديدا من محافظة أسيوط.
سعد اسكندر
وبمحافظة أسيوط، ولد "سعد إسكندر" سنة 1911، وعاش في كنف شقيقه الثري، الذي كان يعمل في مجال تجارة الحبوب، فكان ثريا محبوبا بين الناس، لكن "سعد" كان على النقيض منه تماما، فقد عاش حياة مليئة بـ"الشقاوة، والفهلوة"، حتى تعرف على سيدة ثرية تزوج منها، وطمع في مجوهراتها فقتلها وهرب للاسكندرية خوفا من الملاحقات القانونية.
رحلة من الصعيد لكرموز
استقر الحال بـ"سعد" في كرموز أقدم المدن بعروس البحر المتوسط، التي يحدها جنوبا بحيرة مريوط ومن ناحية الشرق حى "محرم بك" المتلاصق معها ويحدها من الشمال حي "اللبان" و"العطارين".
القبض على سفاح كرموز
العنف بات أسلوب حياة لـ"سعد" الذي بدأ بعد ذلك سلسلة جرائم متتالية، حيث قتل سيدة في التسعين من عمرها تدعى "بمبة" وسرقة أموالها، وشرع في قتل فتاة تدعى "قطقوطة" شاهدته ينفذ جريمته، لكنها أفلتت من القتل وأبلغت عنه، ليتم القبض عليه، لكن دهاء محاميه نجح في الإفلات به.
لم يتوقف "سعد" عن جرائمه، حيث ارتكب العديد من الجرائم، وأصبحت هناك صعوبة في القبض عليه، حيث كان يعرف رجال الشرطة بالإسكندرية جيدا، من لهجتهم "الاسكندرانية"، ويجيد القفز أعلى أسطح العقارات لدى مداهمته، حتى كانت "الخطة الحاسمة" التي أنهت أسطورة السفاح.
النقيب عبد الحميد محمود
اللهجة الصعيدية السر
ضابط يتحدث باللهجة الصعيدية يرتدي جلباب صعيدي ويتم الزج به بمنطقة كرموز للتعامل مع السفاح تمهيدا لالقاء القبض عليه، كانت هذه خطة الشرطة لاسقاط السفاح، حيث تم الاستعانة بقوة من محافظتي سوهاج وقنا برئاسة النقيب عبد الحميد محمود الذي نجح في المهمة حتى أوصل السفاح لحبل المشنقة.
اللواء رفعت عبد الحميد مع الزميل محمود عبد الراضي
الأمر لم سهلا، هكذا تحدث اللواء رفعت عبد الحميد، ابن النقيب عبد الحميد محمود الذي قبض على السفاح، قائلا:" السفاح كان ذكيا للغاية، ولديه دهاء كبير جعل عملية القبض عليه من الصعوبة بمكان، فقد ارتكب نحو 22 جريمة قتل ما بين سيدات ورجال لسرقتهم، حيث كان يعتمد على "وسامته" لاستقطاب السيدات الضحايا قبل قتلهن.
نهاية أسطورة الجريمة
وعن لحظة القبض على السفاح يقول اللواء رفعت عبد الحميد في حديثه لـ"اليوم السابع"، ارتدى والدي الجلباب الصعيدي مع القوة المرافقة له، وذهبوا لـ"شونة السفاح" لشراء الحبوب وسداد "عربون"، فاطمأن عمال "الشونة"، وجرى ترتيب لقاء آخر، حيث حضر "سعد" بنفسه، ليتم القبض عليه ويعلن رجال الشرطة عن هويتهم، ويقتاد "النقيب عبد الحميد" بالملابس الميري، السفاح نحو المحكمة، حيث كان يتوارى بعيدا عن كاميرات الصحفيين، لتتعاقب جلسات محاكمته ويصدر ضده حكما بالاعدام، تم تنفيذه في 25 فبراير 1953، ليعود الهدوء مجددا لمنطقة كرموز.
السفاح في القفص
هنا في كرموز، ربما لا يتذكر كثيرون تفاصيل جرائم السفاح التي دارت في هذه المنطقة، حيث يقول "محمد مصطفى" أحد قاطني المنطقة، إن قصص السفاح كثيرة ومثيرة وكأنها دربا من الخيال، مازال البعض يتجاذبها هنا، حيث تحولت المنطقة تماما الآن، وباتت أكثر هدوءًا وتحولت منطقة للتجارة وبيع الملابس.
"لا أحد يكاد يصدق أن السفاح عاش هنا"، هكذا قال "محمود عبد الرحمن" أحد سكان المنطقة، مؤكدا أن هذه الوقائع مرت عليها سنوات طويلة، وربما يكون الرغبة في جمع المال والتسلسل في القتل وراء ظهور هذا السفاح الذي روع الآمنيين وقتها ردحا من الزمان، قبل أن يسقط في قبضة العدالة، ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجرائم، وتصبح قصته "حكاية" نسردها للأجيال الجديدة ليتعلموا من دروس الماضي ويتأكدوا أن طريق الشر نهايته معروفة، بينما طريق الخير باق ومتصل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة