اهتم المصري القديم بالحياة الأخرى، وكرس وقتا وجهدا عظيما للأمور الخاصة بالحياة بعد الموت أكثرَ من أي شعب آخر في العصور القديمة، ودل على ذلك كثرة النصوص الجنائزية بما أشارت إليه من احتفالات جنائزية حرص المصري القديم على القيام بها، وتزويده للمتوفى بالطعام والشراب والأثاث الجنائزى والمتاع الذي بدونه لا يستطيع أن يحيا مرةً أخرى في عالَمه الآخر.
وفى كتاب الأواني الحجرية بين الفن والتوظيف لزينب عبد التواب رياض تقول: دأب المصري القديم على الاهتمام الشديد بالاحتفال بدفن الموتى؛ إذ اعتقد أن سعادة الشخص المُتوفَّى في المستقبل تتوقف على هذا الاحتفال، وعلى المعتقدات المرتبطة بالطقوس، وتشتمل هذه الطقوس على بعض ممارسات التطهير وتقديم القُربان. وكان أهم جوانب هذا الاحتفال هو لمس الفم بقدُّوم صغير، فبهذه الطريقة كما يعتقدون تتجدَّد الحياة لجميع قُدرات الجسد.
فشعيرة فتح الفم تُعدُّ شعيرةً هامة جدًّا في الخدمة الجنائزية، وهي طقسه كان يمنح المُتوفَّى بها القُدرة على استخدام فمه للكلام والاستفادة من قرابين الطعام والشراب المُقدَّمة إليه، وهذا الطقس كان يتمُّ خلال عصر الدولة القديمة بأوانٍ خاصة بصبِّ الماء أو السوائل الخاصة بالتطهير، وعن طريق الطقوس والتعاويذ السحرية المُصاحِبة لهذه الشعيرة، يبعث المُتوفَّى مرةً أخرى ويُمنح القدرة على الحياة.
وكانت تلك الطقسة تؤدَّى غالبًا على تمثال للمُتوفَّى، ثُم صار من المعتاد منذ نهاية الأسرة الثامنة أن تُستبدَل المومياء الفعلية بالتمثال، فكانت المومياء توضَع في تابوت مُشكَّل على هيئة الإنسان، وتوضَع بشكلٍ عمودي عند مدخل المقبرة ويُمسكها كاهن مُتنكِّر في صورة ابن آوى مُتقمِّصًا شخصية الإله أنوبيس ثم يقوم كاهنان يعرفان ﺑ «كاهن السم» و«الابن الذي يُحبُّه» بلمس فم المومياء بأدواتٍ مختلفة، شُكِّل بعضها بصورة الإزميل أو المِنحات، وتمائم أخرى، وبذلك يستعيد المُتوفَّى حواسَّه بواسطة تلك الشعيرة الرمزية.
وهناك من الباحثين من يرى أن الطقسة تعود للعصر العتيق، فإنها تُمثل جزءًا من طقسةٍ مُوغِلة في القِدَم، وذلك بناءً على أدواتٍ عُثر عليها تُشبِه أدواتها، إلا أنَّنا قد عهِدْنا أقدم الحديث عن تلك الطقسة بالنسبة للملوك في نصوص الأهرام حيث ذُكِرت في مواضع وعباراتٍ مختلفة، وفي قبور الأفراد، وذلك كما في مقبرة «متن» والتي ترجع إلى عصر الأسرة الرابعة.
وقد عُثر بالفعل على لوحاتٍ حجرية حُفرت بها أماكن لتُوضَع بها أوانٍ وأدوات طقسة فتح الفم، والتي تُعرف ﺑ «طاقم فتح الفم» وذُكِرت هذه الأدوات ضمن قوائم أدوات المعبد في المعبد الجنائزي لنفرايركارع في أبو صير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة