كان وزير الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر يفكر فيما سمعه من الرئيس السادات فى اجتماعهما فى «قصر الطاهرة» بالقاهرة يوم 7 نوفمبر 1973.
كانت زيارة كيسنجر هى الأولى له لمصر، وكانت بعد أيام من وقف إطلاق النار على جبهات القتال بين مصر وسوريا ضد إسرائيل فى حرب6 أكتوبر 1973، التى شهدت قرارا عربيا بحظر تصدير البترول إلى أمريكا والدول الغربية المؤيدة لإسرائيل، ووفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 1973 - السلاح والسياسة»، فإن بحث قرار الحظر كان من أهم القضايا التى أثيرت فى لقاء كيسنجر والسادات.
قال كيسنجر للسادات: «الموضوع الذى يجب أن تراجعوا أنفسكم فيه جديا هو حظر البترول، فالولايات المتحدة لن تقبل اقتصاديا أو سياسيا أو أدبيا أن يحدث تمييز ضدها، خصوصا بشأن مادة حيوية مثل البترول، وإذا استمر الحظر على أمريكا فإن الشعب الأمريكى سوف ينسى الحرب وأطرافها، سواء فى ذلك العرب وإسرائيل، وسوف يتذكر فقط طوابير الرافضين أمام محطات البنزين، وساعتها سوف ينصب غضبه كله عليكم، عليكم أن تفهموا أن حظر البترول يسبب لنا وجعا، لكنه جرح ينزف».
وأوضح «كيسنجر» بكلمات لا تخلو من تهديد: «هناك أصوات كثيرة تطالبنا باحتلال منابع البترول أو بعضها - أبو ظبى مثلا - بالقوة، ووزارة الدفاع أعدت خططا بالفعل لمثل هذه الطوارئ، وحتى الآن فأنا أتخذ موقف المعارضة من هذه الخطط، لكنه ستجئ لحظة أضطر فيها إلى رفع الفيتو الذى أضعه حتى الآن على إمكانية العمل العسكرى، إن احتكار الطاقة لن يظل معكم لزمن طويل، وفيما بين خمس وعشر سنوات فإننا سوف نتوصل إلى بدائل أخرى للبترول، والأفضل لكم ألا تستغلوا وضعكم الاحتكارى الراهن دون نظر للمستقبل».
أثار «كيسنجر» القضية فى زيارة «7 نوفمبر»، ثم بعث بخطاب بخصوصها إلى الرئيس السادات فى 28 ديسمبر 1973، مثل هذا اليوم، 1973، ويأتى «هيكل» به فى كتاب «حرب الخليج وأوهام القوة والنصر» ونصه هو:
«عزيزى الرئيس: «إنك تتذكر أننا فى اجتماعنا الأخير ناقشنا كل جوانب الموقف بما فى ذلك ضرورة رفع الحظر البترولى على الولايات المتحدة، وحينما تحدثنا فى هذا الشأن فإننى منعت نفسى من أن أسألكم مباشرة، وبشكل قاطع أن تقوموا بالعمل على رفع الحظر، وقد فضلت أن أبدأ أولا بمناقشة تفاصيل مسألة فك الاشتباك بين مصر وإسرائيل، ولقد فعلت ذلك الآن أثناء زيارتى للقدس، وسوف أقابل ديان فى الأسبوع القادم لمزيد من المناقشات حول هذا الموضوع، ولهذا فأنا أسمح لنفسى أن أعود الآن لأناقش معك موضوع البترول، إننى أقول لك بمنتهى الصراحة إن استمرار الحظر على الولايات المتحدة يدعونى إلى التساؤل عما إذا كان فى استطاعتى أن أقوم بالدور الذى يمكن أن أقوم به فى المسائل التى ناقشناها أنا وأنت باستفاضة، وأعتقد أنه فى مصلحتنا المشتركة أن نبدأ سويا السير على الخط السياسى الجديد الذى ناقشناه معا فى اجتماعنا، وأنا على استعداد لذلك، ولكنى لا أستطيع طالما أن الحظر قائم يمس بالمصالح الجوهرية للسياسة الأمريكية وبهيبة الرئيس نيكسون».
فى نفس اليوم كان الرئيس السادات يتلقى خطابا من الرئيس نيكسون، يقول فيه: «يا عزيزى الرئيس إنه ما لم يرفع الحظر، وما لم ترفع القيود الموضوعة على إنتاج البترول فلن يكون فى وسعى عمل شىء».
رد السادات على كيسنجر ونيكسون، وفى رده على نيكسون قال: «بذلت كل جهد فى استطاعتى لرفع هذا التمييز ضد الولايات المتحدة، واتصلت بالملك فيصل كما اتصلت بالبحرين وأبو ظبى وقطر وكلهم وافقوا، كما وافقت الكويت وإن كانوا يأملون أن تتمكنوا أثناء حديثكم المنتظر إلى الكونجرس من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ملتزمة بالتطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن، وهم فى الكويت يريدون ذلك لأن هناك جالية كبيرة من الفلسطينيين تعيش فيها، وسوف أبعث بمسؤول خاص إلى الجزائر، ولا أتوقع أن يقفوا فى طريق رفع الحظر، وأثق أن وزراء البترول العرب الذين سيجتمعون فى طرابلس يوم 14 فبراير 1974 سيعطون التأييد الرسمى لقرار رفع الحظر، وسيتقدم وزير البترول المصرى بمشروع الاقتراح رسميا فى هذا الاجتماع»، وهذا ما حدث وتم رفع الحظر بعد أن قال البترول العربى كلمته للمرة الأولى والأخيرة فى هذه الحرب، حرب أكتوبر 1973.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة