تمثل المشاركة الكبيرة من قبل المصريين في الخارج، أهمية كبيرة للغاية، تتجاوز في جوهرها مجرد إضفاء الشرعية للعرس الديمقراطي، وإنما تحمل في طياتها أبعادا أوسع نطاقا، تتجسد في الظرف الزمنى للانتخابات الرئاسية، في ظل تزامنها مع العديد من الأحداث والمستجدات الدولية والإقليمية، وفي القلب منها العدوان الوحشي، الذي يشهده غزة منذ ما يقرب من شهرين، والتعامل الناجع من قبل الدبلوماسية المصرية، في مختلف مراحلها إلى الحد الذي تغير معه الخطاب الغربي مع الأزمة، مما أضفى المزيد من الزخم على القضية الفلسطينية برمتها وإعادتها إلى قمة أولويات الأجندة الدولية، وهو ما بدا بوضوح في حديث عدة دول في المعسكر الغربي عن ضرورة الاعتراف بدولة فلسطين.
وبالنظر إلى المشاركة الكبيرة للمصريين بالخارج في الأحداث الانتخابية، تبدو مرتبطة بالعديد من المسارات، ربما أبرزها الظروف التي يشهدها الداخل المصري، على غرار انتخابات الرئاسة في 2014، والتي تعد الأولى من نوعها في أعقاب ثورة الـ30 من يونيو، والتي شكل فيها تكالب المصريين في مختلف سفارات العالم للمشاركة في العملية الانتخابية تعزيزا للشرعية الثورية، في لحظة دولية فارقة بالنسبة للدولة المصرية، جراء العديد من المحاولات التي قادتها قوى دولية كبرى للالتفاف حول إرادة الملايين الذين احتشدوا بالشوارع والميادين، ليس في مصر وحدها وإنما في كافة عواصم العالم للمطالبة باستعادة الدولة من براثن الإرهاب والفوضى، بينما ارتبطت في مسار آخر، بمباركة الخطوات التي اتخذتها الدولة في الداخل، عبر مشروعاتها التنموية، وقدرتها على مجابهة الظروف والتحديات العالمية من خلال عملية إصلاحية منتظمة المسار، وهو ما بدا في انتخابات الرئاسة في عام 2018، في حين كان المسار الثالث مرتبطا بالمستجدات الدولية على غرار الأحداث في غزة، كما هو الحال في الانتخابات الراهنة.
ولعل الحرص الكبير من قبل المصريين المغتربين بالخارج على المشاركة في الانتخابات الرئاسية، يمثل في جوهره، إضفاءً للشرعية التي تحظى بها الدولة ومؤسساتها، في اللحظات الحاسمة، وأبرزها اللحظة الراهنة، التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن أرض مصر مازالت مطمعا، وهو ما بدا في الدعوات المشبوهة التي تبناها الاحتلال الإسرائيلي بتهجير أهالي غزة من أراضيهم، وهو ما يعكس محاولة لتصدير الفوضى لدول الجوار، وفي القلب منها مصر، وبالتالي تبقى الحاجة الملحة إلى تعزيز قبضة الدولة، وقدرتها على فرض سيطرتها في مواجهة عالم مرتبك، وقد بدا ارتباكه واضحا في مختلف مراحل الأزمة منذ اندلاعها في السابع من أكتوبر الماضي، خاصة مع دعمه المطلق لرؤى الاحتلال تحت ذريعة الدفاع عن النفس، وإن كانت تغيرت تلك الرؤية العالمية تدريجيا بعد ذلك بفضل جهود الدبلوماسية المصرية.
وهنا تصبح المشاركة الكبيرة لأبناء الجاليات المصرية في الانتخابات الرئاسية، لا تتجسد فقط في كونها تعزيزا للداخل، وإنما في واقع الأمر تقدم رسالة للعالم، مفادها أن المصريين في كل مكان على وجه البسيطة، يدعمون الدولة، وقراراتها، وأرضها، وأولوياتها، وهو ما يضفي المزيد من الشرعية الدولية، في ظل التحول من الهشاشة التي هيمنت على القاعدة الشعبية، مع بداية العقد الماضي، إبان ما يسمى بـ"الربيع العربي"، قد ساهمت بجلاء في الانزلاق بالبلاد والعباد إلى مستنقع الفوضى، كاد أن يسقط بهم إلى الهاوية، لولا خروج المصريين في 30 يونيو، لاستعادة زمام الأمور مجددا وإحياء الدولة بعد سبات عميق تجاوز العامين.
وفي الواقع، فإن المصريين المغتربين في الخارج كانوا أحد أهم محاور اهتمام الدولة المصرية في السنوات العشر الأخيرة، وهو ما يمثل أحد أهم "دوائر التمكين" التي أرستها "الجمهورية الجديدة"، منذ ميلادها، والتي شملت العديد من القطاعات، بدءً من الشباب والمرأة وذوي الهمم وغيرهم، وهي القطاعات التي عانت تهميشا ملموسا لعقود طويلة من الزمن، وهو ما بدا في العديد من المبادرات التي أطلقتها الدولة وحرصت على إشراكهم بها، ليكونوا مساهمين حقيقيين في وتيرة التنموية التي انطلقت، منها مبادرة "أتكلم عربي"، والتي تهدف إلى تعزيز انتماء أبناء المصريين بالخارج لبلدهم والحفاظ على هويتهم الوطنية، وأخرى لتعزيز التواصل بين الدولة ومواطنيها في الخارج، ناهيك عن مبادرة "إحياء الجذور" والتي أطلقتها مصر بالمشاركة مع اليونان وقبرص بهدف تعميق التواصل بين أصحاب الأصول المصرية مع وطنهم الأصلي.
وركزت الدولة المصرية على إضفاء غطاء من الحماية لمواطنيها المقيمين في مناطق الأزمات، على غرار أوكرانيا، وهو ما يبدو في التواصل المستمر مع المصريين في أوكرانيا وإعادتهم إلى بلادهم، وتوفير فرص دراسة للطلبة القادمين من هناك، وهو ما يعكس اهتماما غير مسبوق بأحوالهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة