شريف حتيتة أحد أهم النقاد المتمكنين المبشرين بكل وعود التميز في عالم النقد الأدبي، لا عالم النقد الروائي فحسب، وإن كانت الرواية عشقه الأول وانتماءه الأثير وفضاءه الأرحب الذي يمارس فيه التأمل والتفكير و التفسير والتحليل.
وإذا كان النقد الأدبي في أغلب ممارساته لدينا يعيش أزمة واضحة تتجلي في استقطابه الحاد بين الأكاديمية المفرطة في التعالي والانعزال عن واقع الحياة الأدبية المتحرك الفوار من ناحية، والمتابعات الصحفية السطحية المتعجلة من ناحية أخرى، فإن هناك نماذج مبشرة لنقاد شباب قادرين على كسر ذلك الاستقطاب، والانفلات من عباءة الأكاديمية الضيقة التي تبالغ في الالتفاف حول نفسها كراقصي التنورة، وعدم الاندياح وراء مقتضيات السهولة الصحفية المغرية بسرعة التواصل والطمع في شهرة مبتذلة زائفة.
وأظن أن شريف حتيتة بما يمتلكه من أدوات النقد الحديث وتتبعه لمناهجه الحداثية وإلمامه باتجاهات الرواية الجديدة وانخراطه في الحياة الأدبية بدأب واهتمام لافت،حضورا ومشاركة، وكتابة، هو أحد أبرز الأصوات النقدية الصاعدة بقوة لمحاولة تجسير الفجوة بين الإبداع المتدفق والنقد المتراجع.
كل تلك الأفكار قفزت إلى ذهني وأنا أطالع كتابه الرصين الممتع " النول والمغزل" سوسيولوجيا المتخيل السردي.
إذ لفت انتباهي ذلك النزوع النقدي الذي يستشرف العلائق بين المتخيل السردي الروائي وبنية المجتمعات العربية ورغبته في تثمين فكرة الالتزام بقضايا الهوية والانتماء -دون أن يصرح بذلك بالطبع- واحتفائه برهان الرواية العربية لتظل مستودعا للأحداث التاريخية الفارقه بتجلياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية مع وعيه المرهف بفردية التخيبل المسيج بنول الواقع الاجتماعي وخصوصية الأبنية السردية المغزولة بخيوط الالتزام الاجتماعي.
وهو حين يستحضر كبار النقاد في ذلك السياق المنهجي ذي النزعة الاجتماعية، كمحمود أمين العالم ويمني العيد لا يستدعيهم لكي يمشي في طرقهم المألوفة بل ليحفر لرؤيته النقدية مسارا خاصا لا يتنكر للكبار بقدر ما يؤكد حضورهم والطموح إلى مجاوزتهم في آن، من خلال مقاربة الأعمال الروائية المتميزة الصادرة حديثا، عبر ثلاثة فصول، يعنى أولها بالمتخيل السردي على مستويات ثلاثة هي المرجع والموضوع والخطاب، ويهتم ثانيها بالتمثيلات الاجتماعية المتجلية في الدين والثقافة والجسد وتمثيلات المهمشين،
ويختص ثالثها بجماليات المتخيل السردي من تذويت ذاتي وغيري، وشعرية تجاور، وتعدد أصوات ونوافذ بديلة للبوح، وجماليات للقبح واستلهام للأسطورة، وتوظيف المكان بحسبانه جمالية اجتماعية.
كل ذلك في كتاب يجمع في دفتيه بين خصوصية التناول والاهتمام بالمراجع، بين الانتماء الاجتماعي والتشكيل الجمالي، بين الرصانة المنهجية وحيويةا لواقع الروائي الحديث، ليعكس شريف حتيتة في نوله ومغزله نموذجا نقديا منضبطا يسعى إلى المعرفة الجادة بقدر ما يغازل الجمال المتجدد.