سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 30 ديسمبر 1948.. إسرائيل ترسل إلى الملك فاروق أول مشروع صداقة مع مصر عن طريق رئيس ديوانه إبراهيم عبدالهادى باشا

السبت، 30 ديسمبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 30 ديسمبر 1948.. إسرائيل ترسل إلى الملك فاروق أول مشروع صداقة مع مصر عن طريق رئيس ديوانه إبراهيم عبدالهادى باشا الملك فاروق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تلقى الدكتور محمد حسين هيكل باشا، رئيس مجلس الشيوخ المصرى، مظروفا مغلقا بمقر إقامته فى فندق لوتسيا بباريس، أثناء مشاركته فى اجتماع اللجنة التنفيذية للبرلمان الدولى، حسبما يذكر فى الجزء الثالث من مذكراته «مذكرات فى السياسة المصرية »، مضيفا أن المظروف كان يحتوى على مشروع لمعاهدة صداقة قدمته إسرائيل إلى الملك فاروق عبر إبراهيم عبدالهادى باشا، رئيس الديوان الملكى، قبل أن يكلفه الملك برئاسة الحكومة خلفا للنقراشى باشا، الذى اغتالته جماعة الإخوان يوم 28 ديسمبر 1948. 
 
جاء هذا التحرك بعد شهور من قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وإعلان تأسيس دولة إسرائيل، وكان هيكل باشا فى باريس لحضور اجتماعات اللجنة التنفيذية لاتحاد البرلمان الدولى، ويكشف أنه التقى بشابين إسرائيليين سبق أحدهما اتصل به أثناء وجوده فى روما لاجتماع سابق للبرلمان الدولى، وألح على مقابلته لإقناعه بلقاء الياهو ساسون، الموظف الكبير بوزارة الخارجية الإسرائيلية.
 
استهدف الإلحاح الإسرائيلى على لقاء هيكل باشا جس النبض لإمكانية عقد معاهدة سلام مع مصر بشكل خاص، ويذكر هيكل باشا أن ساسون حين قابله قال له: «أصارحك بأننا لا نعنى من الدول العربية بغير مصر، وحريصون على إقامة العلاقات بيننا وبينها».
 
كانت باريس هى المحطة الثانية فى محاولات إسرائيل للاتصال بهيكل باشا، وفيها التقى بالشابين الإسرائيليين، ويكشف أنهما أخبراه بأن إسرائيل قدمت لمصر ما تعتقده الأساس الصالح لعلاقتهما فى المستقبل، وذلك فى مشروع معاهدة مودة وصداقة، وأن هذا المشروع أبلغ إلى إبراهيم عبدالهادى باشا وهو فى رياسة الديوان، ولم تتلقى إسرائيل ردا، ويذكر هيكل باشا أنه سأل الشابين إذا كانت لديهما صورة من هذا المشروع، فوعدا بإرسالها صبح الغد  «30 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1948 » وبالفعل تلقى مظروفا به.  
 
قرأ هيكل باشا المشروع، ويؤكد: «تولانى أشد العجب، لقد صيغ على غرار المعاهدة المصرية البريطانية سنة 1936، لكن إسرائيل تملى فيه على مصر ما هو أقسى مما ورد فى معاهدة 1936، فالدولتان الساميتان المتعاقدتان، مصر وإسرائيل، يجب ألا تتخذ أيهما سياسة فى البلاد الأخرى تناقض سياسة الدولة الأخرى، ويجب أن تقف أيهما لنجدة الدولة الثانية إذا تعرضت للاعتداء، ويجب أن تعامل كلتاهما بشروط الدولة الأكثر رعاية فى أراضى الدولة الأخرى، إلى غير ذلك من شروط آثارت دهشتى، حتى لقد ظننت أن المشروع لم يجرؤ أحد على إرساله إلى مصر، وأنهما أخبرانى بذلك ليقفا على رأيى فيما تعتزم بلادهما التقدم به إلى الدولة العربية الكبرى».
 
يتذكر هيكل باشا أن الشابين الإسرائيليين حضرا فى صباح اليوم التالى «31 ديسمبر 1948 » ليستمعا إلى رأيه فى المشروع، فسألهما من جديد: أحقا أن هذا المشروع أرسل إلى مصر؟ فأكدا أنه أرسل إلى الديوان الملكى، وسلم إلى رئيسه إبراهيم عبدالهادى باشا، وأن الحكومة المصرية لا بد قد اطلعت عليه ».
 
رد هيكل باشا:  «لكنكما تعلمان أن المصريين جميعا يعترضون اليوم أشد الاعتراض على معاهدة سنة 1936، فليس بينهم حزب، وليس بينهم رجل سياسى يستطيع أن يصرح اليوم بأنها مرضية لمطالب وطنه، فكيف تطمعون أنتم فى أن ترضى أية حكومة مصرية عن هذا المشروع، الذى أطلعتمانى عليه وهو أشد وطأة على مصر من معاهدة 1936.. قالا: «ولكن توقيع معاهدة بيننا سيكون المقدمة لإلغاء معاهدة 1936، فستعمل إسرائيل بما لديها من مختلف الوسائل لتعاونكم على إلغائها »، يؤكد هيكل باشا أن كلام الشابين استفزه، فقال لهما: «مصر قادرة بمفردها على تحقيق أهدافها، وستبلغ ما تريد عما قريب »، قالا: «إذن فأشر علينا بما يجب أن نصنعه لنوطد بيننا وبين مصر علاقة مودة وصداقة ».
 
تحول هيكل باشا فى إجابته إلى ناصح، فيذكر أنه رد على الشابين قائلا: «لا تظنوا أن الموقف الحاضر يعاون على أى إجراء رسمى يحقق هذه الغاية، فلا تزال الخصومة بين مصر وإسرائيل على أشدها، ومصر إلى اليوم لم تعترف بإسرائيل، ولست أظن أنها تعتزم الاعتراف بها عما قريب، والرأى عندى أن تتركا الأمور عاما أوعامين أو ثلاثة، وألا تثيروا أنتم أية ثائرة من جانبكم، وكثيرا ما حل الزمن مشكلات عجز أقدر الساسة وأمهرهم عن حلها، فالزمن هو الذى يثبت من الأشياء ما هو قادر على الحياة، ويمحو ما هو غير قادر عليها، أما إذا تعجلتم الأمور فأشد ما أخشى ألا تبلغوا من تعجلكم إلى غاية مع مصر أو غير مصر».
 
عاد هيكل باشا إلى مصر بعد أسبوع، ويتذكر: «تشرفت بمقابلة جلالة الملك، وأفضيت فى هذه المقابلة بتفصيل ما دار بينى وبين هذين الإسرائيليين، وبينى وبين إلياهو ساسون، فابتسم جلالته وقال: «لقد بلغ من أمر هؤلاء القوم أن خاطبونى مباشرة بخطاب بعثوا به، وكان أمامهم طريق الحكومة أو طريق الديوان».
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة