بمركز سمالوط بمحافظة المنيا ولد الموسيقار الراحل عمار الشريعي، صاحب أحد أبرز التجارب الموسيقية العربية الملهمة، ولما لا وهو ابن المحافظة نفسها التي شهدت ميلاد عميد الأدب العربي طه حسين، الذي لم يمنعه فقدانه للبصر أن تصبح مؤلفاته مرشدا للمبدعين من بعده وأنارت أفكاره الكثير من الطرقات المظلمة، والمفارقة أن الشريعي وضع بعد ذلك وغنى بصوته رباعيات داخلية بمسلسل "الأيام" الذي يسجل قصة حياة عميد الأدب العربي الراحل.
عمار الشريعي الذي تمر اليوم ذكرى رحيله الـ11، أبصر قلبه حب الموسيقى على ألحان فنانين بعضهم لم يعاصرهم وآخرون كانوا على قيد الحياة، ومنهم محمد عبد الوهاب، محمد القصبجي، رياض السنباطي، زكريا أحمد، سيد مكاوي، محمود الشريف، كمال الطويل، بليغ حمدي، وكما يقول في إحدى حواراته التليفزيونية القديمة : كل حد عمل نغمة حلوة اتعلمت منه.
دون أن يخطط لنفسه فنيا صعد اسم عمار الشريعي في الموسيقى وعالم التلحين، بل ترك الصدفة تحرك موهبته في الاتجاه الصحيح، والانتقال من عازف أكورديون إلى لاعب ماهر على الأورج، ثم إلى عالم التلحين ووضع بصمته الإبداعية الخاصة، كل ذلك دون أن يرهق عقله بوضع الخطط ومركزا فقط على تطوير موهبته، والشيء الوحيد الذي كان يدرك أنه سيفعله يوما ما هو أنه سيصبح ملحنا.
عمار الشريعي المولود في 16 أبريل عام 1948 لم يكن يعرف أنه بعد نحو 5 سنوت فقط من ميلاده سيتم تأسيس المركز النموذجي للمكفوفين – الوحيد من نوعه في الشرق الأوسط وقتئذ- ليلتحق به ويصبح من الرعيل الأول من المكفوفين المتعلمين، ووقت دخوله المركز كان أمامه 3 خيارات التعليم الديني، التعليم المهني، والموسيقى، وكانت زيارته إلى الأخيرة ولم تكن مجرد زيارة عادية أو عبثية.
أساتذة عمار الشريعي لمحوا موهبته سريعا، فالطالب النموذجي كان يجيد قراءة وكتابة النوتة الموسيقية وهو في الصف الرابع الابتدائي، ليكمل تعليمه الإعدادي ثم الثانوي، ويصبح ضمن ثالث دفعة تخرجت في المدسة نفسها.
مشوار عمار الشريعي
الهاوي الذي أمسك ذات مرة ألة الأكورديون من باب الشغف الموسيقى، بدأ مشوار الاحتراف عام 1970 وبعد 24 ساعة فقط من انتهائه من أداء امتحانات السنة النهائية بالجامعة، إذ يقول عن ذلك: ذهبت إلى معهد الموسيقى العربية وعزفت على الأوكورديون لتأتيني عروض للمشاركة في بعض الحفلات البسيطة، ثم تدرجت في الفرق الموسيقية حتى انضممت إلى فرقة صلاح عرام.
وضع عمار الشريعي أول ألحانه عام 1974 مع المطربة مها صبري إذ لحن لها أغنية "امسكوا الخشب" ورغم نجاحه رفقة أعماله أخرى تالية، إلا أن الموسيقار الراحل يصف لحن "أقوى من الزمان" غناء شادية عام 1978، بأنها الأولى التي تعبر عن روحه.
ألحان "أقوى من الزمان" نلمس فيها روح عمار الشريعي التي صاغها في عدة مقطوعات موسيقية تحفظها الذاكرة منها تترات مسلسلات "أرابيسك"، "رأفت الهجان"، "الشهد والدموع"، "زينب والعرش"، "أوبرا عايدة"، و"حديث الصباح والمساء".
كما صاغ ألحان موسيقى أفلام "أحلام هند وكاميليا"، "ليلة القبض على بكيرة وزغلول"، "حليم"، "كتيبة الإعدام"، "البريء"، وغيرها من الأعمال التي تبقى خالدة وأقوى من الزمان، للمبدع الذي غادر حياتنا يوم 7 ديسمبر عام 2012.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة