تمر اليوم الذكرى 115 على رحيل الزعيم مصطفى كامل، إذ رحل في 10 فبراير عام 1908، لقد كان من أكبر المناهضين للاستعمار وعرف بدوره الكبير في مجالات النهضة مثل نشر التعليم وإنشاء الجامعة الوطنية، وكان حزبه ينادي برابطة أوثق بالدولة العثمانية، أدت مجهوداته في فضح جرائم الاحتلال والتنديد بها في المحافل الدولية خاصة بعد مذبحة دنشواي التي أدت إلى سقوط اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر.
وبجانب دوره الوطني ومواقفه ومقالاته التي كانت وسيلته للدفاع عن القضية المصرية، لا يعرف الكثير أن الزعيم الراحل كانت له تجربة أدبية، حيث قام بتألف نص مسرحي عن الأندلس، ففي سنة 1893 ترك مصطفى كامل مصر ليلتحق بمدرسة الحقوق الفرنسية؛ ليكمل بقية سنوات دراسته، ثم التحق بعد عام بكلية حقوق تولوز، واستطاع أن يحصل منها على شهادة الحقوق، وألف في تلك الفترة مسرحية "فتح الأندلس" التي يصنفها البعض على أول مسرحية مصرية تتناول حياة المسلمين في الأندلس مسرحيا.
بعد عودته إلى مصر سطع نجمه في سماء الصحافة، واستطاع أن يتعرف على بعض رجال وسيدات الثقافة والفكر في فرنسا، ومن أبرزهم جولييت آدم، وازدادت شهرته مع هجوم الصحافة البريطانية عليه، في عام 1898 ظهر أول كتاب سياسي له بعنوان “المسألة الشرقية” وهو من الكتب الهامة في تاريخ السياسة المصرية، وفي عام 1900 أصدر جريدة اللواء اليومية، واهتم بالتعليم، وجعله مقرونًا بالتربية.
كتب مصطفى كامل مسرحية فتح الأندلس من 5 فصول وقد اعتز بها للغاية حيث قال لأخيه "إن مطر النقود عليّ من كتابٍ ألفته أو رواية وضعتها أو مجلة حررتها لم يكن بأطرف وأنعش من كتاب حرره أنمل صغير بما أملاه عليّ قلب كبير".
عن سبب كتابة المسرحية قال مصطفى كامل لأخيه "عليّ أن أكتب روايةً أظهر لقومي فيها دسائس الدخلاء على الأمم الذين يتردون بردائها ويتخاطبون بلغتها ويخالطونها مخالطتها بعضها فيكونون كالسم في الدسم بغية منهم في إسقاطها من أوج مجدها إلى حضيض ذلها شارحًا غير ذلك فضائل الأمة العربية وأخلاقها الكاملة وعظيم تمسكها بالمكارم مما جعلها في حصن حصين من شرور الدخلاء ومكايد الأعداء الألداء".
وكان الأديب الكبير خيري شلبي، أول من اكتشف هذا النص الإبداعي للزعيم مصطفي كامل، حيث عثر على هذا النص ضمن مجموعة من النصوص المسرحية التى اكتشفها صاحب "وكالة عطية" ووقع تحت يده نص مسرحي كان قد كتبه الزعيم الراحل مصطفى كامل بعنوان "فتح الأندلس"، وعمل شلبي على تحقيقه وطبعه فى كتاب صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بنفس الاسم.. ونشر الأديب خيري شلبي هذا النص في سنة 1973 بتحقيقه وشرحه.
والمسرحية الوحيدة التي ألفها الزعيم الوطني مصطفى كامل، وهي بخلاف ما يشي به عنوانها، لم تكن مجرد عملية مسرحة لرواية تاريخية متواترة وعلى قدر كبير من الأهمية كرواية "فتح الأندلس"؛ فقد عمد المؤلف بمهارة إلى استخدام أدواته الفنية والإبداعية في تمرير جرعة من أفكاره الوطنية والقومية، ليكون بعيدًا عن الخطابية والمباشرة حاثا للمتلقي على ممارسة عملية إسقاط للماضي على الحاضر؛ فأنت تقرأ الإخلاص للقضية وروح الإقدام والمروءة التي تحلى بها الفاتحون العرب، وتقابل بينها وبين الدسائس والخيانات التي اجترحها الدخلاء من أمثال "عباد" وزير الأمير "موسى بن نصير"، وترى انتصار الحق والقوة على الشر والوضاعة.