أطلقت حكومات بعض الدول الأوروبية ذات الاقتصادات الناشئة مجموعة من السياسات التى تشجع مواطنيها على الإنجاب، وتتضمن تقديم مزايا مالية وإعفاءات ضريبية لمن ينجب عددا أكبر من الأطفال، وذلك رغم الأزمات الاقتصادية التى تمر بها القارة العجوز مع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل.
وأشارت صحيفة "لابانجورديا" الإسبانية إلى أن بعض الدول الأوروبية من روسيا شرقا وحتى بولندا غربا إلى صربيا جنوبا، أصبحت تشجع على زيادة النسل وتستهدف من ذلك مواجهة التراجع الديموجرافى الكبير فى منطقة من المتوقع أن تواجه العديد من بلدانها خلال العقود المقبلة تراجعا غير مسبوق فى عدد السكان لم تشهده منذ مطلع القرن العشرين.
وتوقعت بيانات صادرة عن الأمم المتحدة انخفاض إجمالى عدد سكان دول وسط أوروبا وجنوب شرق أوروبا وشرق أوروبا وجنوب القوقاز ووسط آسيا من 418 مليون نسمة خلال عام 2021 إلى 362 مليون نسمة بحلول عام 2030، وذلك حسب تقرير التوقعات السكانية العالمية لعام 2022.
وتعتبر فرنسا على رأس قائمة الدول التى تمنح مزايا مالية لمواطنيها، والتى تخصص 2.7% من ناتجها المحلى الإجمالى، وأيضا الدنمارك التى تخصص نسبة 3.5% وفقا لأحدث البيانات من يوروستات، تم تصنيف فرنسا بشكل خاص كواحدة من الدول فى القارة التى تمنح مساعدات نقدية 18 يورو، بينما تنفق إسبانيا 1 يورو للعائلة.
وتأتى إسبانيا فى ذيل أوروبا لمساعدة العائلات على الرغم من انخفاض معدل المواليد، وتعتبر إسبانيا بين دول الاتحاد الأوروبى التى تستثمر أقل ما فى المزايا الاجتماعية للأسرة، تحتل المرتبة 21 من 27 على الرغم من انهيار معدل المواليد فى السنوات الأخيرة
ولمواجهة هذا التراجع فى أعداد السكان، اتخذت عدد من الحكومات بأنحاء أوروبا إجراءات تحفيزية لمواجهة هذه الكارثة الديموغرافية، ففى روسيا وضع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين التعامل مع الأزمة الديموغرافية على رأس جدول أعماله؛ حيث قدم مجموعة واسعة من الإعانات والحوافز المالية، بما فى ذلك إعانة أعلى للطفل، وإجازة أمومة أطول، وإعانات للأمهات اللاتى يخترن عدم العودة إلى العمل، بحسب ما ذكرت شبكة أخبار البلطيق.
وأطلقت حكومات أخرى فى وسط وجنوب شرق أوروبا برامج الحوافز الخاصة بها فى محاولات لمعالجة انخفاض عدد السكان، ففى يونيو 2021، كشفت بولندا عن استراتيجيتها لوقف هجرة السكان. وقال رئيس الوزراء، ماتيوش مورافيتسكى، أن الهدف هو زيادة عدد المواليد بحلول عام 2040. وأضاف: "إذا لم نعزز دعم الدولة للعائلات، فسوف ينهار نظام التقاعد خلال عقد أو عقدين، وسيتباطأ النمو الاقتصادى ولن يتمكن البولنديون ببساطة من تحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم هنا فى بولندا".
وبموجب هذه الاستراتيجية، تواصل وارسو دفع 1000 زلوتى بولندى (110 دولارات) شهريا لكل طفل فى الأسرة، إلى جانب برامج رعاية إضافية تشمل دفع 12000 زلوتى بولندى خلال أول عامين من حياة الطفل. كما فرضت الحكومة البولندية حظرا شبه كامل على الإجهاض.
وفى المجر، ساعدت المنح والقروض الحكومية السخية للعائلات على رفع معدل المواليد من 1.2% فى عام 2010 إلى حوالى 1.5% فى عام 2020، لكنه مازال واحدا من أدنى المعدلات فى أوروبا.
كذلك أعلنت حكومة صربيا فى فبراير الماضى أنها ستقدم إعانات تصل إلى 20 ألف يورو للأسر حديثة الزواج لمساعدتهم على شراء منزلهم الأول فى محاولة لزيادة معدل المواليد. هذا بالإضافة إلى دفع حافز قدره 2551 يورو للطفل الأول.
وأوضح معهد الإحصاء فى الاتحاد الأوروبى "يوروستات"، إلى إنجاب الأوروبيين عددا أقل من الأطفال مقارنة بالماضى، حيث تسجل فرنسا أعلى معدل للخصوبة فى الاتحاد الأوروبى بـ1.83 طفل لكل امرأة.
وجاءت رومانيا فى المركز الثانى، تليها أيسلندا والتشيك، حيث تلد النساء فى المتوسط 1.70 طفل.
فيما تشترك البلدان الأخرى فى أوروبا التى يتناقص عدد سكانها - إيطاليا والبرتغال وبولندا واليونان - فى معدلات خصوبة منخفضة، تتراوح بين 1.2 و1.6 طفل لكل امرأة، وسجل نفس التراجع بشكل خاص فى البلدان الآسيوية، مثل كوريا واليابان والصين، التى ستتخلى عن مكانتها باعتبارها الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان لصالح الهند خلال عام 2023، بسبب تسجيلها ركودا فى المواليد.
وفى دراسة نشرت فى أغسطس الماضى، أجراها الخبير الاقتصادى، جيمس بوميروى لصالح بنك "إتش إس بى سي" البريطانى وأكبر بنك فى أوروبا، أوضحت أن "الانخفاض فى معدل الخصوبة العالمى يعنى أنه بين عامى 2022 و2025، سيكون هناك نحو 14 مليون طفل أقل فى العالم مقارنة بتوقعات الأمم المتحدة"، موضحا أنه "يمكن أن ينخفض عدد سكان العالم إلى النصف بحلول نهاية القرن، أى من 8 مليارات اليوم إلى 4 مليارات".