الحرف اليدوية تراث لا يندثر ولا يتوقف بين أبناء القرى والنجوع بمحافظة الأقصر، فكما تنتشر صناعة الألباستر والتحف الفرعونية فى مدينة القرنة، تنتشر بقرية الحلة التابعة لمدينة إسنا، صناعة الفخار التاريخية التى تنتج بأيدي الشباب الأوانى للمأكولات والزير البلدي الذي يستخدم بالمنازل لتوفير المياه النقية والباردة صيفاً، حيث تعتبر تلك الحرف اليدوية مصدراً للدخل وتوفير الرزق للعاملين بها، عبر صناعة تلك الأدوات وبيعها بالأسواق والقرى المختلفة بجنوب الأقصر.
وفى هذا الصدد التقى "تليفزيون اليوم السابع" مع الشاب يوسف عبد العظيم يوسف الحاصل على بكالوريوس من جامعة الأقصر، أنه يعمل فى صناعة الزير البلدى والأواني المختلفة من الفخار، حيث ورث المهنة عن والده التي ورثها عن جده، فهى مهنة تراثية ورثها أبناء الأقصر عن الأجداد القدماء المصريين من العصور الفرعونية المختلفة، ولا يزالون يعملون بها حتى الآن للقيمة الكبيرة لتلك الأواني الفخارية بالقرى والنجوع والطلب الدائم على شرائها.
ويضيف يوسف عبد العظيم يوسف، أنه تعلم فنون تلك المهنة على يد والده منذ كان طفل فى الخامسة من عمره، حيث كان يتواجد بجواره بعد فترة الدراسة ويتعلم منه خطوات عمل الزير البلدى، والذي يتم على 3 مراحل أولها تجهيز الطين والفخار ثم دخول مرحلة التشكيل وبعدها مرحلة النار والترك فى الهواء لكى تتماسك المكونات، كما يصنعون الأطباق والأواني الفخارية، بجانب مواسير المياه، وما يسمى بقدوس الحمام لتوفير المياه والأكل للحمام، حيث أن عائلته تعمل فى تلك المهنة منذ أكثر من 100 سنة مضت، وعائلته معروفة فى قرية الحلة ومدينة إسنا بأكملها بتلك الصناعة وغالبية التجار ينتظرون المنتجات من مصانعهم اليدوية لبيعها بكافة أرجاء المدينة.
وأوضح يوسف عبد العظيم، أنه من يقوم على العمل فى الورشة المتواجدة بجوار منزلهم فى قرية الحلة، حيث يتوجه فى السابعة صباحاً يومياً ويبدأ فى تجهيز معداته، والعمل على الطلبيات التي يحتاج توفيرها للتجار، ويجلس فى موضعه داخل الورشة ويدفع بقدمه قطعة خشبية تدور تسمي " الدولاب"، وفى نفس الوقت يقوم بيديه بتشكيل الطين الذي يخرج في النهاية بالأشكال المطلوبة من زير بلدى أو قدوس حمام أو أوانى مختلفة، حيث يقوم بعمل الأواني المختلفة بما يسمى "الطيب"، والذي يوجد منه نوعين الأول الطين الأبيض والتي تستخدم في أشياء أخرى والطين المعروف باللون الأسود الذي يستخدم في صناعة الفخار والأزيرة، وتمر صناعة الزير بـ 3 مراحل بالتجليس ثم فتحه من الاعلى ثم تشكيله على الدولاب ووضعه في الفرن للحرق وتستغرق مدة الحرق 4 ساعات.
فيما يقول الحاج عبد العظيم يوسف، صاحب الورشة لصناعة الفخار بقرية الحلة، أنه يعمل فى ذلك المجال منذ أكثر من 45 سنة، بعدما ورثها من والده وجده، وقام بتعليمها لأبنائه لأنها مهنتهم منذ قديم الأزل، موضحاً أن صناعة الفخار من أقدم الحرف التي عرفتها البشرية وأتقنها المصرى القديم، ويقوم منذ طفولته كما تعلم من أجداده بجلب الطين من أماكن مجاورة بالقرية والتى يجب أن تكون نظيفة جداً لكي تخرج أدوات نظيفة ومتماسكة، حيث أن الأداة الأساسية خلال العمل هي الدولاب التي يوضع عليها الفخار للتشكيل وهى تحتاج لطين نظيف غير مخلوط بالرمال أو الأحجار لكي تخرج المنتجات بشكل مميز للزبائن.
ويضيف الحاج عبد العظيم لـ"اليوم السابع"، أن المهنة والعمل بصناعة الفخار عمل شاق، حيث يحتاج الصانع للمهارة فى التشكيل بجانب الصبر حيث يجلس فى موضعه أمام الدولاب طوال اليوم، وقد يضطر للجلوس أكثر من 20 سنة يومياً فى فترة المواسم والتى يكون الطلب على المنتجات فيها كبير، فالتجار يقومون بشراء كل متطلباتهم من الورشة ليعرضونها على الأهالى من زبائنهم فى كافة القرى وبالمدينة نفسها أيضاً، والتى يتم بيعها طوال السنة ولكن يزيد الطلب فترة الصيف على الزير البلدى لتوفير المياه النقية والباردة.
وتعتبر صناعة الفخار من أقدم الحرف التي عرفتها البشرية وأتقنها المصرى القديم، الذى استطاع بلمساته الفنية المميزة أن يصنع منها أوانى مختلفة وعديدة والتي استخدمت في البيوت لحفظ الأطعمة والمشروبات وأيضًا استخدمت لتخزين الغلال والحبوب، وانتشرت صناعة الفخار في مصر في عدد من المحافظات والقرى، مثل منطقة الفواخير بمصر القديمة والتي اشتهرت بصناعة الأعمال الفخارية التي تستخدم كديكور في المحلات التجارية والطرقات وكذلك في قرية تونس بمركز يوسف بمحافظة الفيوم والتي تشتهر بانتشار ورش الخزف والفخار التي يعمل بها أمهر العمال الذين يعملون على تصميم التحف من الفخار ويوجد داخل القرية مدرسة الفخار التي أسستها "إيفلين بوريه" السويسرية والتي عاشت سنوات طويلة في القرية بعد أن تركت سويسرا وهاجرت لمصر.
وعن صناعة الفخار فى مصر القديمة يقول الطيب غريب مدير بمعابد الكرنك، أن تلك الصناعة اليدوية تعود إلي عصر ما قبل الأسرات في مصر، حيث كان المصري القديم أول من اهتم بها، ووصل إلى درجة عالية فيها من الدقة والكمال، بداية من أواني الأطعمة وأدوات الزينة، حتى توابيت الموتى، لذا رفعوا صانع الفخار "الفخراني" إلى أرفع مكانة يمكن أن يصل إليها عامل بسيط، فقد صوروا الإله "خنوم" إله الخلق عند الفراعنة، وهو يجلس على عجلة الفخار ليشكل الإنسان.
ويضيف الطيب غريب لـ"اليوم السابع"، أنه فى العصور المصرية القديمة كان الجميع ينتظر موسم فيضان النيل، حيث أنه لدى وصول الطمى كانوا يجمعونه ويقدموه لصانعي الفخار، لتصنيع الأوانى والمستلزمات المنزلية والكهنوتية، ثم يتم حرقها ليتغير لونها طبقا لنوع الطمي الذي صُنعت منه، فالرواسب الطينية تتحول إلي اللون البني أو الأحمر، ورواسب الهضاب الجيرية يتحول لونها إلى اللون القرنفلي أو الأحمر الخفيف، وإذا زادت عملية الحرق يختلف اللون باختلاف قوة الحرارة، فتتحول إلى اللون السنجابي أو الرصاصي أو الأرجواني أو الرمادي الضارب إلى الخضرة، وللأسف بعد بناء السد العالي اختفت هذه الرواسب تماما.
الحاج عبد العظيم يوسف يكشف تفاصيل صناعة الفخار
الزير البلدى بعد صناعته ومعروض فى الهواء
الشاب يوسف عبد العظيم خلال شرح العمل بصناعة الفخار
جانب من صناعة الزير البلدى بقرية الحلة
جانب من عرض الزير البلدى بعد تشكيله فى الهواء
جانب من منتجات ورشة يوسف بقرية الحلة
خطوات صناعة يوسف عبد العظيم للفخار بإسنا
دولاب صناعة الفخار يدوياً بالأقصر
زير بلدى مصنوع من الفخار ومعروض بالهواء الطلق
عرض المنتجات فى الشمس بعد تصنيعها من الطين
كميات الأزيار المصنوعة من الفخار بعد تشكيلها
كميات من الزير البلدى المصنوعة يدوياً
مكان صناعة الفخار يدوياً بالورشة
مكان وضع المنتجات الفخارية فى الشمس
منتجات الورشة جاهزة للبيع للتجار بجوار الورشة
منتجات صناعة الفخار بورشة الحاج عبد العظيم
وضع المنتجات الفخارية فى الشمس بعد صناعتها
يوسف عبد العظيم خلال صناعة الفخار اليدوي
يوسف عبد العظيم يشرح تفاصيل العمل بصناعة الفخار