تقارب على رادار البيت الأبيض جمع الصين وروسيا قبل الحرب الأوكرانية، وزادت ملامحه بعد اندلاع الحرب التى دخلت قبل أيام عامها الثانى، وسط حالة من القلق المتزايد داخل واشنطن، لاحتمالات اقدام بكين على تزويد روسيا بأسلحة ربما تشكل عاملاً حاسماً للمعارك الدائرة فى شرق أوكرانيا.
وقالت مصادر لشبكة CNN إن الولايات المتحدة حصلت على معلومات تفيد بأن الحكومة الصينية تفكر فى تزويد روسيا بالطائرات بدون طيار وذخيرة لاستخدامها فى الحرب، وقالت المصادر إنه لا يبدو أن بكين اتخذت قرارًا نهائيًا بعد، حيث أن المفاوضات بين روسيا والصين حول سعر ونطاق المعدات مستمرة.
ووفقا للتقرير، طلبت روسيا مرارًا وتكرارًا الطائرات بدون طيار وذخيرة من الصين منذ بدء حربها العام الماضى،، وكانت القيادة الصينية تناقش بنشاط خلال الأشهر القليلة الماضية سواء كانت سترسل المساعدات العسكرية الحاسمة أم لا إلا أن المعلومات فى الأسابيع الأخيرة تشير إلى أن الصين تميل الآن نحو توفير المعدات.
وحذر ويليام بيرنز مدير وكالة CIA أن بلاده واثقة من أن الصين تدرس تزويد روسيا بالسلاح، إلا أنه أكد أن واشنطن لا ترى قرارا نهائيا بهذا الخصوص من بكين.
وأضاف أن بكين تقيّم العواقب فى حال أقدمت على تزويد روسيا بالسلاح، وأشار إلى أن الإفصاح عن معلومات الاستخباراتية بشأن الصين يهدف إلى ردعها، وتوضيح أن إرسال سلاح إلى روسيا سيكون "رهانا خطيرا وغير حكيم"، كما قال أن الرئيس الصينى وقيادته العسكرية لديهم شكوك اليوم بشأن إمكانية غزو تايوان.
من جانبه تعهد مستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان أنه سيكون هناك "تكلفة حقيقية" أمام الصين إذا تقدمت بمساعدة لروسيا فى حربها على أوكرانيا.
وقال سوليفان لشبكة سى أن ان: "من وجهة نظرنا، فى الواقع، تعرض هذه الحرب مضاعفات حقيقية لبكين. وسيتعين على بكين اتخاذ قراراتها الخاصة حول كيفية قيامها، سواء كانت توفر المساعدة العسكرية. ولكن، إذا سقطت فى هذا الطريق، فسيأتى بتكاليف حقيقية على الصين. وأعتقد أن قادة الصين يزنون الأمور جيداً".
وأضاف أن الولايات المتحدة "فى المحادثات الدبلوماسية مع الصين، لا تقدم تهديدات مباشرة"، وقال محذرا: "نحن فقط نضع كل من المخاطر والعواقب، وكيف ستتكشف الأشياء. ونحن نفعل ذلك بوضوح وخاصة خلف الأبواب المغلقة".
وأثارت التكهنات عن ارسال الصين لمساعدات عسكرية لروسيا لدعمها فى الحرب الأوكرانية جدل امريكى وتحذيرات من البيت الأبيض لبكين التى فضلت البقاء على الحياد العسكرى منذ بدء الحرب ومع تعرض موسكو لعقوبات غربية غير مسبوقة، أعلنت الصين أنه "لا حدود" لصداقتها مع جارتها الشمالية، وألقت للكرملين شريان حياة اقتصاديا، مما خفف من تأثير إبعاده عن النظام المالى العالمى.
قبلة حياة صينية لاقتصاد روسيا
وتشمل العقوبات الغربية المفروضة على موسكو حظراً على مبيعات النفط ووضع حد أقصى لسعر نفطها، ومنع الوصول إلى نظام "سويفت"، وهو نظام المراسلة الدولى الذى يتيح المعاملات المصرفية، وتجميد أصول البنك المركزى الروسى التى يحتفظ بها فى الخارج.
تهدف التحركات الغربية إلى إضعاف قدرة روسيا على تمويل الحرب، ولقد كان لها تأثير. فانزلق الاقتصاد الروسى إلى الركود فى عام 2022، وانكمش بنسبة 4.5% بحسب أحدث تقديرات البنك الدولى لكن الإيرادات المالية لموسكو زادت، ويرجع ذلك أساسا إلى ارتفاع أسعار الطاقة وجهود روسيا لإعادة توجيه الصادرات إلى المشترين الراغبين الآخرين، مثل الصين والهند.
وقال نيل توماس، كبير المحللين فى شؤون الصين وشمال شرق آسيا فى مجموعة أوراسيا: "لقد دعمت الصين الحرب الروسية اقتصاديا، بمعنى أنها كثفت التجارة مع روسيا، مما أضعف الجهود الغربية لشل آلة موسكو العسكرية".
وأضاف أن الرئيس الصينى يريد تعزيز العلاقات مع روسيا للحصول على طاقة رخيصة وتكنولوجيا عسكرية متقدمة ودعم دبلوماسى لمصالح الصين الدولية وسجل إجمالى حجم التجارة بين الصين وروسيا مستوى قياسيا جديدا فى عام 2022، بزيادة 30% إلى 190 مليار دولار وعلى وجه الخصوص، ارتفعت تجارة الطاقة بشكل ملحوظ منذ بداية الحرب.
واشترت الصين ما قيمته 50.6 مليار دولار من النفط الخام من روسيا منذ مارس إلى ديسمبر بزيادة 45% عن نفس الفترة من العام السابق. كما ارتفعت واردات الفحم بنسبة 54% بقيمة 10 مليارات دولار، وارتفعت مشتريات الغاز الطبيعى بما فى ذلك الغاز الطبيعى المسال بنسبة 155% بقيمة 9.6 مليار دولار.
وأشار إلى أن التقارب يعد " صفقة متكافئة" فبالنسبة لروسيا، فهى بحاجة ماسة إلى عملاء جدد حيث يتجنب الغرب الوقود الأحفورى، وبالنسبة للصين، التى تركز الآن على إخراج اقتصادها من الركود، فهى تحتاج إلى طاقة رخيصة لتشغيل صناعتها التحويلية الضخمة.
وأوضح توماس أن "شى يقدر دعم بوتين باعتباره ثقلا استراتيجيا ضد الولايات المتحدة المعادية بشكل متزايد، لكنه مهتم بروسيا فى المقام الأول بسبب ما يمكن أن تفعله للصين".
وقال كيث كراش، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق للنمو الاقتصادى والطاقة والبيئة: "بالنسبة لروسيا، ولدت هذه الشراكة من اليأس"، مضيفًا أن "بوتين يبحث عن المساعدة أينما وجدها وإن شى جين بينغ على استعداد تام لاستغلال يأس بوتين".
وأشار كراش لشبكة CNN إلى أنه "بالنسبة للصين، فإن حرصها على دعم روسيا هو الأحدث فى سلسلة من التحركات التى تكشف مرة أخرى أن بكين فاعل غير مسئول".
وتنفق روسيا المليارات على شراء الآلات والإلكترونيات والمعادن الأساسية والمركبات والسفن والطائرات من الصين، كما هو موضح بالتفصيل فى تقرير خدمة أبحاث الكونجرس الأمريكى فى مايو الماضى.
وقال توماس: "على الرغم من إحجام الصين عن تقديم دعم مباشر للحرب الروسية، فإن العلاقات الثنائية ستستمر فى النمو" وأضاف أن "شى يقدر دعم بوتين باعتباره ثقلا استراتيجيا ضد الولايات المتحدة المعادية بشكل متزايد، لكنه مهتم بروسيا فى الأساس بسبب ما يمكن أن تفعله للصين".
كما تحتاج روسيا أيضا إلى إيجاد بدائل لوارداتها من الأسواق الغربية، مثل السيارات والإلكترونيات.
وارتفعت حصة ماركات السيارات الصينية، فى السوق الروسية من 10% إلى 38% خلال عام بعد خروج العلامات التجارية الغربية، بحسب أحدث البيانات الصادرة عن شركة الأبحاث الروسية Autostat، ومن المرجح أن تنمو هذه الحصة بشكل أكبر.
بدائل الدولار
وبعد أن تم عزل بعض البنوك الروسية عن نظام SWIFT، خفضت موسكو تعاملاتها بالدولار لحساب اليوان الصينى وتستخدم الشركات الروسية المزيد من اليوان لتسهيل التجارة المتزايدة مع الصين. كما أجرت البنوك الروسية المزيد من المعاملات باليوان لحمايتها من مخاطر العقوبات.
وقفزت حصة اليوان فى سوق العملات الأجنبية الروسية إلى 48% بحلول نوفمبر 2022 من أقل من 1% فى يناير الماضى، بحسب ما نقلت وسائل الإعلام الروسية، عن رئيس بورصة موسكو.
وأصبحت روسيا لفترة وجيزة، ثالث أكبر مركز تجارى خارجى فى العالم لليوان فى يوليو الماضى، بعد هونج كونج والمملكة المتحدة، وفقًا للأرقام الصادرة عن SWIFT. ومنذ ذلك الحين، ظلت واحدة من أفضل ست أسواق لتداول اليوان، وهى لم تكن حتى من بين أفضل 15 سوقًا قبل حرب أوكرانيا.
وضاعفت وزارة المالية الروسية أيضا حصة احتياطيات اليوان التى يمكن لصندوق الثروة السيادى للبلاد الاحتفاظ بها إلى 60% بعد تجميد جزء كبير من مدخراته بسبب العقوبات الدولية، بحسب رويترز.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة