كانت الساعة الرابعة مساء 3 فبراير، مثل هذا اليوم، 1966، حين شعر الفنان بديع خيرى بهبوط مفاجئ فى القلب، توفى على أثره فى بيته عن 72 عاما، حسبما تذكر الأهرام فى عددها 4 فبراير 1966، وشيعت جنازته بمشاركة مندوب عن الرئيس جمال عبدالناصر، والدكتور عبدالقادر حاتم وزير الإرشاد «الإعلام»، ومدير مؤسسة المسرح، وصلى عليه الفنان عبدالوارث عسر، وكانت هذه المشاركة تقديرا لدوره الإبداعى الرائد، فهو الشاعر الزجال، والمؤلف المسرحى، والسينمائى، و«تراثه يكشف أنه كان لسان حال ثورة 1919، وأزجاله البوابة الحقيقية لعالمه التى اكتشفت الوجه الحقيقى لمصر، مصر الثورة، مصر الإبداع والتغيير، حيث صاغ الرؤية الشعبية لكثير من الأحداث فى قصائده غير مكترث بالرؤية الرسمية»، وفقا للدكتور نبيل بهجت فى جمعه وتحقيقه ودراسته للأعمال الكاملة لبديع خيرى «الهيئة العامة للكتاب- 2012».
هو من مواليد القاهرة فى 18 أغسطس 1893، ويذكر«بهجت» أنه ينحدر من أصول تركية، حيث نزح والده من الدولة العثمانية إلى مصر عام 1890، وعمل مراقب حسابات بدائرة والدة الخديو عباس الثانى، أما والدته فمن أصول مصرية، وكان جده لأمه يدعى الشيخ الليثى أحد كبار تجار الغورية، وأرسله والده إلى الكتاب فحفظ القرآن، وانتظم فى دراسته حتى حصل على دبلوم المعلمين عام 1914، وثقف نفسه منذ نعومة أظفاره بالثقافة الشعبية، فانصهر فى مقاهى الجمالية والبغالة والإمام الشافعى، يستمع إلى ما ينشده شاعر الربابة من السير والأشعار، متأملا ما تزخر به هذه المقاهى من فئات مختلفة، ويقول عنها: «هى مدرستى الأولى فى التأليف المسرحى، حتى لهجات البلاد العربية عرفتها وحفظتها فى هذه المقاهى، إذ كان يرد عليها أبناء تلك البلاد الشقيقة الذين يدرسون أو يتاجرون أويسبحون فى القاهرة».
عاش بديع خيرى آمال تلك الفئات وآلامهم، وذاق مرارة الاحتلال، ومنذ صباه انتسب إلى الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل، وكتب فى صحفه قصائد شعر بالفصحى، حتى تحول إلى كتابة الزجل، عندما ارتفع قدره بدخول المونولوج إلى المسارح، وأصبح له هدف، وكتب أول منولوجاته عام 1917 للمنولوجست فاطمة قدرى، وقدر له الذيوع والانتشار ومطلعه «ليلة العيد كنت مخدر.. فى ميدان عابدين ماشى اتمختر»، وفقا لما يذكره نبيل بهجت، مضيفا: «بهذا المنولوج دخل بديع خيرى عالم المسرح، وفى 18 أغسطس 1918 وقع معه نجيب الريحانى عقدا أصبح بموجبه مؤلفا لفرقته المسرحية، فكتب استعراض «على كيفك».
و«مصر»، ومن الاستعراض الثالث «ولو» انضم سيد درويش لفرقة الريحانى، ليبدأ الاثنان فى تقديم أعمالهما المشتركة بروح الثورة التى تفجرت فى مارس 1919 ومنها «قوم يا مصرى، طلعت يا محلا نورها، السقايين، أنا المصرى، البوابيين، الحاوى، القلل القناوى، سالمة ياسلامة، أهو ده اللى صار، البحر بيضحك ليه، شد الحزام، دنجى دنجى».
يذكر «بهجت» أن بديع قدم فى تلك الفترة استعراضات «قولوله» و«اش»، و«كل من ده» و«رن»، و«فشر»، وتعتمد جميعها على الأغانى، ويهتم موضوعها بالتعليق على الأحداث الجارية، وترتبط بالواقع السياسى بشكل مباشر، وينقل بهجت عن «بديع» تعليقه عما كان يقدمه فى هذه الفترة: «كنا نتناول كل الأحداث السياسية أولا بأول وننفذها بأسلوب ساخر لكنه حماسى، فكان كل استعراض مزيج من الضحك والإثارة وأيضا حث الشعب على الكفاح ضد الاستعمار، وكلفنا هذا الكثير، ووصلنا من «كيف بوين» مدير الأمن العام الإنجليزى إنذارا بالنفى إلى جزيرة مالطة حتى نخفف من حدة استعمال الكلمات التى يمتلئ بها مسرح الإجبيسيانة».
ويوضح الكاتب المسرحى ألفريد فرج فى كتابه «شارع عماد الدين.. حكايات الفن والنجوم»، أن المرحلة الرائعة لمسرح الريحانى شهدت أعمالا تنبض بالفكر والمرح والروح الشعبية والمدنية الأصيلة، ومنها «الجنيه المصرى»، «السكرتير الفنى»، «حكم قرقوش، «لو كنت حليوة »، «الستات ما يعرفوش يكدبوا»، «الدلوعة»، «حكاية كل يوم»، «30 يوم فى السجن»،«حسن ومرقص وكوهين»،«إلا خمسة»، «سلاح اليوم».
لم يقف بديع خيرى على ما يقدمه من استعراضات لتحريض الجماهير، وإنما أصدر مجلة «ألف صنف»، فى 23 ديسمبر 1925، وكانت بالعامية واهتم فيها بحركة الزجل، وفى 10 أغسطس 1930 أصدر جريدة «النهاردة» اليومية، تهتم بالجهاد من أجل الدستور الذى عطلت العمل به حكومة محمد محمود باشا، ثم ألغته وزارة إسماعيل صدقى باشا.
وتذكر الكاتبة الصحفية زينب عبداللاه، فى مقالها «بديع خيرى.. شيخ المبدعين»،«اليوم السابع»، 21 نوفمبر 2021» أنه قدم العديد من السيناريوهات للسينما، فكتب للسينما الصامتة فيلم «المانجبان»، كما كتب «العزيمة» أول فيلم عربى ناطق يتحدث عن الحارة المصرية أحد أهم الأفلام المصرية، حيث كانت الأفلام تتحدث عن الطبقات الأرستقراطية فقط، كما كتب «انتصار الشباب، غزل البنات، الستات ميعرفوش يكدبوا، أبوحلموس، 30 يوم فى السجن، أحمر شفايف، سى عمر، وغيرها».