التاريخ المصرى القديم مليء بالحكايات والأسرار التي لا تكشفها إلا القطع الأثرية القديمة والتي يتم العثور عليها ما بين الحين والآخر، لأنه من الصعب أن يرصد أحد تلك التفاصيل التي تمتد على مدار قرون طويلة سجلت بعضها على جدران المعابد في زمن الكتابة المصرية القديمة وأخرى لم تسجل بعد، ولكن تكشفها كنوز أثرية تخرج من باطن الأرض.
وبسبب ذلك نستعرض تاريخ الحضارة القديمة من خلال سلسلة متتالية لاستعراض ذلك التاريخ القديم، عبر موسوعة "مصر القديمة" لسليم حسن، نتحدث عن سهر تاوى أنتف فمن يكون؟
يقول الدكتور سليم حسن فى موسوعته: يظهر أنه قد جاء بعد "أنتف" مؤسس هذه الأسرة أنتف آخر كان يحكم المقاطعة الطيبية، ولقد أحس في نفسه القدرة على اغتصاب ملك البلاد الجنوبية، ولكنا لم نرَه ـ كما لم نرَ أحدًا من خلفائه الثلاثة الذين تولوا بعده الملك ـ يلبس تاج البلاد المزدوج «تاج الوجهين القبلي والبحري» وإن كان يُلقب كل واحد منهم نسوت بيتي «ملك الوجه القبلي وملك الوجه البحري»، وقد روت لنا الأجيال التالية لحكمه أن اسمه «حور سهر تاوى»؛ أي حور مهدئ الأرضين، ابن الشمس أنتف، من غير لقب خاص أو اسم آخر من أسماء هؤلاء الملوك الذين كانوا يحكمون القطرين؛ وأنه لم يحمل كل الألقاب الفرعونية الرسمية التي كان يلقب بها الفرعون يوم توليته العرش في احتفال رسمي.
ويعتبر «سهر تاوى أنتف» في نظر التاريخ الأمير الأوَّل من الأمراء الستة الذين تتألف منهم الأسرة الحادية عشرة، وهم الذين حكموا نصف البلاد قبل مجيء الأسرة الثانية عشرة بما يقرب من 143 سنة؛ أي منذ نحو سنة 2143ق.م، إلى سنة 2000ق.م، وقد كان أوَّل حاكم طيبي كتب اسمه داخل طغراء، بل إنه بدأ سافرًا وظهر في غير التواء مناهضًا للفرعون الذي كان يحكم البلاد في إهناسية المدينة ومنف في تلك الفترة.
ولقد أفلح هذا العصيان وأتى بثمره، قبل وفاة "سهر تاوى" بثلاث سنين أو أربع، وكان قد أتم إقامة مقره الأخير على الضفة الغربية للنيل، وتدل ظواهر الأمور على أنه مكث يحكم "طيبة" عدَّة أعوام، ولا أدل على ذلك من أنه حفر مدفنه في الجبانة الشمالية على مقربة من مقابر حكام المقاطعة.
وهذا النوع من المقابر الملكية يطلق عليه المصريون الآن في هذه الجهة «صف»، ويطلق هذا الاسم بخاصة على أول مقابر ملكية في طيبة الغربية، لأنها تشمل صفوفًا من الأبواب الغائرة في سهل الصحراء، وهذه المقابر كانت تتجه نحو "الكرنك" وقد كانت مقبرة هذا الأمير، أو صفه كما يسميه سكان هذه الجهة الآن، مقامة في السهل المنبسط المكوَّن من الحصا على بعد ثلاثة كيلومترات تقريبًا عبر النهر من معبد الإله منتو، وكانت قد حُفرت على عمق خمسة أو ستة أمتار في جوف السهل، غير أنها كانت تظهر للعين أكثر عمقًا من ذلك، لما تراكم حولها من الأكوام الهائلة من شظيات الأحجار، وقد كان عرضها حوالي 80 مترًا وطولها يربي على مائة متر قبل أن تخترق ترعة الري الحديثة طرفها الشرقي، وعلى الإنسان الذي يريد الوصول إليها أن يسير من شاطئ النهر قبالة طيبة مخترقًا سهلًا ضيقًا؛ حيث كان صناع اللبن يصنعون لبناتهم التي كانت تحتوي على جزء كبير من الرمل، ولما تحوَّل النيل في السنين الأخيرة نحو الشرق بقي غرينه الجميل، فأصبحت اللبنات التي تُصنع منه تشبه التي تُصنع في عصرنا الحالي. وعلى مسافة خطوات قليلة بعد حفر عمال اللبنات تصادفنا الصحراء، وهنا نجد الردهة الغائرة ذات الأبواب التي أقيمت فيها من كل الجهات، وهي التي تؤدي إلى المقرات الأبدية لرجال بلاط "سهر تاوى"، ويوجد خلف «الصف» نحو الاثني عشر بابًا، وهي التي تشتمل عليها مقبرة هذا الأمير، وهذه الأبواب تنحدر عند زاوية في الصخرة من واجهة بارزة ومنحدرة بعض الشيء، وإنا لنظن أن هذه الواجهة كانت قاعدة لهرم مصنوع من اللبن أقامه هذا الأمير فوق مقبرته، ومما يؤسف له جدَّ الأسف أننا لا نعرف عن هذا الفرعون شيئًا غير اسمه، وغير هذه المقبرة التي كانت بلا مراء مقره الأخير، وغير ثلاث السنوات التي سلخها في حكم البلاد.
ولا نزاع في أنه هو أول من وضع اسمه في طغراء، واكتسب لنفسه بعض مظاهر الملك من حكام مقاطعة طيبة الذين حكموها زهاء قرن، غير أننا لا نعرف شيئًا عن أية حادثة حدثت في عهده خاصة بالحروب التي هزت أركان البلاد نحو ثمانين عامًا أو تزيد.