هناك أشخاص يرحلون بأجسادهم وتبقى أرواحهم ومحبتهم في قلوب عشاقهم ولعل قداسة البابا شنودة الثالث واحداً من أعظم الشخصيات خلال القرن الماضى، فتحتفل الكنيسة الجمعة بذكرى نياحته الحادية عشر.
نشأة البابا شنودة
ولد البابا شنودة الثالث باسم نظير جيد بقرية سلام فى محافظة أسيوط في 3 أغسطس عام 1923، دخل دير السريان قاصدًا الرهبنة عام 1953حتى صار أسقفًا للتعليم، والتحق بجامعة فؤاد الأول، فى قسم التاريخ، وحصل على الليسانس بتقدير ممتاز عام 1947.
وبعد حصوله على الليسانس بثلاث سنوات تخرج من الكلية الإكليريكية، ثم دخل الخدمة العسكرية ضابطاً برتبة ملازم بالجيش، ورسم راهباً باسم (أنطونيوس السرياني) في يوم السبت 18 يوليو 1954، ومن عام 1956 إلى عام 1962 عاش حياة الوحدة في مغارة تبعد حوالى 7 أميال عن مبنى الدير.
أنشطة البابا شنودة
ورسم قداسة البابا شنودة الثالث فى حياته 117 من المطارنة والأساقفة، و400 كاهن، وعدد غير محدود من الشمامسة فى القاهرة والإسكندرية، وأول بطريرك يهتم بتعليم المرأة ودخولها الكلية الإكليركية، ويعتبر أول أسقف للتعليم بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كما استمر 4 أعوام في اعتقالة بدير الأنبا بيشوى بعد قرارات سبتمبر1981 والتى استمر إلى 1985.
ويعتبر البابا شنودة هو رابع أسقف أو مطران يصبح البابا بعد البابا يوحنا التاسع عشر، وأمضى 10 سنوات في الدير دون أن يغادر عمله كسكرتير للبابا كيرلس.
ويعتبر البابا شنودة الثالث أول من رسم أسقفًا للشباب، وحصل على 8 جوائز عالمية، بالإضافة إلى 9 شهادات للدكتوراه ومجموع كليهما 17.
البابا شنودة رئيس تحرير
وعمل قداسته لسنوات محررا ثم رئيسا للتحرير فى مجلة "مدارس الأحد" وفى الوقت نفسه كان يتابع دراساته العليا فى علم الآثار القديمة، وكان خادما فى مدارس الأحد، كما كان خادما بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم بمسرة، وطالبا بمدارس الأحد، ثم خادما بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا فى منتصف الأربعينيات ورسم راهبا باسم "أنطونيوس السريانى" فى 18 يوليو 1954.
وحصل البابا شنودة، حصل على عضوية نقابة الصحفيين عام 1966م تقديرا من النقابة لدوره الوطني في العديد من المواقف الوطنية، وممارسته للعمل الصحفي في بداية حياته العملية قبل الرهبنة.
ومنحت نقابة الصحفيين الأنبا شنودة عضوية النقابة عام 1966م، وكان رقم عضويته "156"، أى قبل تنصيبه بطريرك للكنيسة الأرثوذكسية بـ 5 سنوات، باعتباره رئيساً لتحرير مجلتى "مدارس الأحد" و"الكرازة"، وكذلك مقالاته التى نشرت فى جريدة "وطنى" وقتها.
وجاءت عضوية البابا شنودة الثالث بنقابة الصحفيين في نفس العام، الذي دعي لندوة في النقابة بعنوان "إسرائيل في المسيحية" وتحولت المحاضرة إلى مؤتمر شعبى حاشد حضره أكثر من 12 ألف مواطن، ليظهر مواقفه وشجاعته بالنسبة للقضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل، وكأن المؤتمر تظاهرة فى حب الوطن.
وتعد العضوية التى سلمت للبابا الراحل"عضوية شرفية" باعتباره رجل ديني لا يمارس مهنة الصحافة بشكل مستمر، وأيضا لتثبت تقديرها لعمله الصحفى وكتاباته القيمة التي تخدم المجتمع المصرى.
البابا شنودة شاعراً
وخلال فترة رهبنه قداسة البابا شنودة الثالث كان يكتب شعرًا (أو كما يقول هو "ما كنت أسميه شعرًا") لبعض الوقت، إلى أن تتلمذ على يد أحد الكتب القديمة فى الشعر، وهو كتاب "أهدى السبيل إلى عِلمى الخليل" لمحمود مصطفى، وبدأ يتعلم البحر والقوافى ونظم الشعر المختلفة.
وكان قداسة البابا شنودة الراحل يكتب بعض الأشعار وهو طالب حول بعض مواد الدراسة، أو فى احتفالات مختلفة، ثم بدأ بعد رهبنته فى كتابة قصائد روحية و أشعار دينية تلمس مواضيع مسيحية و روحية عدة، وتم تلحين بعضها، وأصبحت ترانيم شهيرة لجمال كلماتها، و معانيها، و أيضًا ألحانها.
النعى التاريخى للأزهر الشريف
وجاء النعى التاريخى من الأزهر الشريف لقداسة البابا شنودة الثالث "فقدت مصر أحد رجالها المعدودين، فى ظروف دقيقة تحتاج فيها لحكمة الحكماء وخبرتهم وصفاء أذهانهم، ولم يكن لفقيد مصر مواقفه الوطنية وشخصيته الخيرية وسعيه الدؤوب على المستوى الوطنى فحسب، بل على الصعيد القومى، حيث عاشت قضية القدس ومشكلة فلسطين فى ضميره، ولم تغب أو تهُن أبدا، فقد بذل قصارى جهده من أجل الدفاع عنهما"، بتلك الكلمات الخالدة جاء نعى فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف لقداسة البابا شنودة الثالث يوم 17 مارس من عام 2012
الأب رفيق جريش
ويقول الأب رفيق جريش رئيس مجلس إدارة جريدة حامل الرسالة التى تصدر عن الكنيسة الكاثوليكية وعضو مجلس كنائس مصر إن قداسة البابا شنودة الثالث كانت تربطنى به علاقات وطيدة قبل ما أتولى مهمة الكهنوت، فقد أهدانى كتب كثيرة وكنت على تواصل جيد معه في حل العديد من الأزمات وكان أبرزها أزمة فيلم دافنشى كود.
ويروى الأب رفيق جريش عن ذكرى وفاة قداسة البابا شنودة الثالث قائلا "كنت بتتبع الأيام الأخيرة لقداسة البابا وكان ذهنه واعى ولكن أيامه الأخيرة كان هناك نوع من القلق على صحته، حتى وصل إلينا خبر وفاته وذهبنا إلى الكاتدرائية في العباسية وكان معى سفير الفاتيكان وفؤجئت إنه بكى بكاء شديد أكثر من المصريين وكانت الكنائس تعتبره كبير مسيحى مصر فلقب بابا العرب كان لقب مستحق.
وأوضح أن جنازة قداسة البابا شنودة الثالث ضمت جميع أطياف الشعب المصرى وحصل على تكريم كبير من الدولة بنقله بطائره خاصة إلى دير الأنبا بيشوى.
القس بطرس فؤاد
ويقول القس بطرس فؤاد كاهن كنيسة الأنبا بيشوى والأنبا كاراس بمدينة النور وعضو مجلس كنائس مصر وعضو بيت العائلة المصرية في تصريحات خاصة لليوم السابع "أتربينا وكبرنا وعيشنا على كتب ومؤلفات البابا شنودة وهذا اليوم كان صدمة كبيرة، بالنسبة لينا ككهنة وكان صعب جدا علينا رؤية جسده على الكرسى المرقسى فقد كان حدث مؤثر فى مصر بأكملها".
وتابع "حصلنا على بركته والعالم كله كانت متأثره بشكل كبير وكان من أكبر البطاركة الذين جلسوا على كرسى مرقسى وكان له مشاعر طبية لدى المسلمين وكان يستحق بالفعل لقب بابا العرب وكان له علاقات شخصية مع الإمام الشعراوى وشيخ الأزهر وكان معروف ذلك تاريخيا".
المطران منير حنا
وذكر المطران منير حنا خلال تصريحات خاصة لليوم السابع أن خبر وفاة البابا شنودة بالرغم من علم الجميع بشأن صحته الضعيفة وإجرائه غسيل كلوى، إلا إن خبر انتقاله كان صدمة كبيرة جدا لأن البابا شنودة ليس رئيس عادى لكنيسة لكنه كان فريد في أمور كثيرة جدا في الرعاية وفى التعليم وفى الرؤية وفى الذاكرة وفى الوطنية وكان خبر وفاته صدمة كبيرة وكان إحساس كبير بالخسارة لأن الكنيسة والوطن خسروا شخص في غاية الأهمية ورمز كبير من رموز مصر.
وتابع حنا أن الحزن خيم على الكنيسة فكان هناك تساؤل بين المسيحيين من يستطيع أن يحل محل البابا شنودة الثالث فلم يكن يتوقع أحد أن هناك شخص بنفس قامة البابا شنودة فالبابا وجلوسه على كرسيه لمدة 41 سنة جعله جزء من مشاعر وكيان الشعب.
وأوضح أنه حضر جنازة البابا شنودة وكان الزحام شديد جدا ويقال إنها من أكبر الجنازات في تاريخ مصر، بعد جنازة الزعيم جمال عبدالناصر لدرجة أنهم لم يستطيعوا حمل الجثمان فى الطريق العادى فلذلك تم نقل الجثمان بالطائرة وكان الأمر صعب جدا على الجميع، حيث كان حزن كبير يخيم على الكنيسة وكل المسيحيين وكل محبى البابا شنودة من الشعب المصرى فهذا اليوم كان يوم صعب وحزين على مصر كلها.