مع انطلاق الموسم الرمضاني وبدء عرض الحلقات الأولى من المسلسلات، نجد البعض قد أسرع بالحكم على الأعمال الفنية التي يشاهدها سواء كانت الأحكام سلبية أم إيجابية، وهذا يحرم المشاهد من التقييم الموضوعي المبني على قواعد منطقية.
ولكن على الرغم من ذلك، فإنه بعد مشاهدة الحلقات الأولى من المسلسلات، سنجد أن هناك عددًا من الملاحظات والمؤشرات التي تستحق التوقف عندها، أهمها حالة الزخم والتنوع الموجودة على الشاشات المختلفة، وهو بالتأكيد أمر جيد، فهناك أعمال اجتماعية جيدة الصنع، وأخرى كوميدية مبنية على المواقف والمفارقات، والأهم هو عودة الدراما "الدينية - التاريخية".
تلك الحالة قد تسبب ربكة للبعض من كثرة المعروض أمامه، وحيرته فيما يختار من أعمال ليتابعها، لكن هذا هو حال الدراما في شهر رمضان المبارك عادة ما يكون هناك الكثير من الإنتاجات التي تتنافس على جذب أكبر عدد من المشاهدين. البعض يختار بناء على نجمه المفضل أو الموضوع الجاذب له، وهناك من يميل للأعمال التي تحمل جماليات على مستوى الصورة وغيرها من العناصر الفنية.
ومع بداية الأسبوع الثاني يكون كل منا قد استقر على قائمته المفضلة، وهو الأمر المنطقي، حيث يصعب علينا الحكم على العديد من الأعمال المعروضة من الحلقة الأولى أو الثانية، ورغم ذلك نجد أن هناك العديد من الأعمال اللافتة والمصنوعة بشكل جيد وقد يكون واحد منها هو فرس الرهان أو الحصان الأسود في موسم رمضان 2023.
ومن هذه الأعمال التي جاءت حلقاتها الأولى شديدة الانضباط وتحمل العديد من المشاهد المهمة على مستوى التنفيذ والأداء: "رسالة الإمام" للنجم خالد النبوي والمخرج الليث حجو، المسلسل الذي يذاع في توقيت ذكي، حيث جاءت الحلقة الأولى والثانية بمستوى بصري شديد الثراء، وطريقة متميزة في الديكور وتصميم الأزياء وكذلك شريط الصوت والموسيقى التصويرية، وكل ذلك بالإضافة إلى تميز أداء النجم خالد النبوي بدور الإمام الشافعي المتماهي تمامًا مع الشخصية، حيث يبدو حجم المجهود المبذول من جانبه في التفاصيل الصغيرة التي يجيد صنعها، وكذلك توظيفه لغة الجسد وإيماءات العين.
سيرة الإمام
الحقيقية أننا أمام مخرج شديد الوعي، وكتابة تحتاج لذهن صاف لمتابعة الحوار والتركيز في كل الجمل الحوارية الملهمة.
ومن المشاهد المهمة التي تستحق التوقف عندها في "رسالة الإمام"، مشهد المواجهة بين الخليفة هارون الرشيد والإمام الشافعي الذي كان على وشك أن يقطع الخليفة رقبته، وكيف بدأ بكلمة "السلام عليكم يا أمير المؤمنين"، هذا المشهد هو واحد من أهم المشاهد التي تضمنتها دراما رمضان وتحديدًا في الحلقتين الأولى والثانية.
النبوى وهارون
أما في مسلسل "سره الباتع" للمخرج خالد يوسف، فمن مكاسب الحلقات الأولى: الطفل "آدم وهدان" الذي جسد دور "حامد" (أحمد فهمي في الطفولة)، حيث كان أداؤه لافتًا للأنظار، بل في حقيقة الأمر تفوق على الكثير من النجوم الكبار الذين كانوا معه بمشاهده، ويظل المشهد الذي ذهب فيه إلى ضريح السلطان حامد وقرر أن يبيت إلى جواره، والمونولوج الذي قاله للسلطان الراقد في مقامه من ألطف المشاهد.
آدم وهدان
"عملة نادرة" للنجمة نيللي كريم والمخرج محمد العدل والتأليف للدكتور مدحت العدل، المعروض على قناة CBC، ومنصة WATCH IT هو واحد من الأعمال التي تنافس بقوة في دراما رمضان 2023 ليس فقط لطبيعة القضية التي يناقشها العمل وهي "توريث المرأة في الصعيد"، وكيف أن العرف كثيرًا ما يكون عكس القانون في هذا الأمر، ولكن العمل يضم الكثير من العناصر الفنية المتميزة وإيقاع مشدود ويخلو من الملل بدءًا من اختيار أماكن التصوير التي تبدو غير نمطية أو مألوفة، وديكور النجع الذي تم بناؤه بالكامل، إضافة إلى التصوير والإضاءة "أحمد فهيم"، وبالطبع نجوم العمل الذين جاءت اختيارات بعضهم غير متوقعة، وفعليًا موفقة للغاية، وأقصد تحديدًا الثنائي الموهوب أحمد عيد الذي يقدم واحدًا من أفضل أدواره بعيدًا عن الكوميديا، وكذلك الفنان محمد فهيم، إضافة إلى قيام المخرج محمد العدل بتوظيف المخرج أحمد البدري، وكذلك صياغة الأغاني وتوظيفها داخل الأحداث بصوت محمد منير على شكل رباعيات تحمل تعليقًا على الأحداث، وأحيانًا بديلًا عن الحوار.
ومن أهم المشاهد في الحلقات الأولى من "عملة نادرة" هو المشهد الذي جسدته نيللي كريم بعد علمها بخبر وفاة زوجها بلال ودخولها الحجرة لتقبيله وتوديعه.. لم تذهب للمضمون في تلك المنطقة وهو الصراخ والنحيب واللطم وهذا يبدو طبيعيًا ومألوفًا في بعض القري والنجوع، ولكنها فضلت ذلك الأداء الصامت الحزين الذي يشع خوفًا كبيرًا مما وقع وأكبر مما هو قادم، ويحمل تساؤلات عن دم زوجها، وعدم الثقة في كل من حولها.. تنظر لملامحه بوجع وقهر حقيقين، وبنفس العينين الحزينتين والدموع التي تسقط بحساب.. تلتفت لأهل زوجها والنساء منهن من يلطمن الخدود أو ينتحبن ويصرخن بأصوات عالية وكأنها تتساءل من منكم قتله ويسير في جنازته، وأعتقد أن المسلسل سيشهد تعقيدات أكثر في الأحداث.
من المسلسلات التي لفتت الأنظار من حلقاتها الأولى أيضًا مسلسل "ضرب نار" للنجمة ياسمين عبد العزيز والنجم أحمد العوضي وإخراج مصطفي فكري وتأليف ناصر عبد الرحمن، المعروض على ON ومنصة watch it، حيث تميز النجم أحمد العوضي كثيرًا منذ أول مشهد له بالمسلسل على مستوى الأداء وإتقانه للهجة الصعيدية، وشكل الأزياء والملابس والديكور التي تأتي طبيعية وغير مبالغ فيها وتحاكي طبيعة المكان، وهذا أمر شديد الأهمية فيما يتعلق بتفاصيل الصورة، ويكفي طبيعة الأماكن وشكل الشوارع والحواري سواء في قرية العوضي بسوهاج وكذلك مشاهد روض الفرج.
العوضى
وإذا كان "ضرب نار" من الأعمال المبشرة التي استطاع صناعها جذب الأنظار -وأعتقد أن ذلك يعود للمخرج مصطفى فكري الذي انعكس عمله كمونتير في البدايات على إيقاع العمل وانضباطه، وقدرته على إدارة ممثليه- فيظل أحمد العوضي هو أكثر نجوم العمل تألقًا، ويكفي مشهده مع القديرة سهير المرشدي وهو يودعها قبل رحيله للقاهرة، ومشهد النجمة سهير المرشدي التي تجسد دور والدة جابر وهي تتحدث لابنها الثاني عبيد عن غربة جابر.. مونولوج أدته العظيمة سهير المرشدي باقتدار وتنغيم في الصوت يدمع العين، وكذلك تميزت فيه الجمل الحوارية التي صاغها المؤلف ناصر عبد الرحمن.
مسلسل "سوق الكانتو"، المعروض على قناة D M C ومنصة Watch it، هو أيضًا واحد من الأعمال المهمة التي تنافس على جذب أكبر عدد من المشاهدين، وقد يكون هو واحد من الأعمال التي بدأت بداية هادئة ليقدم شخصيات العمل وعلاقاتهم ببعضها البعض، إلا أنه بداية من التتر الذي جاء مختلفًا عن معظم المسلسلات المعروضة.. شخوص العمل جميعها مرسومة في اسكتشات فنية، ويتميز المسلسل أيضًا على المستوى البصري (مدير التصوير إسلام عبد السميع).. الأزياء أيضًا وتصميمها، وكذلك الديكور، ففي حقيقة الأمر يحفل المسلسل بالعديد من العناصر الفنية المتميزة.
كرارة وعبد العزيز مخيون
ومن المشاهد المهمة في الحلقات الأولى من العمل ذلك المشهد الذي جمع بين الجد حسنين القماش (عبد العزيز مخيون)، والحفيد طه القماش (أمير كرارة)، في مسجد السلطان حسن، بعد أن تمكن طه من إقناع جده بالخروج من عزلته، وذلك بدعوته للصلاة في المسجد الذي يحبه، وهناك كشف له الجد عن أمنيته، وهي أن يواصل طه حفيده مشواره في التجارة والسوق، كما واصل من جاء بعد السلطان حسن بناء مسجده الذي أنشأه، كما حكى له جده قصة إنشاء المسجد المشهد يستحق التوقف أمامه لأنه يحمل الكثير من المتعة الفنية الخالصة في أداء المخضرم عبد العزيز مخيون.