من الفنانين القلائل الذين يملكون جرأة التغيير، الفنان طارق لطفي، الذي يتألق عامًا بعد عام في الدراما الرمضانية.. يسير بخطوات محسوبة.. لا يلقي بالًا سوى للشخصيات التي يصنعها ويراهن على بقائها.
في العام الماضي راهن لطفي على شخصية "خلدون" بمسلسل "جزيرة غمام "، تلك الشخصية التي تحاكي "الشيطان" في الكثير من تفاصيلها وقدرتها على التلون، حيث وظف إمكانياته الفنية لصالح تلك الشخصية الصعبة والمركبة.. كان من السهل عليه أن يذهب لمنطقة المبالغة في الأداء من "زعيق" و"تبريق بالعينين" واستخدام حركة جسد مبالغ فيها، ولكنه كان أكثر وعيًا من الوقوع في هذا الفخ، حتى أنه في بعض الأحيان كان صوته ناعمًا يشبه "الودودة" أو "وسوسة الشيطان"، وفي أحيان أخرى يكون أقرب إلى "الفحيح".. عيناه التي تمتلئ بالشر، وفي لحظات أخرى يستكين ويضع رأسه على رجل الغجرية التي ربته.. تلك المنطقة من الأداء التي حلق فيها طارق لطفي في العام الماضي وتصدر أغلب ترشيحات أفضل ممثل، لكنه قرر هذا العام أن يقدم نمطًا مغايرًا تمامًا.
في مسلسله "مذكرات زوج"، الذي يعرض ضمن سباق دراما رمضان 2023 على قناة
"CBC" ومنصة watch it، نحن هنا أمام رؤوف: زوج يعيش حياة شديدة الرتابة، وتخضع كل تفاصيل حياته لنظام صارم وضعته زوجة قوية وشخصية مسيطرة "شيرين" التي تعمل مهندسة وتجسدها عائشة بن أحمد، هو لا يفعل أي شيء في الحياة سوى الذهاب إلى عمله ثم العودة إلى منزله والجلوس إلى مائدة الطعام في الموعد الذي قررته زوجته.. عليه أن يعلق ملابسه في مكانها الصحيح كل يوم، وغير مسموح له بترك حذائه في أي مكان سوى "الجزامة".. لا يعرف شيئًا حرفيًا عن أولاده، فالزوجة هي من تتولى ترتيب كافة تفاصيل حياتهم..
كل تلك الحياة النمطية الخاضعة لنظام شديد الصرامة يماثلها أيضًا عمل شديد الرتابة، ويحتاج إلى قدرة عالية من التركيز والانضباط، فهو مراقب جوي في المطار، يقضي عمله أمام الشاشات في مراقبة حركة الطيران وإعطاء الأوامر بالصعود والهبوط.. طوال الوقت يشعر أنه أقرب إلى الموت منه إلى الحياة.. محاصر بأصدقاء يعانون مثله، وآخرون من ثلته القديمة يرفضون الزواج والخضوع لتلك المؤسسة التي يرونها مرعبة.. صدفه فارقة تقع له وهو يسير داخل أروقة المطار حاملًا كوب قهوته عندما يصطدم بفتاة فتعتذر له قائلة "سوري يا عمو".. تلك الجملة التي ظلت تتردد في داخله مثلها مثل المصباح الذي يرتعش في منزله ويرغب في إصلاحه ولكنه يتردد طوال الوقت، كما أن زوجته ترفض وتفضل أن يأتي الكهربائي وكأن كل شيء حوله يخبره أنه ليس بخير وأن حياته تسير في اتجاه خاطئ.. هل يستطيع تغييرها والتغلب على كل مشاعر التعاسة التي يشعر بها؟..
تلك هي الشخصية التي يجسدها طارق لطفي في "مذكرات زوج".. زوج وإنسان شديد البؤس.. يرسم لطفي تفاصيل تلك الشخصية من خلال الصوت الخفيض وحركة الجسد الواهنة، والحركة البطيئة التي تعطي إحساسًا بالثقل طوال الوقت، في مجال زوجة لا تستطيع أن تتخلى عن نظامها وصرامتها، وكأن الحياة بالنسبة لها مجموعة من المعادلات الحسابية، فها هي لا تشغل بالها بعدد المرات التي يطلب منها زوجها الحديث، وكل الإشارات التي يعطيها لها بأنه يشعر بالخطر وأنه يريد أن يستعيد التفاصيل المبهجة أو ببساطة يستعيد نفسه، لذلك يقرر أن يقوم بتغيير المصباح ويصاب بماس كهربائي، ومن بعد تلك الواقعة يرفض الاستسلام ويبدأ في الإنصات لصديقه طبيب الأسنان الذي ينصحه بالذهاب للدكتور طه "لايف كوتش".. فهل سيتغير عالم رؤوف بطل المسلسل المليء بالكوابيس والتخيلات المزعجة، هل ستستجيب زوجته لمحاولاته وهي التي تتركه في عشائهما الرومانسي لتذهب لصديقتها التي تشاجرت مع زوجها.. هذا ما ستكشف عنه الحلقات المقبلة.
سيناريو المسلسل مليء بالتفاصيل وفي خطوط درامية متوازية هادئة. لا توجد صراعات عنيفة أو تحولات تجعلنا نشعر بأننا نلهث وراء الأحداث، بل هي مجموعة من التفاصيل الصغيرة تتشابك معا لتصنع مجرى أشبه بالنهر الهادئ.. النماذج المختلفة من أصدقاء الزوجين.. الخط الدرامي الخاص بالدكتور طه يجسده خالد الصاوي.. والدكتورة نجية تجسدها "سما إبراهيم التي تعالج بالطاقة.. الخط الدرامي الخاص بابنة خالة رؤوف قصة حبه الأولي التي تعود من أمريكا بعد خلاف كبير مع زوجها.. تلك هي طريقة محمد سليمان عبد المالك في صياغة السيناريو، مع مشاهد "الأفان تتر" الذكية التي تصور الحالة النفسية التي تعيش فيها الشخصية وهي المنفذة بشكل ذكي جدًا.
مسلسل " مذكرات زوج" دراما اجتماعية هادئة بدون صخب أو مبالغات سواء في الكتابة أو على مستوى التنفيذ.
المسلسل مأخوذ عن رواية الكاتب أحمد بهجت، وسيناريو وحوار محمد سليمان عبد المالك ،وإخراج تامر نادى وإنتاج شركة أروما للمنتج تامر مرتضى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة